قال الله تعالى : { و إن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين} حفظ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى (( وإن كان كبر عليك إعراضهم )) وإن كان كبر عليك إعراضهم لا شك أن كان تحتاج إلى اسم وخبر وكبر تحتاج إلى فاعل فهل نقول إن كان اسمها ضمير الشأن مستتر وكبر عليك إعراضهم خبرها أو نقول إن إعراضهم تنازع فيه كان تطلبه اسما وكبر تطلبه فاعلا يحتمل هذا وهذا ولكن الأول أوجه يعني فإن كان الشأن في هذا الأمر أنه كبر عليك إعراضهم أي عظم عليك إعراضهم وذلك بما كان في نفسك من الحزن والأسى فحاول أن يهتدوا على يدك (( فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ))[الأنعام:35] يعني فافعل ولكن ليس عليك إلا الصبر وهذه الجملة إن كان كبر عليك إعراضهم أتى بعدها جملة شرطية أخرى فإن استطعت وهذا من تداخل الجملتين الشرطيتين فتكون الجملة الثانية في محل جزم جواب الجملة الأولى وهذا يوجد حتى في القرآن وغيره في كلام العرب أما في القرآن كهذه الآية وكما في قوله تعالى (( فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ))[الواقعة:87] هذا شرط داخل شرط ومنه قول الشاعر:
" إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا "
هذا الشرط الأول ثم الثاني قيد فيه تجدوا فيها جواب الشرط المهم إن كان كبر عليك إعراضهم هذه جملة شرطية الجملة الأولى فالجملة شرطيةفي ضمن جملة شرطية الأولى إن كان كبر عليك إعراضهم الثانية (( فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء )) جواب الجملة الثانية محذوف التقدير فافعل ولن يمكنك ذلك فإن كان لا يمكنك فإنه لا يمكنك أن تأتي بالآيات التي اقترحوها وإذا كان لا يمكنك فلا تحزن عليهم لأن الإنسان لا يحزن إلا على شيء يمكنه أن يفعله ولم يفعل
(( كبر عليك إعراضهم )) أي عظم ، عظم عليك وشق عليك ((إن استطعت)) أي قدرت (( على أن تبتغي نفقا في الأرض )) أي تطلب نفقا في الأرض والنفق هو السرداب يحفر في الأرض ويدخل الإنسان فيه ليصل إلى أعماق الأرض فالآية هنا فتأتيهم بآية (( أو سلما في السماء )) تبتغي مصعدا أي مصعدا تصعد في الجو فتأتيهم بآية فبين الله عز وجل النزول والارتفاع لا يستطيع أن ينزل فيحفر نفقا في الأرض ليستخرج الآيات ولا أن يصعد إلى السماء فيأتي بالآيات ولكن المعنى واضح إذا كان لا يمكنك هذا وهو معلوم للجميع فإنه لا يمكنك أن تأتي بما اقترحوه من الآيات كما قال عز وجل في آية أخرى (( وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ))[العنكبوت:50] (( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ))[الأنعام:35] لو شرطية فعل الشرط جاء جوابه لجمع لكن أين المفعول في شاء هل نقدره مطابقا للفظ الجواب أو نقدره بمعنى آخر قدره بعضهم بقوله ولو شاء الله هدايتهم لجمعهم على الهدى وقدره آخرون بقولهم ولو شاء الله أن يجمعهم على الهدى لجمعهم على الهدى أيهما أنسب؟ الثاني أو الأول ؟
الطالب: الأول
الشيخ : لا الثاني أن نقدر المحذوف مطابقا للموجود أي ولو شاء الله أن يجمعهم على الهدى وجمعهم على الهدى أعظم من مجرد الهداية لأنهم قد يهتدون ولا يجمعون وهذا ينبغي لنا أن نطرده من كل ما كان مشابها ولو شاء الله ما اقتتلوا ماذا نقدر ؟ ولو شاء الله ألا يقتتلوا ما اقتتلوا فتقدير الشيء مطابقا للموجود أولى من تقدير شيء غير مطابق ولا نعلم هل الله أراده أم لا فما بين أيدينا هو المتعين إذن ولو شاء الله أن يجمعهم على الهدى لجمعهم لأن القلوب بيد الله عز وجل وهذا كقوله تعالى (( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة )) أي على دين الإسلام (( ولو شاء الله لهدى الناس جميعا )) لأن الأمر كله بيده عز وجل (( فلا تكونن من الجاهلين )) نهي مؤكد جمع بايش ؟ النهي هنا مؤكد بايش؟ (( فلا تكونن من الجاهلين )) بنون التوكيد يعني ينهاه الله عز وجل نهيا مؤكدا ألا يكونن من الجاهلين والجهل نوعان جهل سفاهة وجهل انتفاء علم أيهما المراد ؟ الثاني بلا شك مثال الجهل الذي هو السفاهة قول الله عز وجل (( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ )[النساء:17] وليس المراد بالجهالة انتفاء العلم لأن انتفاء العلم يستدفع به الحرج والإثم إذن فلا تكونن من الجاهلين بايش ؟أي من الذين لا يعلمون سنن الله عز وجل في خلقه
فإن قال قائل هل يلزم من نهيه عز وجل نبيه عن أن يكون من الجاهلين أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل فعل الجاهليين ؟ الجواب لا كما في قوله تعالى (( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ))[البقرة:147] وقال عز وجل (( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ ))[يونس:94] فلا يلزم من هذا الشرط أن يقع المشروط إذن اعني (( لئن أشركت ليحبطن عملك )) وأشباهها (( فلا تكونن من الجاهلين )) أي من ذوي الجهل الذين لا يعرفون سنن الله في خلقه انتبه فأنت يا محمد لست جاهلا حتى يكبر عليك إعراضهم وحتى تحزن لعدم إيمانهم لأن ذلك من حكمة الله عز وجل نعود إلى استخراج الفوائد