قال الله تعالى : { وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون } حفظ
ما الجمع بين هذه الآية وبين قول الله عز وجل (( ولقد خلقنا الإنسان من صلصال )) وقوله تعالى خلقكم من تراب فالجمع بينهما سهل وذلك أن أصل بني آدم تراب صب عليه الماء فصار طينا بقي زمنا مدة طويلة فصار صلصالا لأنه يسود وإذا صنع منه الشيء صار صلصالا له صوت إذا ضربته بأصبعك صار له صوت فلا خلاف ولا تناقض.
واعلم أنه لا يمكن أن يقع التناقض بين دليلين قطعيين أبدا لأنه لو وجد تعارض بينهما لم يكونا قطعيين لأن القطعي يعني أن غيره لا يمكن فلا يمكن التعارض ببين دليلين قطعيين أبدا لا في القرآن ولا في السنة ولا فيما بين القرآن والسنة ولا بين الأدلة العقلية والنقلية هذا لا يمكن لأنه لو تصورنا هذا فأحدهما قطعا غير صحيح إذ أن الدليلين القطعيين النسبة بينهما التناقض والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان لا بد من وجود أحدهما ولا يمكن أن يجتمعا ولا أن يرتفعا
فإذا تراءى لك التعارض بين دليلين قطعيين فاعلم أن الخطأ من فهمك وأنه يمكن الجمع بينهما وإما ألا يكون أحدهما قطعيا ويكون الحكم لايش ؟ للقطعي أما إذا كان ظنيين فيمكن التعارض وحينئذ ينظر للترجيح.
إذا كان في القرآن ما ظاهره التعارض على وجه قطعي فاعلم أن هذا لا يمكن أبدا فإما أن تكون الدلالة غير قطعية وإما أن يكون الحكم منسوخا أما أن يبقى الحكم والدلالة قطعية في الآيتين مثلا فإن ذلك لا يمكن
ومن فوائد الآية الكريمة أن الحكم لله عز وجل وحده لقوله (( قضى أجلا وأجل مسمى عنده )) ولا أحد يغير في هذه الآجال
ومن فوائدها أن من مات مقتولا فقد مات بأجله الذي قدره الله له لأن الله قضى لا يقال لولا أنه قتل لم يمت هذا مستحيل لأن الله قضى أن يموت بالقتل فهو مقتول بأجل لو قال قائل لو لا أن هذا الرجل قتل مثلا الساعة الثانية عشر في النهار لأمكن أن يتغدى الساعة الواحدة فماذا نقول ؟ نقول لا يمكن أبدا لأن الله قضى هكذا فلا بد أن يقع فكل ميت ، ميت في ايش ؟ في أجله المقدر له ما يتقدم ولا يتأخر لكن السبب قد يتقدم ويتأخر حسب نظر الإنسان.
كما أن طول العمر بصلة الرحم أيضا مقضي لا يمكن أن نقول لو كان هذا عاقا لمات قبل أن يموت إذا كان واصلا ليش؟ لأن قلنا الله قدر أن يكون واصلا وأن يتأخر عمره قضى الله أجلا ولا يمكن أن يتأخر .
من فوائد الآية الكريمة أن الأجل المعلوم عند الله الأجل المعلوم الذي هو الساعة عند الله عز وجل لا أحد يصل إلى العلم به وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين حتى أن النبي عز وجل سأله جبريل وجبريل أفضل الملائكة ومحمد أفضل البشر سأله عن الساعة فقال... ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) فإذا كان هذان الرسولان الكريمان لا يعلمان متى الساعة فمن دونهما من باب أولى
ومن فوائد هذه الآية الكريمة النداء بالبلاهة والغفلة لأولئك القوم الذين عرفوا أصلهم ومنشأهم فيمترون ويشكون في الأجل المسمى عند الله وهو يوم القيامة.
في سورة الجاثية احتج الذين ينكرون البعث و(( قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )) فماذا تقولون في هذه الدعوة نعم ؟ غير صحيحة لأن الذين أخبروا بالقيامة ما قالوا الآن يبعثون لم يأت الوقت بعد لكن هذا من باب التشبيه الذي يقصد به إضلال الخلق
ثم قال الله عز وجل (( وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون )) قوله (( وهو الله في السماوات )) الله علم على الرب عز وجل لا يكون لغيره وهذا متفق عليه بين المسلمين .
