قال الله تعالى : << واتل مآأوحي إليك من كتاب ربك لامبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا >> حفظ
(( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ )) هذا كالنتيجة لقوله : (( وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا )) فقوله : (( اتل )) يشمل التلاوة اللفظية والتلاوة العملية ، أما التلاوة اللفظية فظاهرة تقول : فلان تلا علي سورة الفاتحة ، التلاوة الحكمية العملية أن تعمل بالقرآن فإذا عملت به فقد تلوته أي تبعته ولهذا نقول في قوله تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ ))[فاطر:29] يشمل التلاوة اللفظية والحكمية ، وقوله : (( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ )) الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام ولكن اعلم أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول : ما دل الدليل على أنه خاص به فهو خاص به . الثاني : ما دل الدليل أنه للعموم فهو للعموم .
الثالث : ما يحتمل الأمرين فقيل : إنه عام ، وقيل : إنه خاص وتتبعه الأمة لا بمقتضى هذا الخطاب ولكن بمقتضى أنه أسوتها وقدوتها . مثال الأول الذي دل الدليل على أنه خاص به : قوله تبارك وتعالى : (( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ))[الشرح:1]، هذا لا شك أنه خاص به ، (( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ))[الضحى:6]، هذا خاص به . ومثال الثاني الذي دل الدليل على أنه عام : قوله تعالى (( يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ ))[الطلاق:1]، فإن قوله : (( إذا طلقتم )) خطاب لمفر ولا لجماعة ؟ لجماعة وهم الأمة لكن نادى زعيمها سبحانه وتعالى ورسولها لأنهم تابعون له فقال : (( يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ )) إذاً الخطاب يشمل النبي صلى الله عليه وسلم وجميع الأمة . ومثال ما يحتمل الأمرين : هذه الآية (( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ )) لكن هذه قد يقول قائل : إن فيها قرينة تدل على أنه خاص به كما سنذكرها إن شاء الله ، لكن الأمثلة على هذا كثيرة والصواب أن الخطاب للأمة لكن وجه لزعيمها وأسوتها لأن الخطابات الهامة إنما توجه للرؤساء والمتبوعين ، وقوله : (( مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ )) هو القرآن ، وفي إضافة الرب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم دليل على أن ما أوحاه الله إلى رسوله من تمام عنايته به (( لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ )) يعني لا أحد يستطيع أن يبدل كلماته لا الكونية ولا الشرعية ، أما الكونية فظاهر لا أحد يستطيع أن يبدلها ، فإذا قال الله تعالى : كن في أمر كوني فلا يستطيع أحد أن يبدله ، واضح ؟ ماذا قلت ؟ السؤال خاص ؟
الطالب : .....
الشيخ : الكونية ، لا أحد يستطيع .
الشرعية لا أحد يستطيع شرعاً فيكون النفي هنا ليس نفي الوجود ولكنه نفي للإمكان الشرعي ، لا أحد يستطيع أن يبدل كلمات الله الشرعية على وجه شرعي أبداً ، بل الواجب على الجميع أن يستسلموا لله عز وجل ، لو قال قائل : وجدنا من يبدل كلام الله فإن الله تعالى أشار إلى هذا في قوله في الأعراب : (( يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ))[الفتح:15]، قلنا : نعم ، لكن هذا التبديل شرعي والتبديل الشرعي قد يقع من البشر فيحرفون الكلم عن مواضعه ، ويفسرون كلام بما لم يرده الله ، ومن ذلك جميع المعطلة لصفات الله عز وجل أو لبعضها ممن بدلوا كلام الله ، (( وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا )) يعني لم تجد أيها الرسول من دون الله عز وجل (( ملتحداً )) أي أحداً تميل إليه وتلجأ إليه ، لأن أصل الالتحاد من اللحد وهو الميل يعني لو أرادك أحد بسوء ما وجدت أحداً يمنعك دون الله عز وجل إذاً عندما يصيب الإنسان شيء يتضرر به أو يخافه يلتجئ إلى من ؟ إلى الله عز وجل ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : (( قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ))[الجن:21-22].