تتمة تفسير الآية السابقة . حفظ
طيب. بالنسبة للإحكام، الإحكام بمعنى الإتقان وهي الحكمة.
تنزيل الأشياء في منازلها ووضعها في مواضعها لا شك أن هذا إتقان، والله تبارك وتعالى متصفٌ بالحكمة البالغة (( حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ))[القمر:5] فهي وضع الأشياء في مواضعها.
وقد ذكرنا في التوحيد ونعيده الآن للتذكير: أن الحكمة تكون في صورة الشيء وفي غايته، في صورة الشيء ووقوعه على هذا النحو وتكون أيضاً في غاية هذا الشيء.
وتكون أيضاً الحكمة في الأمور الشرعية وفي الأمور القدرية، لأن الحكمين السابقين الكوني والفرعي كلاهما مشتملٌ على الحكمة، فعلى هذا تكون الحكمة في الأحكام الكونية وفي الأحكام الشرعية، وتكون صورية بمعنى أنه على هذه الصورة المعينة حكمة، وغائية بمعنى ما ينتج عليه أو منه من الغايات المحمودة.
فعندما تتأمل الشريعة تجد أن وضعها على ما هي عليه في غاية الحكم، لأنها كلها تنشد المصالح وتدرأ المفاسد. هذه القاعدة العامة في الشريعة.
إذاً: فهي على هذا الوجه أو بهذه الصورة موافقة للحكم، ثم إن الحكمة الغائية ما هي ثمرة هذه الشريعة والتمسك بها؟ هي: السعادة في الدنيا وفي الآخرة، وهذه لا شك أنها غاية محمودة، وأن تشريع الأمور من أجل هذه الغاية أنه حكمة واضح.
كذلك نأتي إلى الأمور القدرية نقول: الأمور القدرية أيضاً وضعها على ما هي عليه بهذه الصورة هو حكمة، ثم الغاية منها حكمةٌ أيضاً، ولكن هذه الحكمة في صورة الشيء وفي غاية الشيء شرعاً أو قدراً قد تكون معلومة للعباد وقد تكون مجهولة، ولكن ما هو فرضنا نحن فيما نجهله من حكم هذه الأمور؟ فرضنا الإيمان والتسليم، نحن نؤمن بأنه ما من شيء يشرعه الله وما من شيء يفعله الله إلا وله حكمة، يجب علينا أن نؤمن بهذا، لأن هذا مقتضى وصفه بالحكيم.
لكننا قد نفهم هذا الشيء وقد لا نفهمه (( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ))[البقرة:269] ما هو كل الناس (( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ))[البقرة:269].
لكن علينا أن نؤمن هذا الإيمان، ونحن إذا آمنا هذا الإيمان فسوف نستسلم وسوف نرضى بالشرع وبالقدر، لأنا نعلم أن هذا لحكمة.
عندما نتأمل الآن أحوال الناس المسلمين، وضعف دينهم وانصرافهم عن الدين، لا شك أن هذا يهمنا ويحزننا، ولكننا إذا نظرنا إليه من جهة أخرى وجدنا أنه مقدّر من جهة الله، وأنه لا بد أن يكون لهذا حكمة، لكنا قد لا نعلمها نحن.
وهذا يجب أن تجعله جارياً على جميع أحوالك الخاصة والعامة، أن تتيقن أن هذا لحكمة ولكن تيقننا للحكمة لا يمنعنا من فعل الأسباب الشرعية التي أمرنا بها.
مثال ذلك هذا المثال الذي ذكرناه مسألة ضعف المسلمين وانصرافهم، هذا يوجب لنا أن نتحرك أكثر للدعوة إلى الإسلام، وبيان محاسنه والتحذير من مخالفته، وسوء العاقبة للعصاة والفاسدين. هذا يوجب لنا أن نتحرك أكثر.
