قال الله تعالى : { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} حفظ
ثم قال الله عز وجل (( ولو ترى إذ وقفوا على ربهم )) هذا موقف آخر والخطاب في قوله (( ترى )) إما للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتوجه إليه الخطاب إذ وقفوا أي حين وقفوا على ربهم والآية التي سبقت قد يقول قائل كيف عبر عن المستقبل بالماضي (( إذ وقفوا )) ولم يقال إذا يقفوا إذ يقفون ما قال إذ يقفوا فيقال الشيء المحقق يعبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه ومنه قوله تعالى (( أتى أمر الله فلا تستعجلوه )) فيكون هذا تصوير للحال المستقبلة كأنها شيء حاضر ماضي نعم إذا وقفوا على ربهم وهو الله عز وجل وإنما أضاف ربوبيته إليهم مع أنهم من أراذل عباد الله إشارة إلى أنه عز وجل هو الخالق المالك المدبر لهم فكان عليهم أن يقوموا بعبادته فيكون إضافة الربوبية إليهم للإشارة إلى أن السلطان له عليهم عز وجل ومع ذلك لم يؤمنوا به ولا برسله ولا عملوا لهذا اليوم
قال الله عز وجل (( إذا وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق )) قال جملة استئنافية لبيان ما حصل عند الوقوف (( أليس هذا بالحق )) المشار إليه البعث الذي كان ينكرونه وفي هذه الجملة حرف جر زائد الباء في قوله (( بالحق )) زيادة الحروف يقول أهل العلم في البلاغة إنها تدل على التوكيد فعلى هذا تكون هذه الجملة مؤكدة بالباء الزائدة إعرابا أليس هذا بالحق أي بالصدق الثابت الذي لا مرية فيه (( قالوا بلى وربنا )) فأجابوا بالجواب مع الإحسان وكانوا في الأول يقولون لا نرد وهنا أقسموا على أن هذا البعث حق ولكن لو سألني سائل هل ينفعهم القسم ؟ لا ينفعهم لأن الدار الآخرة دار جزاء وليست دار عمل (( قالوا بلى وربنا )) قال طيب بلى وربنا الواو هذا حرف قسم والقسم كما مر علينا كثيرا هو تأكيد الشيء بذكر معظم بأداة مخصوصة وهي الواو والباء والتاء قال (( قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون )) يعني قال الله عز وجل لما أقروا بأن هذا هو الحق تبين أن إنكارهم الأول كان كفرا فإقرارهم وقوله (( ذوقوا العذاب )) الأمر هنا للإهانة وليس للتكريم لأنه لا أحد يكرم بالعذاب لكنه للإهانة وأطلق الذوق على العذاب لتحقق وقوعه فإن ذوق الإنسان للشيء يعني أنه تيقنه تماما
فلو قلت لك مثل في جيبي لك تفاحة تصدق فإذا رأيتها ازداد يقينك فإذا أكلتها ازداد أكثر ويسمى الأول علم اليقين والثاني عين اليقين والثالث حق اليقين وقوله (( بما كنتم تكفرون )) الباء للسببية وما مصدرية وعليه فيقدر ما بعدها بالمصدر وكون التقدير بكونكم تكفرون أي تكفرون باليوم الآخر وبمن أخبركم باليوم الآخر وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام وبمن أرسلهم أين الجواب لهم ؟ محذوف تقدير لرأيت أمرا عظيما وحذفه جائز ولكن هل حذفه جائز على مستوي الطرفين أو مستوى الطرفين أو حذفه أبلغ ؟ الجواب الثاني من أجل أن يذهب الذهن كل مذهب لأنه لو ذكر الجواب تحدد بما ذكر لكن إذا حذف صار الإنسان يتصور هذا الشيء المحذوف شيئا ايش ؟ شيئا عظيما أكثر من أن يوصف فيكون حذف مثل هذا الشيء من باب البلاغة إلا أنه يطابق لمقتضى الحذف