تتمة تفسير قوله تعالى : << إن الذين لا يؤمنون بالأخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون >> حفظ
أن الذي يزين له سوء عمله يكون ذلك دليلاً على نقص إيمانه بالآخرة، إذ لو كمُل إيمانه بالآخرة لكان يعرف الحسن من السيئ، فيفعل الحسن ويتجنب السيئ، ولكن لضعف إيمانه بالآخرة يحسب له هذا الفعل القبيح ويراه حسناً.
ولا حاجة إلى أن نعدد أنواعاً من ذلك، لأن الأنواع ممن زُيّن له سوء عمله كثيرة جداً، لا شك من العمل السيئ أنه إذا نزل في أرض أخذ أربعة أحجار ووضع ثلاثة للقدر وواحداً يعبده.
ولا شك أن من العمل السيئ المزيّن أن الإنسان يعبث له تمراً على صورة صنم فيعبده، فإذا جاء أكله، ولا شك أن من سوء العمل المزيّن أن الإنسان يأتي بابنته وهي ثمرة فؤاده ويحفر لها الحفرة ويغمسها وهي حية، هذا ما يكون والعياذ بالله ولا من السباع، ومع ذلك زُيّن لقومٍ من أهل الجاهلية هذا العمل، حتى إنه يقولون: إنه يقف على الحفرة ليلقيها وهي إذا هم أن يلقيها تشبث به وتقول: يا أبت! يا أبت!
فتستجير به وهو داؤها نسأل الله العافية.
وقوله: " (( فَهُمْ يَعْمَهُونَ ))[النمل:4] يتحيرون فيها " وهذا والعياذ بالله من عدم الإيمان أن الإنسان لا يوافق للهداية، تجده حائراً، لأنه لم يؤمن وأبرز مثال لذلك ما يقع من أهل الكلام من الحيرة، لأنهم لم يؤمنوا بالله حق الإيمان به، أنكروا صفاته وأنكروا ما جاء به كتابه وسنة رسوله فصاروا متحيرين، ولهذا قال بعض الناس: أكثر الناس شكاً عند الموت أهل الكلام والعياذ بالله، لأنهم نسأل الله العافية ما آمنوا.
فكل إنسان يضعف إيمانه فإنه يترتب عليه هذان الأمران السيئان:
أولاً: تزيين العمل السيئ في عينه، حتى يمارسه ولا يرتدع منه.
والثاني: شكه وحيرته وتردده.
بهذا نعرف الآن أنه كلما قوي الإيمان بالآخرة عرف الإنسان القبيح ولم يتردد فيه، نقول: لا. لأن هذه نتيجة عملية كتابية، إذا كان هذا الوصف يقتضي هذا الوصف، فعدمه يقتضي عدمه. معادلة بيّنة جداً.
فالذين لا يؤمنون بالآخرة ابتلوا بهذين الأمرين، والذين يؤمنون بالآخرة ينتفي عنهم هذان الأمران. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين.
الطالب: ...؟
الشيخ : لا. ما عندهم إيمان في الحقيقة، لو كان عندهم إيمان في الحقيقة ما زُيّن لهم، لأن هذه الآية مقياس كل إنسان يزين له سوء عمله فاعلم أنه ناقص الإيمان أبد، لأنه لو كان عندهم إيمان حقيقي ما الذي يخرجهم عن طريق الرسول عليه الصلاة والسلام...إذاً: كلما ضعف الإيمان بالآخرة ازداد التزيين القبيح في عين الإنسان، وكلما ازداد إيمانه بالآخرة كره القبائح، وهذا أمرٌ مسلّم الآن.
على هذا يمكن أن نستنتج من أن الرجل الذي يستحسن القبائح يمكن نستنتج أنه ضعيف الإيمان بالآخرة ياولد نعم، لأنه لو قوي إيمانه بالآخرة ما حسن في نفسه قبائح الأعمال، وهذه الآية تدل عليها.
وفي الآيات أيضاً دليل على أن عدم الإيمان بالآخرة سببٌ للحيرة، لقوله: (( فَهُمْ يَعْمَهُونَ ))[النمل:4].
وعلى هذا فالإيمان بالآخرة سببٌ لليقين والنور، وهذا أمرٌ أيضاً مشاهد، والإنسان ما يصاب بعدم اليقين إلا بسبب أعماله ونقص إيمانه، وكلما قوي الإيمان فإنه يزداد معرفة الإنسان حتى في الأمور غير العلمية الشرعية، يعطيه الله تبارك وتعالى فراسة يتبين بها الأشياء.