قال الله تعالى : << فانطلقا حتى إذا أتيآ أهل قرية استطعمآ أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه أجرا >> حفظ
(( فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ )) ولم يعين الله عز وجل القرية فلا حاجة إلى أن نبحث عن هذه القرية نقول : قرية أبهمها الله فنبهمها (( اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا )) يعني طلبا من أهلها طعاماً (( فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا )) ولا شك أن هذا خلاف كمال الإيمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) لكن هؤلاء أبوا أن يضيفوهم ، وكان جزاؤه ألا يعاملوا إلا بمثل ما فعلوا لكن الأمر وقع على خلاف ذلك والله عز وجل ييسر لعبده المؤمن ما يكون به الخير ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فنزلوا ضيفاً على قوم ولكن القوم أبوا أن يضيفوهم فتنحوا ناحية فسلط الله على رئيسهم عقرباً لدغته وكانت شديدة فقال بعضهم لبعضهم : هل من راق ؟ قالوا : لا نعلم إلا هؤلاء الرهط ، فأتوا إلى الصحابة قالوا : أن سيدهم قد لدغ ، فهل عندكم من راق ؟ قالوا : نعم لكننا لا نرقيه إلا بكذا وكذا من الغنم ، قال : لكم هذا ، فذهب أحد رجال السرية وجعل يقرأ على هذا اللديغ سورة الفاتحة فقام كأنما نشط من عقال فانظر إلى لطف الله عز وجل حيث يسر للصحابة ضيافة رغماً على هؤلاء الذين أبوا أن يضيفوهم ، وصاحبهم فلم يمسه سوء إلا وجع اللدغة بقراءة الرجل عليه ، المهم أن موسى والخضر استعطما أهل القرية ولكن أبوا أن يضيفوهم ، قال : (( فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ )) (( جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ )) كيف يريد أن ينقض ؟ هل الجدار له إرادة ؟ الجواب نعم له إرادة ، وذلك ميله فإن ميله يدل على إرادة السقوط ولا تتعجب إذا كان للجماد إرادة فها هو أحد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه يحبنا ونحبه ) والمحبة وصف زائد على الإرادة وهو جماد ، وأما قول بعض الناس الذين يجوزون المجاز في القرآن وقالوا : إن هذه كناية وليس للجدار إرادة فلا وجه له ، (( يريد أن ينقض )) أي أن يريد أن يسقط (( فأقامه )) من أقامه ؟ أقامه الخضر لكن كيف أقامه ؟ الله أعلم ، قد يكون أقامه بيده وأن الله أعطاه قوة واستقام الجدار وقد يكون بناه البناء المعتاد المهم أنه أقامه (( قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا )) هذه عبارة لينة جداً ليست كالعبارة الأولى ما أنكر عليه أن يبنيه ولا قال : كيف تبنيه وقد أبوا أن يضيفوننا بل قال : ( لو شئت ) وهذا لاشك أسلوب رقيق (( لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا )) لأنه عليه الصلاة والسلام قدم ما يجعله لا ينكر على الخضر