وهذا من الحكمة أنه يتحرك أهل الخير للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وبيان الحق وبيان العاقبة الحميدة لمن تمسك بدين الله، لأجل أن يكثر ثوابهم، ولأجل أن يدخل الناس في دين الله عن اقتناع، لأني أظن أنكم تتصورون كما أتصور: إن الناس مثلا لو وجدوا على حالة معيّنة، هل يجدون في هذه الحال المعيّنة أو هل يدركون هذه الحال المعينة على حقيقتها؟ لا. لأنها أمرٌ معتاد عندهم، وقد لا يفهمون ما ينتج عنها من خير أو من شر، لكن عندما يوغلون في الشر، وينتهون إلى غايته، ثم يبيّن لهم الحق ويرجعون إليه، يكون هذا أحسن حالاً من الحال الأولى التي وجدوا آباءهم على شيء فمشوا عليه، لأنهم الآن يأتون عن اقتناع وعن محبّة لهذا الأمر الجديد الذي بُيّن لهم.
ولذلك الآن الحمد لله فيه بادرة طيبة في جميع الأقطار الإسلامية بادرة رجوع إلى الإسلام عن اقتناع ولا شك فيه، وهذا من الحكمة في أن الله يقدر مثل هذه الأمور المكروهة في الدين لأجل أن تكون غاية لما هو أحمد.
(( مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ))[النمل:6] العليم معناه المتصف بالعلم، والعلم كما حدّه أهل الأصول هو: إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً مطابقاً، ولا شك أن الله سبحانه وتعالى له من هذا الوصف أتمه وأعلاه، فهو سبحانه وتعالى عليمٌ علماً مطلقاً، لم يُسبق بجهلٍ ولم يُلحق بنسيان.
ولا يحد بحد، وعلم المخلوق مسبوقٌ بالجهل ملحقٌ بالنسيان، ومحدود أيضاً (( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ))[الإسراء:85] بخلاف علم الله.
وهنا قُدِّم الحكيم على العليم، وأكثر ما يرد في القرآن تقديم العليم على الحكيم.
ما هو الحكمة من تقديم الحكيم هنا على العليم؟
الطالب: ....؟
الشيخ : ايش؟
الطالب: أقرب من العلم.
الشيخ :أقرب؟ كيف ذلك؟
الطالب: ...
الشيخ :بس الجملة الأولى مستقلة عن الأولى الواو للاستئناف طيب المفعول الآن تلقي القرآن، القرآن مشتمل على الشريعة، والشريعة فيها أوامر ونواهي، وإذا لم نعتقد أن هذه الأوامر والنواهي مبنية على الحكمة فإنه يضعف انقيادنا لها، فلهذا قدّم الحكمة، أما العلم فإنه مفهومٌ من قوله: (( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ ))[النمل:6] لأنه بمجرد تلقي القرآن يكون العلم، لكن هل هذا الموجود في القرآن موافق للحكمة، هو نعم موافق في الواقع، ولذلك قُدّمت الحكمة لأجل أن يشعر الإنسان قبل كل شيء بأن ما تلقاه الرسول عليه الصلاة والسلام من القرآن فإنه حكمة، نظير ذلك في سورة الذاريات قال: (( فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ))[الذاريات:29 - 30] وما قال: العليم الحكيم، لأن ولادة العجوز أمرٌ خارج عن العادة وعن المألوف، كيف تلد العجوز ولماذا؟ فقُدّمت الحكمة لأجل أن يشعر الإنسان قبل كل شيء أن هذا الأمر النادر الخارج عن العادة صادرٌ عن حكمة وليس عن سفه ولا عن أمرٍ بالصدفة.
إذاً: هذا مثلها نقول: قُدِّم اسم الحكيم الذي يدل على وصف الله تعالى بالحكمة في هذا المقام، لأن ما تلقاه الرسول عليه الصلاة والسلام من القرآن مشتملٌ على وإلا لا؟ التشريع الذي يحتاج إلى بيان الحكمة فيه، حتى يقتنع به المرء. فلذلك قُدّمت الحكمة على العلم.
أما العلم فإنه مفهومٌ من كلمة تُلقّى، إذ أنه إذا لُقّي القرآن فقد علم، لذلك صارت في المرتبة الثانية.
السبب الثاني: ما هو الحكمة من جمع الحكمة والعلم؟ حكيم وعليم، ودائماً في القرآن تجد أن الحكيم مقرون بالعليم كثيراً، ويقرن بالعزيز عزيز حكيم أيضاً. فما هي الحكمة من ذلك؟
الطالب: ...... هذا من ناحية، فهو من الإحكام ومن الحكم به، فالحكم يحتاج إلى علم.
