تتمة الفوائد حفظ
أن أعداء الرسل لا يقتصرون على مجرد التكذيب بل يؤذون الرسل وأتباعهم والأذية قد تكون جسدية وقد تكون مالية وقد تكون فكرية وقد تكون عسكرية أنواع متعددة والكافر يرى أقرب وسيلة تحصل بها الأذية للمسلم لا شك في هذا ولو حصل له أن يبيد الأمم الإسلامية في ليلة بين عشية وضحاها لفعل ذلك
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أن فرج الله عز وجل يأتي مع شدة الكرب كلما اشتد الكرب فاعلم أنه دنا الفرج ويؤيد هذا قوله عز وجل(( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا )) فجعل الله مقابل العسر الواحد يسرين وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا ) وهذا كلام الله وكلام رسوله حق وصدق ولكن النفوس قد تبوء بالفشل فلا تصلح
ومن فوائد هذه الآية الكريمة ألا يرجى النصر إلا من عند الله لقوله (( حتى أتاهم نصرنا )) لم يقل حتى نصرهم فلان وفلان قال حتى أتاهم نصرنا وإذا علمنا أن النصر لا يكون إلا من عند الله فممن نطلب النصر ؟ من الله عز وجل ولهذا اختصر النبي صلى الله عليه وسلم في عريش له يوم بدر يناشد ربه تبارك وتعالى النصر حتى نصره الله والحمد لله لا تطلب النصر إلا من الله حتى في المجادلة العلمية لا تطلب النصر من فلان يوافقك أو لا يوافقك اطلب النصر من الله إذا كنت وصلت إلى الحق فاطلب الله أن ينصرك أو اطلب الله أن يهديك الصراط المستقيم
ومن فوائد الآية الكريمة أنه لا مبدل لكلمات الله أي لا أحد يبدلها إذا قدر الله النصر لا أحد يمنعه وإذا قدر الخذلان فلا أحد يمنعه أما الكلمات الكونية فعدم المبدل لها ظاهر الكلمات الكونية لا بد أن تكن كن فيكون قال الله تعالى كن لنزول المطر فنزل لا أحد يمنعه قال لامتناع المطر يمتنع لا أحد ينزله فالكلمات الكونية مفروغ منها أنه لا أحد يستطيع أن يبدلها
أما الكلمات الشرعية فمن الناس من يبدلها لكن تبديله هذا باطل والباطل لا وجود له شرعا في من بدل الكلمات الشرعية وإلا لا ؟ في الأمم السابقة وفي هذه الأمة ولكن هل هذا التبديل غير من خصائص هذه الكلمات ؟ أبدا لا يستطيعون مهما حاولوا لا يمكن هم لو بدلوها ظاهرا كما بدلوه فإنه باطل والباطل لا حكم لوجوده
ومن فوائد الآية الكريمة قوة وعظمة الله وسلطانه عز وجل حيث إنه لا مبدل لكلماته غير الله عز وجل مهما بلغ من السلطان والقدرة والقوة والجنود فإن كلماته تبدل فإن قال قائل ما تقولون في النسخ أليس فيه تبديل ؟ بلى فيه تبديل لكن من بدله ؟ الله عز وجل وكلماته الناسخة لا مبدل لها يعني لا يمكن أن نلغي الناسخ لأنها كلمات الله عز وجل قال الله عز وجل (( لا مبدل لكلماته )) ايش بعدها ؟ (( ولقد جاءك من نبأ المرسلين ))
فيها من فوائد الآية أيضا إثبات أن الله يتكلم وهذا قد ملأ منه القرآن وقد جاءت الآية الكريمة بقوله تعالى (( وكلم الله موسى تكليما )) مؤكدة ذلك لأن تكليم المصدر مؤكد والمصدر المؤكد ينفي احتمال المجاز طيب كلمات الله عز وجل بحروف ولا بغير حروف ؟ بحروف وإلا لم تكن كلاما بأصوات وإلا بغير أصوات ؟ نعم بصوت يتكلم الله بصوت مسموع ولا يمكن أن يكون الكلام معنى قائما في النفس لأن هذا المعنى القائم في النفس يا إخواني هل يسمى كلام ؟ يسمى حديث نفس ولا يسمى كلاما الكلام ما نطق به اللسان وليس ما حل بالجنان ولهذا إذا أراد الله عز وجل حديث النفس عبر عنه كما في قوله (( ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول )) خالف في الكلام طوائف مرت علينا في كتاب النونية يعني من أبينها وأبرزها
