تفسيرقول الله تعالى : << وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله و الذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم و لا تكرهوا فتياتكم على البغآء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا و من يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم >> حفظ
أمر من كان فقيرا بأن يستعفف حتى يغنيه الله من فضله يعني ما يطلق لنفسه العنان للنظر المحرم والمباشرة المحرمة وتتبع النساء وما أشبه ذلك بل يجب عليه أن يستعفف عن الزنا وأسبابه ومقدماته البعد عن الزنا وأسبابه ومقدماته وقوله تعالى : (( حتى يغنيهم الله من فضله )) لأن إذا أغناهم الله من فضله تزوجوا إذ لم يمنعهم من الزواج الا ذلك وقوله (( لا يجدون نكاحا )) المؤلف فسره بقول ما ينكحون به والصواب أن الآية أعم من ذلك ولهذا قال (( لا يجدون نكاحا )) فيشمل ما ذكره المؤلف ويشمل ما إذا لم يجد امرأة يتزوجها قد يكون الإنسان غنيا وعنده مهر وعنده نفقة ولكن يخطب ولا يقبل فهل نقول هذا وجد نكاحا أم لا ؟ لم يجد نكاحا فتخصيص عدم النكاح بما ذكره المؤلف فيه نظر فالآية أعم لا يجدون نكاحا أي لا يجدون نفقة له ولا يجدون امرأة يتزوجونها أيضا لأن داخل في عموم الآية وقوله (( حتى يغنيهم الله من فضله )) هكذا أرشد الله سبحانه وتعالى إلى العفة لمن لا يجد النكاح فهل هذا يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) هل بين الآية والحديث تعارض؟ لا كيف ذلك يا عبد الرحمن؟
الطالب:...
الشيخ : احسنت الآية أمر الله بها بالعفة والنبي عليه الصلاة والسلام بين الطريق إلى العفة بأن الإنسان يصوم فإن ذلك يقطع شهوة النكاح وإذا انقطعت شهوة النكاح فهذا من أفضل أسباب العفة فإن الإنسان لا يحدوه إلى عدم العفة إلا الشهوة فإذا انقطعت زالت أسباب وجود عدم العفة وبهذا نعرف أن الحديث لا ينافي الآية لأن الله أمر بالاستعفاف والنبي عليه الصلاة والسلام بين لنا طريقا من طرق الاستعفاف ثم إن الذي لا يجد نكاح قد يكون ذا شهوة قوية ربما تغريه بانتهاك المحرم فدواء ذلك بالصوم أما الإنسان الذي شهوته عادية وبعيد أن تغريه فهذا وإن لم يصم لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم من لم يستطع فعليه بالصوم لو أخذناه بظاهره لقلنا كل إنسان فقير لا يجد نكاحا وله شهوة فإنه يصوم ولكن الأمر ليس كذلك إذا لم يجد الإنسان طريقا للعفة سوى الصوم فليصم أما إذا كان الإنسان معتدلا طبيعيا ولا يخشى على نفسه الوقوع فإنه لا حاجة إلى الصوم ولذلك قال فعليه وعلى هذه للإضراب دل ذلك على أنه في حالة يحتاج إلى ما يدله على كبح جماح الشهوة وذلك بالصوم