والحكمة أيضاً تحتاج إلى علم، فحكمٌ بلا علم يعتبر ناقص.
الشيخ : طيب. كذا توافقون عليه؟ صالح.
الطالب: ....
الشيخ : يعني: يمكن الجوابين بعد يتضح جواب ثالث؟
الطالب: تدل على أن هذا العلم تنزيله على الحكمة، أنه يعني أن هذا العلم مبني على الحكمة.
الشيخ : أو الحكمة مبنية على العلم.أين المبني على الأصل؟ أيهن السابق، في تصورك الآن ؟
الطالب: السابق حكيم.
الشيخ : لا. خل الترتيب هنا، السابق حسب ذهن الإنسان.
الطالب: الحكم ...
الشيخ : عجيب. الظاهر أن العلم يسبق الحكمة، كيف تدري أن هذا مناسب أو غير مناسب؟
الطالب: إذا علمت.
الشيخ : إذا علمت، علمت أنه مناسب ووضعته في محله.
الطالب: ... يستلزم العلم.
الشيخ : طيب. على كل حال كل هذه أجوبة لا بأس بها، إنما الجواب البيّن أن نقول: إن الحكمة قد تخفى على بعض الناس، فهل خفاؤها هنا يقتضي أنها ليست معلومة عند الله؟ خفاؤها علينا لا.
فكأنه جمع بينهما ليتبين أن هذه الحكمة معلومة عند الله وإن خفيت علينا، فهو سبحانه وتعالى حكيمٌ عليم، يضع الأشياء في مواضعها، وإن خفي علينا ذلك، ما نقول مثلاً: إذا شرع الله شيئاً أو قضى بشيءٍ أن هذا ليس عن علم، بل هو عن علمٍ، حتى لو فرض أننا نحن لم نعلم حكمته ووجهته.
فهذا وجه الجمع في القرآن الكريم في آيات كثيرة بين العلم والحكمة.
الخلاصة أن نقول: لما كانت الحكمة تخفى على العباد قرنها الله تعالى بالعلم ليطمئن المرء إلى أن هذه الحكمة معلومة عند الله عز وجل وإن كانت خافية علينا.
تنزيل الأشياء في منازلها ووضعها في مواضعها لا شك أن هذا إتقان، والله تبارك وتعالى متصفٌ بالحكمة البالغة (( حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ))[القمر:5] فهي وضع الأشياء في مواضعها.
وقد ذكرنا في التوحيد ونعيده الآن للتذكير: أن الحكمة تكون في صورة الشيء وفي غايته، في صورة الشيء ووقوعه على هذا النحو وتكون أيضاً في غاية هذا الشيء.
وتكون أيضاً الحكمة في الأمور الشرعية وفي الأمور القدرية، لأن الحكمين السابقين الكوني والفرعي كلاهما مشتملٌ على الحكمة، فعلى هذا تكون الحكمة في الأحكام الكونية وفي الأحكام الشرعية، وتكون صورية بمعنى أنه على هذه الصورة المعينة حكمة، وغائية بمعنى ما ينتج عليه أو منه من الغايات المحمودة.
فعندما تتأمل الشريعة تجد أن وضعها على ما هي عليه في غاية الحكم، لأنها كلها تنشد المصالح وتدرأ المفاسد. هذه القاعدة العامة في الشريعة.
إذاً: فهي على هذا الوجه أو بهذه الصورة موافقة للحكم، ثم إن الحكمة الغائية ما هي ثمرة هذه الشريعة والتمسك بها؟ هي: السعادة في الدنيا وفي الآخرة، وهذه لا شك أنها غاية محمودة، وأن تشريع الأمور من أجل هذه الغاية أنه حكمة واضح.
كذلك نأتي إلى الأمور القدرية نقول: الأمور القدرية أيضاً وضعها على ما هي عليه بهذه الصورة هو حكمة، ثم الغاية منها حكمةٌ أيضاً، ولكن هذه الحكمة في صورة الشيء وفي غاية الشيء شرعاً أو قدراً قد تكون معلومة للعباد وقد تكون مجهولة، ولكن ما هو فرضنا نحن فيما نجهله من حكم هذه الأمور؟ فرضنا الإيمان والتسليم، نحن نؤمن بأنه ما من شيء يشرعه الله وما من شيء يفعله الله إلا وله حكمة، يجب علينا أن نؤمن بهذا، لأن هذا مقتضى وصفه بالحكيم.
لكننا قد نفهم هذا الشيء وقد لا نفهمه (( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ))[البقرة:269] ما هو كل الناس (( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ))[البقرة:269].
لكن علينا أن نؤمن هذا الإيمان، ونحن إذا آمنا هذا الإيمان فسوف نستسلم وسوف نرضى بالشرع وبالقدر، لأنا نعلم أن هذا لحكمة.
عندما نتأمل الآن أحوال الناس المسلمين، وضعف دينهم وانصرافهم عن الدين، لا شك أن هذا يهمنا ويحزننا، ولكننا إذا نظرنا إليه من جهة أخرى وجدنا أنه مقدّر من جهة الله، وأنه لا بد أن يكون لهذا حكمة، لكنا قد لا نعلمها نحن.
وهذا يجب أن تجعله جارياً على جميع أحوالك الخاصة والعامة، أن تتيقن أن هذا لحكمة ولكن تيقننا للحكمة لا يمنعنا من فعل الأسباب الشرعية التي أمرنا بها.
مثال ذلك هذا المثال الذي ذكرناه مسألة ضعف المسلمين وانصرافهم، هذا يوجب لنا أن نتحرك أكثر للدعوة إلى الإسلام، وبيان محاسنه والتحذير من مخالفته، وسوء العاقبة للعصاة والفاسدين. هذا يوجب لنا أن نتحرك أكثر.
وهذا من الحكمة أنه يتحرك أهل الخير للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وبيان الحق وبيان العاقبة الحميدة لمن تمسك بدين الله، لأجل أن يكثر ثوابهم، ولأجل أن يدخل الناس في دين الله عن اقتناع، لأني أظن أنكم تتصورون كما أتصور: إن الناس مثلا لو وجدوا على حالة معيّنة، هل يجدون في هذه الحال المعيّنة أو هل يدركون هذه الحال المعينة على حقيقتها؟ لا. لأنها أمرٌ معتاد عندهم، وقد لا يفهمون ما ينتج عنها من خير أو من شر، لكن عندما يوغلون في الشر، وينتهون إلى غايته، ثم يبيّن لهم الحق ويرجعون إليه، يكون هذا أحسن حالاً من الحال الأولى التي وجدوا آباءهم على شيء فمشوا عليه، لأنهم الآن يأتون عن اقتناع وعن محبّة لهذا الأمر الجديد الذي بُيّن لهم.
ولذلك الآن الحمد لله فيه بادرة طيبة في جميع الأقطار الإسلامية بادرة رجوع إلى الإسلام عن اقتناع ولا شك فيه، وهذا من الحكمة في أن الله يقدر مثل هذه الأمور المكروهة في الدين لأجل أن تكون غاية لما هو أحمد.
(( مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ))[النمل:6] العليم معناه المتصف بالعلم، والعلم كما حدّه أهل الأصول هو: إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً مطابقاً، ولا شك أن الله سبحانه وتعالى له من هذا الوصف أتمه وأعلاه، فهو سبحانه وتعالى عليمٌ علماً مطلقاً، لم يُسبق بجهلٍ ولم يُلحق بنسيان.
ولا يحد بحد، وعلم المخلوق مسبوقٌ بالجهل ملحقٌ بالنسيان، ومحدود أيضاً (( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ))[الإسراء:85] بخلاف علم الله.
وهنا قُدِّم الحكيم على العليم، وأكثر ما يرد في القرآن تقديم العليم على الحكيم.
ما هو الحكمة من تقديم الحكيم هنا على العليم؟
الطالب: ....؟
الشيخ : ايش؟
الطالب: أقرب من العلم.
الشيخ :أقرب؟ كيف ذلك؟
الطالب: ...
الشيخ :بس الجملة الأولى مستقلة عن الأولى الواو للاستئناف طيب المفعول الآن تلقي القرآن، القرآن مشتمل على الشريعة، والشريعة فيها أوامر ونواهي، وإذا لم نعتقد أن هذه الأوامر والنواهي مبنية على الحكمة فإنه يضعف انقيادنا لها، فلهذا قدّم الحكمة، أما العلم فإنه مفهومٌ من قوله: (( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ ))[النمل:6] لأنه بمجرد تلقي القرآن يكون العلم، لكن هل هذا الموجود في القرآن موافق للحكمة، هو نعم موافق في الواقع، ولذلك قُدّمت الحكمة لأجل أن يشعر الإنسان قبل كل شيء بأن ما تلقاه الرسول عليه الصلاة والسلام من القرآن فإنه حكمة، نظير ذلك في سورة الذاريات قال: (( فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ))[الذاريات:29 - 30] وما قال: العليم الحكيم، لأن ولادة العجوز أمرٌ خارج عن العادة وعن المألوف، كيف تلد العجوز ولماذا؟ فقُدّمت الحكمة لأجل أن يشعر الإنسان قبل كل شيء أن هذا الأمر النادر الخارج عن العادة صادرٌ عن حكمة وليس عن سفه ولا عن أمرٍ بالصدفة.
إذاً: هذا مثلها نقول: قُدِّم اسم الحكيم الذي يدل على وصف الله تعالى بالحكمة في هذا المقام، لأن ما تلقاه الرسول عليه الصلاة والسلام من القرآن مشتملٌ على وإلا لا؟ التشريع الذي يحتاج إلى بيان الحكمة فيه، حتى يقتنع به المرء. فلذلك قُدّمت الحكمة على العلم.
أما العلم فإنه مفهومٌ من كلمة تُلقّى، إذ أنه إذا لُقّي القرآن فقد علم، لذلك صارت في المرتبة الثانية.
السبب الثاني: ما هو الحكمة من جمع الحكمة والعلم؟ حكيم وعليم، ودائماً في القرآن تجد أن الحكيم مقرون بالعليم كثيراً، ويقرن بالعزيز عزيز حكيم أيضاً. فما هي الحكمة من ذلك؟
الطالب: ...... هذا من ناحية، فهو من الإحكام ومن الحكم به، فالحكم يحتاج إلى علم.
والحكمة أيضاً تحتاج إلى علم، فحكمٌ بلا علم يعتبر ناقص.
الشيخ : طيب. كذا توافقون عليه؟ صالح.
الطالب: ....
الشيخ : يعني: يمكن الجوابين بعد يتضح جواب ثالث؟
الطالب: تدل على أن هذا العلم تنزيله على الحكمة، أنه يعني أن هذا العلم مبني على الحكمة.
الشيخ : أو الحكمة مبنية على العلم.أين المبني على الأصل؟ أيهن السابق، في تصورك الآن ؟
الطالب: السابق حكيم.
الشيخ : لا. خل الترتيب هنا، السابق حسب ذهن الإنسان.
الطالب: الحكم ...
الشيخ : عجيب. الظاهر أن العلم يسبق الحكمة، كيف تدري أن هذا مناسب أو غير مناسب؟
الطالب: إذا علمت.
الشيخ : إذا علمت، علمت أنه مناسب ووضعته في محله.
الطالب: ... يستلزم العلم.
الشيخ : طيب. على كل حال كل هذه أجوبة لا بأس بها، إنما الجواب البيّن أن نقول: إن الحكمة قد تخفى على بعض الناس، فهل خفاؤها هنا يقتضي أنها ليست معلومة عند الله؟ خفاؤها علينا لا.
فكأنه جمع بينهما ليتبين أن هذه الحكمة معلومة عند الله وإن خفيت علينا، فهو سبحانه وتعالى حكيمٌ عليم، يضع الأشياء في مواضعها، وإن خفي علينا ذلك، ما نقول مثلاً: إذا شرع الله شيئاً أو قضى بشيءٍ أن هذا ليس عن علم، بل هو عن علمٍ، حتى لو فرض أننا نحن لم نعلم حكمته ووجهته.
فهذا وجه الجمع في القرآن الكريم في آيات كثيرة بين العلم والحكمة.
الخلاصة أن نقول: لما كانت الحكمة تخفى على العباد قرنها الله تعالى بالعلم ليطمئن المرء إلى أن هذه الحكمة معلومة عند الله عز وجل وإن كانت خافية علينا.