الفوائد المستنبطة من قوله تعالى : << قال رجلان من الذين يخافون .....................>> حفظ
ومن فوائدها: أي أعني قوله تعالى: (( قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما )): أن الخوف من الله مما يحمل العبد على طاعته ، لأنه قال: (( يخافون )) ولاشك أن الخوف مما يحمل العبد على الطاعة كما أن الرجاء أيضا مما يحمل على الطاعة ، لكن الغالب أن الخوف يحمل على عدم المخالفة في الوقوع في النهي ، والرجاء يحمل على الموافقة بالطاعات في الأوامر . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الخوف من الله عزوجل من النعم ، ولاشك أنه من نعمة الله على العبد أن ينعم الله عليه بالخوف منه ، لقوله: (( أنعم الله عليهما )) . ومن فوائد هذه الآية: أنه ينبغي لمن أراد غزو بلد أن يعمي الأخبار عن أهلها ، لقول هذين رجلين ناصحين: (( ادخلوا عليهم الباب )) يعني ولا يعلمون بكم حتى تدخلوا الباب ، وقد ذكرنا لذلك شاهدا في فتح مكة ، حيث إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأل الله أن يعمي عن قريش الأخبار حتى يقيم في بلادهم . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من غزي في عقر داره فهو ذليل ، وهذا مثل مشهور: ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، يؤخذ من قوله: (( ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون )) وأهل البلد مغلوبون . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الدخول على البلدة لا يكون بتصور الجدر وإنما من الباب ، ولهذا لما حاصر الصحابة رضي الله عنهم حديقة مسيلمة الكذاب ما تسوروا الجدار بل فتحوا الباب ثم دخلوا وكان براء بن مالك رضي الله عنه مشهورا بالشجاعة والقوة وطلب منهم أن يرموه من وراء السور من أجل أن يفتح لهم الباب ففعلوا فدخل ففتح لهم الباب ، فتح لهم الباب ودخل الناس هذه الحديقة وحصل النصر .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن التوكل على الله من أسباب النصر ، لقول هذين الرجلين: (( وعلى الله فتوكلوا )) . ومن فوائدها: أن لا يعتمد الإنسان على نفسه وعلى السبب الحسي ، لقوله بعد أن وجههم (( أن يدخلوا عليهم الباب )) (( وعلى الله فتوكلوا )) ويشهد لهذا المعنى المأخوذ من هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) احرص على ما ينفعك هذا بفعل ما تستطيع من الأسباب، (واستعن بالله ) يعني لا تعتمد على نفسك ، اطلب العون من الله عزوجل حتى يحصل المراد . ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب إفراد الله تعالى بالتوكل ، لقوله: (( وعلى الله فتوكلوا )) وهذا فيه تفصيل ، وذلك أن التوكل المطلق الذي فيه تفويض المتوكل أمره إلى المتوكل عليه ، هذا لا يجوز إلا لله، والمتوكل على الله بهذا المعنى يشعر بأنه بحاجة وافتقار إلى الله عزوجل ، وأما التوكل وهو الاعتماد الجزء الذي لا يشعر المتوكل أنه مفوض أمره إلى هذا وأنه أي المتوكل إليه هو يمكن أن يقضي حاجته فهذا لا بأس به ، ولذلك جاءت السنة بجواز توكيل الغير والاعتماد عليه فيما وكل فيه، فمثلا تقول يا فلان اشتري لي كذا وكذا ، أنت الآن اعتمدت عليه ، لكن هل هذا اعتماد اعتقاد أو اعتماد معونة ؟ الثاني ، معونة ، فأنت الآن تشعر بأن هذا الرجل لست مفتقرا إليه لو شئت لعزلته وهو أيضا لا يمكن أن يأتي بمرادك ، قد يعتريه مرض وقد يمنع منه ، إلى آخره ، لكن توكل العبد على الله عزوجل ـ وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من المتوكلين عليه ـ يشعر الإنسان بأنه في حاجة إلى الله وأنه قد فوض أمره إلى الله عزوجل ، ومن ثم لا يمكن أن نقول إن التوكل على غير الله إنه شرك ، لأنه كما قلت لكم الفرق العظيم بين هذا وهذا ظاهر ، لكن قد يتوكل الإنسان ويعتمد الإنسان على من ينفق عليه مثلا ، الابن يعتمد على أبيه في النفقة، فهنا المسألة دقيقة جدا ، كذلك الموظف يعتمد على وظيفته ، هذه مسألة دقيقة إن أشعرت نفسك بأن هذا سبب محض وأن الذي جعله سببا هو الله وأن الله قادر على أن يمنع نفوذ هذا السبب ، وجعلت الأمر كله إلى الله عزوجل فإن ذلك لا ينافي التوكل لا أصله ولا كماله ، وأما إذا اعتمدت عليه وعلقت قلبك به فإن هذا بلاشك نوع من الشرك ، إن نسيت الله بالكلية ـ والعياذ بالله ـ وجعلت هذا هو الذي يجلب لك الأمور بنفسه فهذا أكبر وإلا كان أصغر ، ومن ذلك ما يقع كثيرا للمرضى أنه يعتمد على الطبيب اعتمادا كليا حتى إنه يشعر بنفسه أن الشفاء منه وهذا خطر عظيم ، أما إذا اعتمدت على الطبيب على أنه سبب والمسبب هو الله عزوجل وأن الله تعالى إن قدر لك الشفاء فهو الذي شفاك وإلا فالطبيب لن ينفعك وغايتنا هنالك أنني أذهب إلى الطبيب كما أوقد النار لطه الطعام مثلا ، فهذا لا بأس به ، ولابد أن نكون في القلب شيء من التعلق لمن ينفعه لكن يجب أن نجعل الأول والآخر هو الله عزوجل . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن إفراد الله بالتوكل من الإيمان ، لقوله: (( إن كنتم مؤمنين )) وأن نقص التوكل على الله نقص في الإيمان ، لأن ما رتب على شيء ازداد بزيادته ونقص بنقصه .