وفي هذا ايضا إشارة إلى أن العفة سبب للغنى كما أن الزواج أيضا سبب للغنى فكذلك العفة إذا صبر الإنسان وأعف نفسه وأبعد عما حرم الله عليه كان ذلك سببا للغنى وقد قال الله تعالى : في القرآن (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) وقوله حتى يغنيهم الله هل المراد غنى المال أو غنى النكاح ؟ غنى النكاح لأنه قال لا يجدون نكاحا فنقول غنى النكاح ليش ؟كما أشرنا إليه قد يكون الإنسان غني المال لكن ما يجد نكاح ولا يزوج فنقول لا يجدون حتى يغنيهم الله بالنكاح ما بالمال بالنكاح الذي كانوا لا يجدونه فيشمل ذلك الغنى بالمال والغنى بالزوجة وكم من إنسان كثير المال ولا يجد زوجه إذن هو ليس فقير فالأولى أن نقول في قوله تعالى (( حتى يغنيهم الله )) بالنكاح لأجل أن يشمل الأمرين إن كان عدم وجود النكاح له من أجل الفقر فبالمال إن كان من أجل المنع فبالطاعة إنما ييسر له من يزوجه
ولما ذكر الله جل وعلا أحكام النكاح وما يتعلق بها انتقل إلى أمر آخر مهم وهو ما يتعلق بالإماء بل بالمماليك عموما قال (( والصالحين من عبادكم وإمائكم )) وأشار إلى المماليك انتقل إلى مسألة مهمة جدا وهي قوله تعالى (( والذين يبتغون الكتاب ))" بمعنى المكاتبة مما ملكت أيمانكم من العبيد والإماء فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا أي أمانة وقدرة على الكسب لأداء مال الكتابة وصورتها مثلا كذا " الذين يبتغون الكتاب بمعنى يطلبون والكتاب بمعنى المكاتبة والمكاتبة هي بيع السيد عبده على نفسه هذه المكاتبة وسميت مكاتبة لأنها في الغالب تجري بكتاب يكتب السيد بينه وبين عبده كتابا بهذا العقد فإذا طلب العبد من سيده أن يكاتبه فقد قال الله فكاتبوهم إذن نقول يبتغون بمعنى يطلبون الكتاب المكاتبه وهي بيع السيد نفس العبد على العبد طيب وقوله فكاتبوهم ايش اعراب الفاء ؟ الفاء رابطة للخبر بالمبتدأ هل ربط الخبر بالمبتدأ هل هو محتاج إليه والا لا ؟ ما يحتاج إليه نقول زيد قائم الكتاب جميل السماء رفيعة لكن إذا كان المبتدأ يشبه الشرط في العموم فإنه يربط خبره بالفاء وذكرنا لكم سابقا أن النحويين يمثلون بقولهم الذي يأتيني فله درهم وأن هذا في القرآن كثير منه هذه الآية الذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم وقوله تعالى (( مما ملكت أيمانكم )) من هذه بيان للموصول الذين لأن الموصول حتى وإن وجدت صلته هو مبهم للواقع فمن بيانية لبيان المبهم في الموصول وقوله (( مما ملكت أيمانكم )) في هذا إثبات الملك للبشر (( مما ملكت أيمانكم )) إثبات الملك للبشر فإذا قال قائل أليس الله يقول : (( لله ملك السماوات والأرض )) نعم فحصر الملك لنفسه فكيف يتفق هذا مع إثبات الملك للبشر الجواب أن الملك المطلق لله وأن ملك البشر لما يملك ليس مطلقا ولذلك هو مقيد بنوع الملك ومقيد بنوع التصرف ومقيد بكل شيء عندما يقولون مالك هل أنا مطلق التصرف فيه ؟ لا أتصرف فيه بنوع معين وعلى حدود معينة لذلك ليس ملكي تاما من كل وجه فلهذا نقول الملك المطلق لله وحده وملكي أنا يضاف إليه ولكنه ملك مقيد محدد فإذا ملكت العين والمنفعة سمي مالك وإن ملكت المنفعة دون العين سميت مستأجرا وهكذا كل نوع من الملك له اسم خاص وقوله (( مما ملكت أيمانكم )) الأيمان جمع يمين وهي مقابل الشمال هل معنى ذلك أن الإنسان يملك عبده بيده اليمنى فقط واليسرى ما ملكت؟ لا هذا تغليبا مثل (( بما كسبت أيديكم )) فلما كان الغالب على الإنسان في الأخذ والإعطاء والبيع والشراء العمل باليد اليمنى قال (( مما ملكت أيمانكم )) وإلا في الحقيقة أملكه كله ما بس يميني فقط لكن لما كان هذا هو الغالب في مسألة البيع والشراء والأخذ والإعطاء أضاف الله سبحانه وتعالى الملك إلى اليمين
(( فكاتبوهم )) قلنا الفاء رابطة للخبر بالمبتدأ وأنها ربطت الخبر بالمبتدأ لأن المبتدأ اسم موصول يشبه الشرط في العموم وقوله (( فكاتبوهم )) هذا أمر وهل الأمر هنا للوجوب أو للاستحباب اختلف فيه أهل العلم فالجمهور على أن الأمر للاستحباب وحجتهم في ذلك أن العبد مملوك لك ولا يجب عليك إخراج ملكك إلا برضا منك فكما أن الإنسان لا يجبر على بيع بيته وعلى بيع دابته لا يجبر كذلك على بيع عبده فإذا طلب منه المكاتبة كان حر لأنه ماله ولهذا سماه الله تعالى ملكا كذا عقيل طيب إذن الجمهور يرون أن الأمر للاستحباب حجتهم في ذلك أن العبد ملك لك والإنسان لا يجبر على إخراج ملكه من ملكه نعم لا يجل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه وإذا كان كذلك فان الأمر هنا للاستحباب وذهب بعض أهل العلم ومنه أهل الظاهر إلى أن الأمر للوجوب وأن العبد إذا طلب المكاتبة فإنه يجب على السيد إجابته وذلك لأن الأصل في الأمر الوجوب وقولهم إن المالك لا يجبر على إخراج ملكه من ملكه هذا ليس على إطلاقه فإن المالك يجبر على إخراج ملكه من ملكه في الأمور التي أوجب الله أليس يجب على الإنسان أن يخرج الزكاة وهو إخراج شيء من ملكه أليس يجب عليه الكفارة أليس يجب عليه الإنفاق على غيره من أقارب وزوجات وغيرهم فإذن العبارة لا يجب على الإنسان أن يخرج ملكا من ملكه ليست على إطلاقها وما أكثر المسائل التي يجبر فيها الإنسان على إخراج ملكه من ملكه أليس الإنسان إذا تعلق بماله حق الغرماء وصار دينه أكثر من ماله يحجر عليه ويجبر على أن يبيع ماله ليسد به الغرماء وعلى كل حال نقول هذه المسألة ليست على إطلاقها وكم من مسائل صارت واجبة وهي متضمنة لإخراج الإنسان من ملكه
ثم إنه يقوي أن الأمر للوجوب هذا في الحقيقة دفع لما احتج به الجمهور أن تقوية الأمر للوجوب فقالوا أن الشارع متطلع للعتق والرق وارد على البشر وليس أصيلا فيهم فإذا أراد البشر أن يتخلص من هذا الرق ويعيد نفسه إلى الأصل فإن الشارع يتطلع لذلك ولهذا تجدون أن الشارع رغب في العتق كثيرا حتى أنه أخبر ( أن من أعتق عبدا أعتق الله منه بكل جزء منه جزئا من النار حتى الفرج بالفرج ) ترغيب عظيم( أن من أعتق عبدا أعتق الله منه بكل جزء منه جزئا حتى الفرج بالفرج ) كذلك أيضا أوجب الله سبحانه وتعالى في كفارات متعددة أوجب فيها عتق الرقبة مثل كفارة الظهار وكفارة اليمين وكفارة القتل كل هذا دليل على أن الشرع له تشوف إلى تحرير العبيد فكيف لا نجعل هذا الأمر للوجوب لاسيما مع طلب العبد وهو الطالب وعرف أنه يستغني عن سيده ويريد أن يخلص نفسه فكيف نمنعه فإذا قال السيد هذا عبدي ولا أقدر أتخلص عنه قلنا له أنت إذا اتقيت الله سبحانه وتعالى جعل لك من أمرك يسرا ربما تحرره وإذا حررته تستأجره إذا كنت محتاجا إليه وعارف به أو ييسر الله لك سواه على كل حال ما دام أن الله أمر به فالأصل في أوامر الله ورسوله الوجوب كذا يا ابراهيم أنا أظن ان من المستحسن الناس الأمر ... نشوف الان
طيب يقول (( إن علمتم فيهم خيرا )) هذا شرط في الأمر (( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا )) فجعل الله تعالى ذلك مشروطا بعلم الخير فيهم ما هو الخير يقول المؤلف " أي أمانة وقدرة على الكسب لاداء مال الكتابة " نعم فسره بعض السلف بقوله صلاحا في دينهم وكسبا ويمكن أن يكون قوله أمانة يشير إلى ذلك لكن إذا قلنا صلاحا في دينهم صار أعم من الأمانة لأن الأمانة هي صلاح الدين والا من الصلاح ؟ من الصلاح ولهذا نقول المراد بالخير الصلاح في الدين والكسب الصلاح في الدين بأن نعرف أنه مقيم للصلاة مقيم للصوم تارك للمحرمات مستقيم نعم ومن الصلاح في الدين الأمانة أيضا نعرف أنه ما سيسرق من الناس إذا كاتبنا أنه أمين والكسب هذا صلاح الدنيا أن نعرف أن هذا العبد إذا أعتق صار قادرا على الكسب وليس كلا على غيره لأن إذا صار غير قادر على الكسب وأعتقه سيده من أين يأكل يصير كلا على الناس وربما يكون عنده قوة فيسرق وينهب نعم فلابد من هذا الشرط الصلاح والكسب وأما قول المؤلف لأداء مال الكتابة فهذا فيه نظر فلا يكفي أن يكون عنده كسب لأداء مال الكتابة بل لأداء مال الكتابة وللإنفاق على نفسه في المستقبل... إذن الأمر مشروط بأن نعلم فيهم الخير
طيب إذا لم أعلم فيه خيرا هل يجب علي مكاتبته إذا طلب ؟ لا يجب طيب هل يجوز ؟
الطالب:...
الشيخ : كيف يجوز وأنا أعرف انه اذا اعتقته ما فيه خير أعرف اني إذا أعتقته يبغي يفسد إما يلحق بالكفار إذا كان أصله كافر وإلا يفسد في الأرض بالمعاصي هو عندي محفوظ لكن اذا صار حرا مين يكلمه ؟ ...فالصحيح أن نقول إن لم نعلم به خيرا لم نؤمر بمكاتبته هذه واحدة هذا مفهوم الآية ثم إذا لم نؤمر هل يجوز لنا أن نكاتب ؟ إن علمنا فيه شرا ومفسدة في إجابته صارت إجابته حراما وإن لم نعلم فيه شرا ومفسد فإجابته جائزة فصار المفهوم فيه تفصيل بقي علينا الجواب عن السؤال الذي ساله الأخ احمد إذا قال السيد أنا لا أعلم فيه خيرا فلا يجب علي مكاتبته نقول أنت وأمانتك الله سبحانه وتعالى هو الذي سيحاسبك وقد وكل الأمر إليك فإذا قلت أنا لا أعلم فيه خيرا بالنسبة لنا نوافقك ولا نجبرك على الكتابة لكن بالنسبة لله ينفعك إذا كنت تعلم أن فيه خيرا وادعيت أنك لا تعلم فيه خيرا ينفعك ؟ ما ينفعك الإنسان بالنسبة لله لا ينفعه وعلى كل حال الأمر موكول إلى السيد في علم الخير وعدمه بالنسبة لنا أحكام الدنيا على الظاهر إذا قال أنا لا أعلم فيه خيرا وأنا أعلم إذا خليته يروح يفسد ويفسد نعم نقول بالنسبة لنا الآن لا نجبرك ولا نقول يجب عليك لكن إذا كان الله يعلم أنك تعلم أن فيه خيرا فإن دعواك هذه مردودة ولا تقبل .