الأول مثل المعتزلة يقولون إن كلام الله أصوات مخلوقة خلق الله أصواتا كما خلق أصوات الرعد والصواعق فهي مخلوقة تماما لا إلى علم الله وإنما نسبت إلى الله تشريفا لها كما في قوله ناقة الله وبيت الله و....الله وما أشبه ذلك الطائفة الثانية الأشاعرة الذين يدعون أنهم هم الذين جادلوا المعتزلة قالوا إن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس معنى قائم بنفسه لا يسمع وليس له صوت ولا حروف ولكنه خلق أصواتا وحروفا لتعبر عما في نفسه بالله عليك أهناك فرق بين مذهبهم ومذهب المعتزلة ؟ لا فرق كما قاله بعض علمائنا إنه لا فرق بينهم وبين المعتزلة لأننا متفقون على أن ما في هذا المصحف مخلوق لكن المعتزلة قالوا هو مخلوق حقيقة وهو كلام الله حقيقة وأولئك الأشعرية قالوا ليس كلام الله حقيقة كلام الله هو القائم في نفسه وهذا عبارة عن كلام الله فأيهم أقرب إلى الصواب من حيث القواعد المعتزلة أقرب إلى الصواب أما أهل الحق السلف وأتباعهم من الأئمة فقالوا إن الله عز وجل يتكلم نفسه يتكلم بكلام مسموع بحرف مرتب ولا يعقل الكلام إلا على هذا الوجه طيب إذا قال قائل هل كل ما خلقه الله قليلا أو كثيرا يكون بكلمة كن ؟ الجواب ظاهر النصوص هكذا كل ما خلقه الله يقول له كن ولهذا كان كلمات الله لا نفاد لها(( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ))[الكهف:109] ويحتمل أنه عز وجل قال كن في أول الأمر وصار المخاطب يقوم بما أمر به كما قال للوح المحفظ اكتب ما هو كائن فكتب ما هو كائن
ومن فوائد الآية الكريمة إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبتت رسالات من قبله لقوله (( ولقد جاءك من نبأ المرسلين ))
ومن فوائد هذه الآية الكريمة تأكيد رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بالقسم واللام وقد
من فوائد الآية الكريمة أن القرآن الكريم يراعى فيه فواصل الآيات لقوله (( ولقد جاءك من نبأ المرسلين )) وقال في آية أخرى (( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ))[هود:120] ومراعاة الفواصل ظاهر في القرآن الكريم انظر إلى سورة طه انظر إلى سورة اقتربت الساعة حتى قال (( وحملناه على ذات ألواح ودسر )) دسر جمع دسار وهو المسمار كل ذلك لأجل أن تتناسب السورة في فواصل الآيات وذلك لأن هذا من البلاغة ولأن هذا مما تصغي له الأسماع ولأن ذلك مما تطرب له القلوب فهذه ثلاث فوائد تناسب الآيات الكريمة
ومن فوائد الآية أنه قد يكون فيها إشارة إلى أن محمد خاتم الرسل لقوله (( ولقد جاءك من نبأ المرسلين )) الذين أرسلوا فإن صح أخذ هذه الفائدة من الآية وإلا فكونه خاتم النبيين أمر مجمع عليه نص عليه القرآن الكريم في قوله تعالى (( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ))[الأحزاب:40] يعني ولكن كان رسول الله وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم نعم.