قال الله تعالى : { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } حفظ
ثم قال الله عز وجل (( قد نعلم إنه ليحزنك )) البحث أولا قد نعلم للتحقيق لكن قال النحويون أنها مع الماضي للتحقيق ومع المضارع للتقليل هذا هو الغالب مع الماضي للتحقيق كقوله تعالى (( قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ))[ق:4] وفي المضارع يقولون أنها للتقليل ومنه قولهم قد يجود البخيل فقد هنا للتقليل لكنها وردت في القرآن مقرونة بالمضارع وهي للتحقيق مثل قوله تعالى (( قد يعلم ما أنتم عليه )) ومثل هذه الآية (( قد نعلم أنه ليحزنك )) ولها أمثلة فهل نقول أنها للتقليل أو نقول أنها للتحقيق ؟ الجواب للتحقيق لا شك لكن عبر عن الماضي بالمضارع إشارة إلى أن الله عز وجل علم ويعلم ما يكون فتكون دالة على الاستمرار بخلاف علم الله فهي دالة على شيء مضى وانتهى لكن إذا كان الشيء مستمرا جاءت بلفظ المضارع طيب
وثانيا (( إنه ليحزنك )) مع أنها واقعة بعد العلم وإذا وقعت بعد العلم وجب أن تكون مفتوحة الهمزة كما في قوله تعالى (( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم )) (( علم الله أنكم ستذكرونهن )) فلماذا كسرت هنا ؟ كسرت لوجود لام التوكيد فإذا وجدت لام التوكيد وجب كسر إن على كل حال عرفتم ؟ إذا كان خبرها أو اسمها باللام وجب أن تكسر على كل حال لولا اللام لكان سياق الآية قد نعلم أنه يحزنك لكن اللام تكسر الهمزة (( قد نعلم أنه ليحزنك )) فيها قراءتان (( ليحزنك )) و(( ليحزنك )) ، ليحزنك من الرباعي من أحزن يحزنه ليحزنك من الثلاثي حزنه يحزنه والحزن ضد السرور فهو معنى قائم في النفس يستلزم الانكسار والندم
(( ليحزنك الذي يقولون )) ما الذي يقولون ؟ يقولون قولا منكرا عظيما يقولون لله البنات يقولون نعبد الأصنام لتقربنا إلى الله عز وجل يقولون للرسول عليه الصلاة السلام أنه ساحر أنه مجنون أنه كافر فكل ما يقولونه مما ينافي التوحيد والرسالة لا شك أنه يحزن الرسول صلى الله عليه وسلم هل هذا انتصار لنفسه أو غضب لله عز وجل أو حزنا لله عز وجل ؟ الثاني بلا شك (( فإنهم لا يكذبونك )) يقول عال السر وأخفى الله عز وجل الذي يعلم ما في القلوب (( فإنهم لا يكذبونك )) يعني بقلوبهم أما بألسنتهم فيقولون أنه ساحر أو كذاب لكن في قلوبهم لا يعلمون أنه صادق وأنه أمين وكانوا يسمونه قبل الرسالة الأمين ويرضونه ويحكمونه لكن لما جاء بالحق والعياذ بالله ... به وأنكروه (( فإنهم لا يكذبونك )) أي كمل ؟ بقلوبهم بخلاف الألسن فإنهم يكذبون (( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون )) الظالمين هنا المراد بهم المكذبون للرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو ظلم الكفر (( بآيات الله )) متعلق بها جحودهم وقدم عليه لإفادة الحصر والثاني لتناسب رؤوس الآيات لأن تناسب رؤوس الآيات من البلاغة بلا شك ولهذا تأمل قول الله عز وجل في سورة طه (( قالوا آمنا برب هارون وموسى )) فقدم هارون على موسى مع أن موسى مقدم في جميع المواطن لكن من أجل تناسب رؤوس الآيات ففيها إذن فائدتان معنوية والثاني لفظية المعنوية هي إفادة الحصر كأن المعنى ولكن الظالمين لا يجحدون إلا بآيات الله وإلا يعترفون بأشياء كثيرة إلا آيات الله عز وجل فإنهم لا يعترفون بها