تتمة تفسير قوله تعالى : << قال رجلان من الذين ............>> . حفظ
(( قال رجلان يخافون )) أبهم الله تعالى الرجلين وذلك لأن تعيين الرجلين باسمهما لا يتوقف عليه فهم القضية وفهم الواقع ، ولهذا تأتي آيات كثيرة وأحاديث كثيرة ليس فيها ليس فيها تعيين الإنسان بعينه لأن المقصود هو فهم القضية . وقوله: (( من الذين يخافون أنعم الله عليهما )) ذكرنا أن مفعول (( يخافون )) محذوف والتقدير: يخافون الله ، وذكرنا أن (( أنعم الله عليهما )) صفة لرجلان ، وتصح أن تكون حالا ، فإن كانت حالا قلنا لا إشكال ، لأن الحال وإن كانت وصفا لصاحبها إلا أنها تخالفه في الإعراب بخلاف النعت فإنه وصف وتابع للإعراب ، ولهذا قدم (( من الذين يخافون )) على قوله: (( أنعم الله عليهم )) وإن جعلت نعتا آخر فقد أخرت عن قوله: (( من الذين يخافون )) لأن النعت بشبه الجملة ألصق بالمنعوت من الجملة ، لأن لدينا ثلاثة أشياء: إما أن ينعت الموصوف لما يطابقه في الإفراد ، وإما أن ينعت بشبه الجملة ، وإما أن ينعت بالجملة ، وأيهما أقرب بشبه الجملة أو الجملة ؟ شبه الجملة . وقوله: (( ادخلوا عليهم الباب )) أي سيروا إليهم ولا تشعروهم بأنكم سائرون ، إيتوهم بغتة (( ادخلوا عليهم الباب )) بدون أن يكون هناك سابق علم ، لأنه ما من قوم قوتلوا في ديارهم إلا ذلوا ، ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربه حين أراد أن يجاهد أهل مكة وفتح مكة سأل الله تعالى أن يعمي الأخبار عنهم حتى يضغطها في دارهم ، أفهمتم ؟ ولهذا قال: (( ادخلوا عليهم الباب )) أي لا تنذروهم ولا تخبروهم أنكم قادمون عليهم ، والباب فيها أل وأل هنا للعهد ، أي العهد ؟ العهد الذهني ، أي باب المدينة . (( فإذا دخلتموه فإنكم غالبون )) يعني إذا دخلتم الباب فإنكم غالبون ولن يغلبوكم ، ستكون الغلبة لكم ، وهذا إرشاد وتوجيه . (( وعلى الله فتوكلوا )) لما أمر هذان رجلان هؤلاء القوم أن يأمنوا الأسباب النافعة أرشدوهم على أن لا يعتمدوا على أنفسهم بل يتوكلون على الله فقال: (( وعلى الله فتوكلوا )) والجار والمجرور في قوله: (( على الله )) متعلق بقوله: (( توكلوا )) والفاء مزيدة لتحسين اللفظ ، ولهذا لو قيل: وعلى الله توكلوا لصح ، ولا يصح هنا أن جعلها عاطفة يعني لو جعلناها عاطفة والواو عاطفة ما استقام الكلام ، لكن قال إنها زيدت لتحسين اللفظ . وقوله: (( فتوكلوا )) ما هو التوكل ؟ التوكل قال العلماء إنه صدق الاعتماد على الله ، أي أن يعتمد الإنسان على ربه اعتمادا صادقا مع الثقة به وحسن الظن وفعل الأسباب ، أربعة أصناف: صدق الاعتماد على الله ، الثاني: مع الثقة به ، الثالث: وحسن الظن ، والرابع: فعل الأسباب ، فإذا اجتمعت هذه الأوصاف الأربعة فهذا هو حقيقة التوكل ، فمن اعتمد على الله لكنه هو في شك فإنه ليس بمتوكل حقيقة ، كذلك أيضا لو أنه اعتمد على الله ولكنه لم يثق تلك الثقة إما بما يعلم من ذنوبه وإما بما يعلم من قصور الأسباب أو لغير ذلك فإنه لم يصدق التوكل . والثالث: حسن الظن ، وحسن الظن في التوكل أن يظن الإنسان بربه تبارك وتعالى أنه حسبه ، لقوله تعالى: (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه )) وقوله مع فعل الأسباب لأن هذا لابد منه ، إذ أن الله تعالى يقدر الشيء بسببه ، وهذا من تمام حكمته ، فإذا قلت انظر إلى قوله تعالى: (( هو الذي جعل الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه )) فلابد من سعي ، وقال تعالى: (( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله )) فلابد من فعل الأسباب ولكن بشرط أن تكون الأسباب شرعية، إما منصوصا عليها في الكتاب والسنة وإما معلومة بالتجارب الذي يشهد له القدر . (( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) هذا شرط في إخلاص التوكل على الله عزوجل ، إذ لا يتوكل على الله تمام التوكل إلا من كان عنده إيمان بما وعد الله به في قوله: (( ومن يتوكل على الله فهو حسبه )) ، (( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) وبعد هذه المشورة وهذا التوجيه الحسن النافع انظر الجواب :