الفوائد حفظ
في هذه الآية تحذير من نزول العذاب إما بغتة وإما جهرة فلا يأمن الإنسان إذا كان عاصيا أن ينزل به العذاب ولكن أتظنون أن العذاب هو عقوبة الجسد ؟ لا عقوبة الجسد لا شك أنها عذاب لكن أكبر من ذلك الإعراض عن دين كما قال تعالى (( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ))[المائدة:49] ولهذا قال العلماء رحمهم الله إن المعاصي بريد الكفر ينزلها الإنسان مرحلة ، مرحلة كما ينزل البريد المسافة مرحلة ، مرحلة حتى يصل إلى الكفر والعياذ بالله ووجه ذلك ظاهر لأن المعاصي تقسي القلب وتسود القلب وتيبس القلب حتى يصبح ميتا وتحل الكارثة ولكن الحمد لله جعل الله لكل داء دواء المعصية اقرنها بالتوبة وإذا تبت فالتوبة تهدم ما قبلها تكون كأنك لم تذنب ولله الحمد بل إن الإنسان إذا تاب إلى الله توبة نصوحا ربما تكون حاله بعد التوبة أكمل من حاله قبل المعصية انظر إلى قول الله عز وجل (( وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى )) فارتفعت منزلته حين تاب من المعصية وهذا شيء مشاهد لأن الإنسان إذا بقي مستمرا على حاله في طاعة الله بقي قلبه لا يتحرك يفعل الأشياء هذه وكأنها غريزة إذا أذنب خجل من الله عز وجل واستحيا من الله وأخبت إلى الله عز وجل وصار يتذكر هذا الذنب في كل لحظة ولهذا قال بعض السلف إن المعصية بالنسبة للفاسق كذباب وقع على أنفه فطرده يعني خفيفة عنده وأما أهل القلوب الحية فالمعصية كأنها جبل يستثقلها ويخاف منها حتى يتوب إلى الله تبارك وتعالى
قوله ((هل يهلك إلا القوم الظالمون )) استفهام بمعنى النفي فهل بمعنى ما وقد ذكرنا فيما سبق أن الاستفهام إذا كان بمعنى النفي صار أشد من النفي المجرد لأنه يتضمن النفي والتحدي كأن المتكلم يقول للمخاطب أثبت لي هذا الشيء فيكون الاستفهام بمعنى النفي أشد من النفي المجرد (( هل يهلك إلا القوم الظالمون )) طيب الظلم ينقسم إلى قسمين: ظلم في حق الله وظلم في حق العباد أما الظلم في حق الله فدواؤه التوبة مهما عظم حتى لو كان شركا بالله عز وجل بل حتى لو كان سبا لله على القول الراجح فإنه يجوز التوبة حق الآدمي لا يزول إلا برده إليه أو استحلاله منه وإلا مهما كان الإنسان إذا تاب وأخلص لله وندم فإنه يكفي حتى يرد بل إن رد المظالم لأهلها من شروط التوبة لأن من شروط التوبة أن يقلع الإنسان عن الذنب ولا إقلاع عن الذنب مع استمرار أخذ مال الغير