تتمة تفسير الآية : << و يقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلآ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا >> حفظ
قال الله تعالى : (( وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا )) كلمة (( مَالِ هَذَا الْكِتَابِ )) بين أيديكم الآن هل هي على القواعد المشهورة في عصرنا ؟ مكتوبة على القواعد المشهورة في عصرنا ؟ لا ، لأن مال و هذا وحدها ، وعلى القواعد المعروفة عندنا ما وحدها ولهذا جميعاً ، (( مَالِ هَذَا الْكِتَابِ )) يعني أي شيء لهذا الكتاب (( لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا )) يعني أثبتها عدداً كأنهم يترجلون من هذا ولكن هذا لا ينفعهم (( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) (( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا )) هل أعمالهم التي في الدنيا ترجع يوم القيامة ؟ لا ، بل المراد (( وجدوا ما عملوا )) أي ثواب ما عملوا ، أو وجدوا حقيقة ما عملوا فلا بد من الإضمار لأن أعمالهم في الدنيا فنيت بفنائهم لكن كتبت فما عملوه يجدونه في هذا الكتاب (( حاضراً )) قال الله عز وجل : (( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) ليش ؟ لكمال عدله عز وجل لا يظلم أحداً فلا يزيد على مسيء سيئة واحدة ، ولا ينقص من محسن حسنة واحدة قال الله تعالى : (( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا ))[طه:112] . طيب هذه الآية (( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) من الصفات المنفية عن الله ، صح ؟ فيه ثبات مثبتة لله ؟ نعم أكثر الصفات المذكورة لنا هي الصفات المثبتة ، الصفات المنفية لا يتم الإيمان بها حتى تؤمن بثبوت كمال ضدها ، فما ضد الظلم ؟ العدل ، ولماذا انتفى الظلم عنه ؟ لكمال عدله ، لابد من هذا ، إذ أن النفي المجرد لا يمكن أن يكون في صفات الله ، النفي المجرد المحض لا يمكن أن يكون في صفات الله ، انتبه لهذه القاعدة " النفي المجرد أي الذي لم يتضمن كمالاً لا يمكن أن يكون في صفات الله عز وجل " بل لابد من كل نفي نفاه الله عن نفسه أن يكون متضمناً لإيش ؟ لكمال ضده لابد ، قال الشيخ وسام رحمه الله : " لأن النفي المحض عدم المحض " النفي عدم ، هذه واحدة ، " ولأن النفي إن لم يتضمن كمالاً فقد يكون لعدم قابليته " يعني النفي الموصوف به إذا لم يتضمن كمالاً فقد يكون لعدم القابلية وإذا لم يتضمن كمالاً فقد يكون للعكس ، انتبهوا لهذه القواعد ، إذا لم يتضمن كمالاً قد يكون لعدم القابلية ، كيف ذلك ؟ ألسنا نقول : إن الجدار لا يظلم ؟ بلى ، هل هذا كمال الجدار ؟ لا ، لماذا ؟ لأن الجدار لا يقبل أن يوصف بالظلم ولا أن يوصف بالعدم ، فليس نفي الظلم عن الجدار من كماله ، طيب وقد يكون نفي العيب إذا لم يتضمن كمالاً قد يكون نقصاً لعجز الموصوف به عن ضده ، لو أنك وصفت شخصاً بأنه لا يظلم لأنه رجل قاصر لا يستطيع أن يظلم غيره بل ولا أن يفك حقه من غيره هل هذا ثناء ؟ لا ، استمع إلى قول الشاعر : " قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل " يمدحهم بإيش ؟ هل يمدحهم بالوفاء وعدم الظلم أو يذمهم بذلك ؟ يذمهم ، يعني لا يغدرون بذمة لأن ما يقدرون ، ولا يظلمون الناس لأنهم لا يقدرون . فالخلاصة يا إخوانا أن كل وصْف وصَف الله به نفسه وهو نفي فإنه يجب أن نعتقد ثبوت كمال ضده ، طيب ، على هذه القاعدة (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ ))[الأحقاف:33] فنفى العي وهو العجز عن خلق السماوات والأرض ، ليش ؟ لثبوت كمال ضد العجز وهو القدرة ، إذاً نؤمن الآن بأن الله سبحانه وتعالى له قدرة لا يلحقها عجز (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ))[ق:38] ، أي من تعب وإعياء وذلك لكمال قدرته جل وعلا وهذه قاعدة تفيدك في باب العقيدة " أن كل شيء نفاه الله عن نفسه فإنما ذلك لثبوت كمال ضده " نفي الظلم لأنه عدل ، نفي العجز لأنه قادر ، طيب نفي الغفلة لأنه رقيب على كل شيء (( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) طيب (( لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) قلنا : لكمال عدله ، لكن الجهمية قالوا : لا يظلم لعدم تصور الظلم ما هو لأنه قادر لأن يظلم ولكنه لا يظلم ، لا ، لعدم تصور الظلم ، كيف ذلك ؟ قالوا : لأن الخلق كله خلق لله ، ملك لله ، وإذا كان ملكاً لله فإنه لو عذب محسناً فقد عذب إيش ؟ ملكه ما في ظلم ، هو يفعل في ملكه ما شاء ، ولكن قولهم هذا باطل لأن الله عز وجل إذا كان قد وعد المحسنين الثواب والمسيئين العقاب ثم أحسن المحسن وعذبه وأساء المسيء وأثابه أقل ما يقال فيه أنه عز وجل وحاشاه سبحانه وتعالى أنه أخلف وعده ، هذا أقل ما فيه ، وهو لاشك أن هذا منافي للعدل وللصدق ، فنقول لهم : إن الله عز وجل قال في الحديث القدسي : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ) حرمته على نفسي وهذا يدل على أنه قادر عليه لكن حرمه على نفسه لكمال عدله جل وعلا ، طيب إذاً نحن نقول : لا يظلم الله أحداً ليش ؟ لكمال عدله ، لا لأن الظلم ممتنع كما قالت الجهمية وإلى هذا يقول ابن القيم في النونية : " والظلم عندهم المحال لذاته " الظلم ما يمكن الظلم لأنه ملكه فنقول : هذا خطأ ، وهذا يستلزم تكذيب الله عز وجل ، طيب (( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ))