إعادة تفسير قوله تعالى : << ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله و ينزل من السمآء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشآء و يصرفه عمن يشآء يكاد سنابرقه يذهب بالأبصار >> حفظ
ثم قال : (( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا )) يسوقه برفق (( ألم تر )) أيضاً الخطاب لمن ؟ لكل مخاطب ألم تر أيها المخاطب وترى هنا بصرية ولا علمية ؟
الطالب : بصرية .
الشيخ : إذا قلنا هكذا معناها الأعمى لا يدري عنها شيء نعم الأعمى معناها أنه ما اعتبر بهذا السحاب لأنه ما يراه ، لماذا لم نقل علمية ؟ لأن العلمية تتضمن بصرية يعني ألم تعلم سواء كان ذلك عن طريق المشاهدة أو عن طريق السماع إذاً خليها تعلم على أنها علمية (( ترى )) أي تعلم (( أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا )) يسوقه برفق و... يقول يسوقه ولم يقيده برفق نعم ولعل ذلك أولى أن يفسر الإزجاء بالسوق سواء برفق أو بغير رفق لأننا نشاهد أن السحاب يسير أحياناً برفق وأحياناً يسير بسرعة وهو سحاب نعم يقول المتنبي أظن
" ومن الخير بطء سيبك عني أسرع السحب في المسير الجهام "
اللي ما فيه ماء ...
مثل قوله تعالى : (( ألم نشرح لك صدرك )) فهو للتقرير يعني قد شرحنا لك وهكذا كلما دخلت أداة استفهام على النفي صارت للتقرير ، لتقرير ذلك الشيء يقول الله تعالى مقرراً هذا المر المرئي (( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا )) والرؤيا (( ألم تر )) بمعنى العلم وتفسيرنا لها بالعلم أعم من تفسيرنا لها بالرؤيا البصرية لأجل يشمل رؤية الإنسان ببصره لأنها تؤدي إلى العلم ورؤية الإنسان بسمعه فيما يخبر به لأنها تؤدي إلى العلم ورؤية الإنسان بقراءته ...لأنه يؤدي إلى العلم والمهم أنه ما دام الرؤيا محتملة لأن تكون بمعنى العلم فتفسيرها بالعلم أولى لأنه أشمل وأعم والخطاب في قوله : (( ألم تر )) هل هو للنبي صلى الله عليه وسلم ؟ أو لكل من يصح خطابه ؟ الظاهر أنه لكل من يصح خطابه يعني ألم تر أيها المخاطب أن الله يزجي سحاباً إلى آخره لأن ذلك أيضاً أشمل وقوله : (( يزجي سحاباً )) يقول المؤلف " يسوقه برفق " ومن المفسرين من قال " يسوقه " ولم يقل برفق لأجل أن يشمل السوق برفق وبغير رفق يعني السحاب كما هو مشاهد أحياناً يكون مشيه رويداً رويداً وأحياناً يكون مشيه بسرعة سريعاً
و((ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ )) " يضم بعضه إلى بعض فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة " وهذا أيضاً مشاهد فإن الله سبحانه وتعالى يؤلف هذا السحاب ويجمع بعضه إلى بعض حتى يكون قطعة كبيرة وأحياناً لا يؤلف بينه نفس القطعة الصغيرة تتوسع وتكون قطعة كبيرة لكن التأليف أبلغ لأن المؤلف أحياناً يكون من غير جنس المؤلف به كأن تكون سحابة بيضاء وحمراء وسوداء ثم تجتمع وتكون بلون واحد وهذا أبلغ هذا التأليف يقول الله عز وجل : ((ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا )) بعضه فوق بعض (( ركاماً )) يعني متراكماً بعضه فوق بعض وهذا أيضاً مشاهد في رؤية العين فإن السحاب تجد بعضه فوق بعض أما إذا كنت في الطائرة مرتفعاً فإنه يكون ذلك ظاهراً تجد من السحاب ما هو تحتك ومن السحاب ما هو فوقك وإذا كنت في الأرض يتبين لك أن السحاب بعضه على بعض بأي شيء ؟ لكون بعضه يغطي بعضاً وكيف يغطي بعضاً ؟ شوف مثلاً القطعة تمر تحت قطعة أخرى وتتجاوزها تتعداها مما يدل على أن بعضه فوق بعض ، هذا الركام له منظر عجيب إذا كان الإنسان فوقه منظر يبهج ويسر ولذلك جعله الله تعالى من الآيات الدالة على كمال قدرته
(( فَتَرَى الْوَدْقَ )) المطر (( يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ )) مخارجه " (( ترى )) بمعنى تبصر هنا لأن المطر يرى بالعين و(( يخرج من خلاله )) أي من خلال هذا السحاب لكن هذه الرؤيا هل الإنسان يدركها أو بعض الناس دون بعض ؟ في الحقيقة أن الذي يرى منا يدركها إلا إنسان قوي النظر لكن إننا نعلم أن المطر ينزل من السحاب ويتخلله قال بعض العلماء : " انه مثل الغربال يكون " يعني مثل الغربال الذي يغربل به القمح وما أشبه ذلك ينزل بهذا المطر من خلاله طيب من أين يأتي المطر إذا كان ينزل من خلاله ؟ منه هو نفسه ينعصر بإذن الله ثم يتخلل منه كما قال تعالى : (( وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ))[النبأ:14]^فإنه بإذن الله ينعصر وينزل هذا المطر وعلى كل حال الأسباب الطبيعية لا نعرف عنها شيئاً لكن هذا ما نعرفه بالرؤيا الحسية (( وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا )) " في السماء بدل من السماء بإعادة الجار (( مِنْ بَرَدٍ )) أي بعضه (( فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ )) " إلى آخره (( وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا )) الغريب أن المؤلف رحمه الله مرتبك في هذا قال في الأول (( من جبال )) قال : (( من )) زائدة يعني زائدة إعراباً فعلى كلامه يكون التقدير وينزل من السماء جبالاً ثم عقبه قال بدل من السماء بإعادة الجار وإيش البدل قوله : (( من جبال )) في السماء طيب إذا كانت بدلاً بإعادة الجار فهل من زائدة في السماء كقوله : (( من السماء )) والا ليست زائدة ؟ ليست الزائدة لأنها للابتداء (( ننزل من السماء )) ابتداء الغاية يعني إلى الأرض والمعنى الحقيقة هو المعنى الأخير الذي ذكر على أن قوله : (( من جبال )) بدل من السماء كأنه قال ينزل من جبال في السماء فهي بدل من السماء بإعادة الجار الذي هو (( من )) وعلى هذا فلا تكون من زائدة بل تكون لابتداء الغاية يعني ينزل من السماء إلى الأرض منين ينزل من السماء ؟ قال : (( من جبال فيها )) أي في السماء (( من برد )) أي بعضه هذا الذي لو قال إن من زائدة لكان له وجه لكن هو جعل من تبعيضية لأنه قال أي بعضه يعني بعض برد نعم (( من جبال فيها من برد ))
الطالب : ...؟
الشيخ : ما عندك زائدة عجيب (( من السماء من جبال فيها )) ما عندكم من زائدة ؟
الطالب : للصلة .
الشيخ : ...للصلة أو زائدة المعنى واحد لكن عندكم صلة أو زائدة على كل حال زائدة أو صلة بمعنى واحد لكن كيف يقول زائدة أو صلة وهو يقول : (( من جبال )) بدل من السماء بإعادة الجار ومعلوم أن من في قوله : (( من السماء )) ليست زائدة ولا صلة بل لها معنى وهو ابتداء الغاية بقي أن نقول : (( فيها من برد )) (( فيها )) الضمير يعود على السماء يعني من جبال في السماء وقوله : (( من برد )) المؤلف يريد أن تكون (( من )) للتبعيض يعني ينزل بعض برد من هذه الجبال ويحتمل أن تكون زائدة يعني (( من برد )) أي برداً ينزل من السماء من جبال برداً فتكون (( من )) زائدة ويحتمل أن تكون (( من )) لبيان الجنس كيف لبيان الجنس ؟ أي أن الجبال من برد ، من جبال من البرد فتكون الجبال نفسها نعم من البرد وعلى هذا وينزل من السماء من جبال من البرد فيكون مفعول التنزيل مفعول محذوف يعني ينزل برداً إذا كان ينزل من السماء من الجبال التي من البرد فإذا نزل من الجبال التي من البرد إيش ينزل ؟ برداً فيكون المفعول محذوفاً تقديره برداً طيب صار على كل حال (( ينزل )) أين مفعولها على رأي المؤلف ؟ مفعولها (( من برد )) لأنه قال أي بعضه على أساس أن من للتبعيض فهي بمعنى بعض وعليه فيكون هذا هو مفعول ينزل وأما المنزل منه إيش المنزل منه ؟ من السماء من جبال ، الجبال التي في السماء لأننا قلنا : (( من جبال )) بدل من السماء بإعادة الجار فيكون المنزل منه هذه الجبال والمنزل البرد على احتمل الأخير ذكرنا أن (( من )) زائدة يكون أيضاً المنزل البرد لكن ليست (( من )) للتبعيض وعلى الاحتمال الثالث : قلنا إن : (( من )) لبيان الجنس إيش جنسه ؟ جنس الجبال ، جبال من برد يعني ينزل من جبال من البرد إيش ينزل ؟ برداً فعليه أن يكون مفعول المنزل محذوفاً والمنزل اللي هو المفعول محذوفاً تقديره برداً ودل عليه السياق على كل حال معنى الآية الكريمة أن في السماء جبالاً من البرد ينزل الله تعالى منها من هذه الجبال ، هذا المنزل أحياناً يكون كبيراً وأحياناً يكون صغيراً لكن من نعمة الله أنه لا يكون كبيراً بحيث يهدم البناء هذا شيء نادر جداً إنما يكون كبيراً بحيث يقتل بعض الزروع أو بعض الأشجار حسب حكمة الله عز وجل أما أن يهدم المنازل ويقتل الآدميين فهذا قليل وإن كان قد يوجد لكنه قليل
وفي هذا دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى أن هذا السماء تكون فيها هذه الجبال ، هذه الجبال من البرد نعم وينزل منها ما ينزل بمشيئة الله سبحانه وتعالى وحكمته على هذه الأرض ولهذا قال : (( فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ )) هذه الجملة هل هي لبيان الامتنان والا لبيان العقوبة ؟ (( فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ )) أو تحتمل لأن يصرف قد يتبادر للإنسان أن المراد بالإصابة في الأول إصابة العقوبة كما يقال : صرف الله عنك السوء نعم وكما جاء في الحديث ( واصرف عني سيء الأخلاق والأعمال ) فلا يصرف ولا يعبر بالصرف إلا عن شيء مفروغ وعلى هذا فتكون الجملة (( فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ )) مسوقة لبيان عقوبة التي تحدث بهذا البرد ويحتمل أن تكون من باب الامتنان فإن البرد قد يكون خيراً وقد يحصل به ري أرض ونبات الأشجار وغير ذلك فيكون هذا من باب سياق الامتنان يصيب بهذا البرد من يشاء فينتفع به ويصرفه عمن يشاء فيفوته الانتفاع ولا مانع من أن يستعمل الصرف في صرف الشيء النافع لا مانع وإن كان الأكثر أن يكون لصرف الأشياء الضارة لكن قد يستعمل أيضاً في صرف الأشياء التي تنفع طيب
هذا من بلاغة القرآن أن تكون هذه الجملة صالحة من وجهين وجه العقوبة ووجه الرحمة فالإصابة بالبرد أحياناً تكون عقوبة تهلك بها الزروع وتموت بها المواشي وأحياناً تكون بالعكس
"
(( يَكَادُ )) يقرب (( سَنَا بَرْقِهِ )) لمعانه (( يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ )) الناظرة له أي يخطفها من قوة هذا البرق (( يكاد سناه )) يعني لمعانه (( يذهب بالأبصار )) " وفي هذا إشارة إلى أن السحاب التي فيها برد يكون برقها أشد لمعاناً من غيره نعم فهذا البرق يكاد لقوته يذهب بالأبصار ولاشك أن هذا البرق أنه عظيم جداً وقد ذكروا أن فيه طاقة كبيرة من الكهرباء وأنها تساوي كذا وكذا من الكيلوات نعم وهذا الأمر واقع الآن تجد مثل الطائرة يعني قد لا تبعد بعد هذا السحاب ومع ما فيها من الإضاءة ما تكاد تبصرها أما هذا فإنه كما تشاهدون يكاد يخطف البصر ويملأ الأرض ضياء مما يدل على كثرة الطاقة الكهربائية التي في هذا البرق مع أنه بلحظة يعني كأنه شوط ضرب وهذا هو الظاهر إنه يكون هذا من باب الاحتكاك كما ذكر إنه يكون سالب وموجب فيتولد من بينهما هذا البرق ولا مانع إن صح الحديث أن يكون أيضا ًهذا من أسباب ضرب الملك الذي يسوق السحاب فإذا صح الحديث فإنه لا ينافي ما ثبت من حيث العلم الذي يتصل بهذا الأمر من كونه اجتماع سالب وموجب فيحصل به هذا اللمعان إذ أن اجتماع السالب والموجب قد يكون بأسباب ضرب إيش ؟ ضرب الملك إذا صح الحديث بذلك وهذا لا منافاة بينه وبين ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إن صح (( يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ )) إذاً هذا من آيات الله سبحانه وتعالى الدالة على كمال قدرته سوق هذا السحاب بين السماء والأرض وكونه جبالاً من البرد وإصابة الله تعالى به من شاء وصرفه عمن يشاء كل ذلك من آيات الله ولهذا جعلها الله سبحانه بصورة الاستفهام الدالة على التقريب