قال الله تعالى : { قل لآ أقول لكم عندي خزآئن الله و لآ أعلم الغيب و لآ أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى و البصير أفلا تتفكرون} حفظ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى (( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ ))[الأنعام:50] الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو أمر من الله إليه أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أمر لإبلاغ خاص وإلا فكل القرآن قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغه لكن تأتي بعض الأحكام مصدرة بقل إشارة إلى أهميتها كقوله تعالى (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم )) (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ))
(( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة )) والأمثلة على هذا كثيرة فيكون في هذا الحكم المذكور يكون وصية خاصة لإبلاغهم وإلا فكل القرآن قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغه كما قال تعالى (( لتبين للناس ما نزل إليهم )) (( قل لا أقول لكم )) الخطاب في أقول لكم للمشركين المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم (( عندي خزائن الله )) هذا المقول يقول أي لا أقول عندي خزائن الله أي خزائن رزقه فأرزقكم وأحرم من أشاء (( ولا أعلم الغيب )) يعني ولا أقول لكم إني أعلم الغيب والغيب ما غاب وهو نوعان:
غيب نسبي وهذا قد يعلم فمثلا الشارع الآن فيه أناس أنا لا أعلمهم والذي يشاهدهم يعلمهم هذا غيب نسبي وغيب مطلق حقيقي وهو ما غاب عن الناس كلهم فهذا لا يعلمه أحد كالعلم بما سيحدث في المستقبل هذا لا يمكن أن يعلمه أحد لا الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره ولا أعلم الغيب إذن الغيب كل ما غاب وهو نوعان: نسبي وحقيقي فالنسبي ما غاب عن بعض الناس دون بعض والحقيقي ما غاب عن جميع الناس والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب لا النسبي ولا الحقيقي لكن في النسبي ما شاهده علم به ولذلك لما انخنس منه أبو هريرة رضى الله عنه وكان أبو هريرة جنبا قال له ( أين كنت ) فهو لا يعلم كذلك لما دخل بيته وطلب الطعام وأتوا إليه بتمر وطلب اللحم قال ( ألم أر البرمة على النار ) وهنا لم يجزم بأن فيها لحما مع أنها عنده في البيت لأنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب
(( ولا أقول لكم إني ملك )) خاطبهم مخاطبة غير الأولى يعني كرر المخاطبة لأن المقام هنا وهو نفي أن يكون ملكا أبلغ وأشد (( ولا أقول لكم إني ملك )) والإتيان بكاف الخطاب يدل على شدة توجيه الخطاب إلى المخاطب ولهذا اقرءوا في سورة الكهف قول الخضر لموسى في الأول قال (( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ))[الكهف:72] وفي الثانية قال (( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ))[الكهف:75]
(( ولا أقول لكم إني ملك )) واحد الملائكة إذن هو بشر من بني آدم ثم ذكر الله عز وجل وظيفته التي يقولها قال (( إن أتبع إلا ما يوحى إلي )) إن بمعنى ما فهي نافية وإن في اللغة العربية لها معان حسب السياق فتأتي نافية وتأتي شرطية مثالها إن اجتهدت نجحت وتأتي مخففة من الثقيلة مثل (( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) أي إنهم كانوا وتأتي زائدة لا معنى لها إلا التوكيد كقول الشاعر
:" بني غدانة ما إن انتم ذهب ولا صريف ولكن أنتم الخزف "
والصريف الفضة طيب الشاهد في قوله " ما إن أنتم ذهب " فإن إن زائدة ولهذا لو قال الشاعر ما أنتم ذهب صح ما الذي يعين هذه المعاني ؟ الذي يعينه السياق فدل ذلك على أن الألفاظ يتعين معناها بالسياق وهو مما يؤيد قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ألا مجاز في اللغة لأن الكلمة يتعين معناها بسياقها حتى وإن استعملت بمعنى آخر في غير هذا السياق إذن الذي يعين السياق كذلك الذي يعين المعنى القرينة الحالية لأن السياق قرينة لفظية القرينة الحالية أن يدل حال المتحدث عنه على المعنى مثل قوله :
" وإن مالك كانت كرام المعاني "
هنا لا يمكن أن تكون نافية لأنه كان يفتخر بقومه فيتعين أن تكون مخففة من الثقيلة (( إن أتبع )) أي ما أتبع (( إلا ما يوحى )) إلي يعني إلا ما أوحاه الله إلي والوحي هو إعلام الله عز وجل لأحد أنبيائه بالشرع هذا الوحي وسمي ذلك من الإيحاء وهو السر والإخفاء لأن الوحي يقع خفيا ما كل أحد يدري عنه وقوله (( إلا ما يوحى إلي )) لم يبين الموحي وذلك للعلم به كما قال عز وجل (( وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي )) فالموحي هو الله عز وجل إلا ما يوحى إلي هذه وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم وهذه ما لا يختص بها ولا تقع منه
(( قل )) يعني يا محمد بعد أن تبين هذا (( هل يستوي الأعمى والبصير )) هل بمعنى ما وجاءت أداة الاستفهام بمعنى النفي لأنه مشربة معنى التحدي يعني لا يستوي الأعمى والبصير وإن كنتم صادقين فبينوا لي الأعمى صفة مشبهة والبصير من يبصر ومن المعلوم أنه لا أحد يقول إن الأعمى والبصير سواء فما المراد بالأعمى هنا وما المراد بالبصير ؟ المراد بالأعمى الكافر كما قال تعالى (( صم بكم عمي فهم لا يرجعون )) والمراد بالبصير المؤمن بصير من البصير وبصير من البصر ((أفلا تتفكرون )) الاستفهام هنا للتوبيخ يعني أبعد هذا تعرضون فلا تتفكرون نعم