وهو علم مشتق من أين ؟ من الإلوهية وأصله الإله واعلم أن جميع أسماء الله مشتقة كما هو الظاهر ما فيه اسم جامد لله عز وجل أبدا وقوله (( في السماوات )) متعلقة بالاسم لأننا قلنا لكم الآن أن هذا الاسم مشتق والمشتق يحوز التعلق به كما قال ناظم القواعد قواعد الجمل
" لا بد للجازم من التعلق بفعل أو معناه نحو مرتقي "
إذن السماوات متعلقة بلفظ الجلالة لأنها مشتقة والمشتق يجوز تعلق الجار والمجرور به ولكن ما معنى في السماوات ؟ المعنى أنه على السماوات وليس المراد أنه فيها وهي محيطة به لأن هذا مستحيل الله تعالى أكبر من كل شيء
أو نقول أن المراد المعنى ليس الذات المعنى بمعنى أنه مألوه في السماوات يتأله إليه أهل السماء
وقوله (( في الأرض )) الواو حرف عطف والأرض معطوفة على السماوات فيكون المعنى الله في السماوات وفي الأرض أي مألوه ايش؟ في السماوات وفي الأرض فتكون هذه الآية كقوله تعالى (( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ))[الزخرف:84] وعلى هذا التفسير لا إشكال فيها أن الله تعالى إله في السماوات وفي الأرض أيضا
وذهب بعضهم إلى أن الآية فيها وقف على السماوات وهذا على جعل الله علما على الذات دون المتعبد لله يعني معناه أن الله في السماوات كقوله (( أأمنتم من في السماء ))
ثم استأنف فقال (( وفي الأرض يعلم سركم وجهركم )) فيكون في الأرض متعلقة بما بعدها بقوله (( يعلم سركم وجهركم )) أما على الوجه الأولى فمعنى الآية ظاهر أن الله مألوه في السماوات ومألوه في الأرض كما أنه خالق السماوات والأرض فهو مألوه في السماوات والأرض ويراد بذلك إثبات الإلوهية في السماوات والأرض كما ثبتت ايش ؟ الربوبية لأن الخلق من مقتضيات الربوبية هذا لا إشكال فيه .
المناسبة على القول الثاني أن المعنى أن الله ذاته لا من يألهه أن الله ذاته في السماوات فيكون المناسبة أنه ليس كونه في السماوات مع بعدها الشاسع بمانع عن علمه بكم وأنتم في الأرض فهو في السماوات ومع ذلك في الأرض يعلم سركم وجهركم فهمتم الفرق بين المعنيين؟ طيب المعنى الأول وهو الله في السماوات وفي الأرض أن إلوهيته ثابتة في السماوات وفي الأرض بمعنى أن من في السماوات يتألهه ومن في الأرض يتألهه نظيرها قوله تعالى (( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ))
المعنى الثاني يقول إن الله نفسه في السماوات أي عليها ومع ذلك يعلم سركم وجهركم في الأرض فليس بعده بمانع من علم السر وجهر منكم في الأرض واضح يا جماعة؟ طيب المعنى الثاني ما فيه ذكر للإلوهية ولكن فيه ذكر للإحاطة إحاطة الله بنا عز وجل وإن كان في السماوات طيب.
وهذا يفسره قول الله تعالى (( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ... ))[المجادلة:1] نعم أين التحاور الذي وقع ؟ في الأرض والله تعالى في السماء فتكون هذه الآية آية قد سمع كالتفسير لقوله (( وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم )) وقوله (( يعلم سركم )) أي ما في الصدور والإسرار نوعان إصرار في النفس وإسرار مع الغير فمثلا إذا حدث الإنسان نفسه بشيء في نفسه هذا إسرار مع النفس وإذا حدث غيره سرا لا يسمعه من بجانبه فهذا إسرار مع الغير
ولهذا نسمي القراءة في الظهر والعصر مثلا نسميها ايش ؟ سرية مع أنه ينطق الإنسان ينطق ويسمع نفسه ومع ذلك نسميها سرية ونسمي ما حدث به الإنسان نفسه نسميها سرا إذن فالسر يشمل المعنيين جميعا يعلم ما نسر في نفوسنا ولا نظهره لأحد وما نخبر به الغير على وجه خفي لا يسمعه الآخرون
(( وجهركم )) أي ما تجهرون به وتعلنونه
(( ويعلم ما تكسبون )) يعني يعلم كسبكم من خير وشر ودين ودنيا وعلم وغيره كل ما يحصل فالله عالم به عز وجل لا يخفى عليه نسأل الله أن يعاملنا بعفوه