قال الله تعالى : << فلما جآءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها و سبحان الله رب العالمين >> حفظ
(( فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ ))[النمل:8]
(( فَلَمَّا جَاءَهَا )) أصلاً فيها حذف، والتقدير فذهب فلما جاءها، ويسمى هذا الإيجاز إيجاز الحذف، لأن الإيجاز عندهم في البلاغة إما إيجاز قصر وإما إيجاز حذف، فإذا كانت الجملة القصيرة تشتمل على معاني كثيرة بدون حذف يسمى إيجاز قصر، كقوله تعالى: (( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ))[البقرة:179] هذه جملة مختصرة، لكنها تتضمن معاني كثيرة، يسمي علماء البيان هذا إيجاز قصر وهو أن تكون الجملة قصيرة لكنها متضمنة لمعاني كثيرة.
إيجاز الحذف معناه: قصر الجملة لكن الجملة نفسها ما تتضمن معاني كثيرة إلا بتقدير أشياء محفوظة، هذا من إيجاز الحذف.
وأمثلته في القرآن كثيرة مثل قوله تعالى: (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))[البقرة:184] فيها إيجاز حذف، التقدير: فأفطر فعدة من أيام أخر.
قال: (( فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ )) أي: بأن (( بُورِكَ )) أي: بارك الله (( مَنْ فِي النَّارِ )) أي: موسى (( وَمَنْ حَوْلَهَا )) أي: الملائكة أو العكس ".
نودي المنادي هو الله عز وجل، الدليل: أنه في آية أخرى صرّح بذلك (( وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ ))[مريم:52] فالمنادي هو الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (( أَنْ )) أي: بأن. أفادنا المؤلف رحمه الله أن أنْ هنا مخففة من الثقيلة، حينما قدّر الباء، لأن تقدير الباء يدل على أن ما بعدها مؤول بمصدر.
وهناك قولٌ آخر: يجعلون أنْ هنا تفسيرية مثل: (( فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ ))[المؤمنون:27].
ويقولون: إن نودي متضمنٌ لمعنى القول دون حروفه، وأن إذا سُبقت بما يتضمن معنى القول دون حروفه فهي تفسيرية، ولكن من حيث المعنى واحد، إنما الاختلاف في الإعراب (( بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ ))[النمل:8] قال الشارح أو المفسّر: "
أي: بارك الله (( مَنْ فِي النَّارِ )) ".
قدّر هذا ليبين أن فاعل البركة من ؟الله، وأن بارك يتعدى بنفسه: بارك الله فلاناً كما يقال: بارك الله لفلان. فيتعدى بنفسه ويتعدى بحرف الجر.
الطالب: ...على أن المناداة بغير اللغة العربية.
الشيخ : لا لا، الآن لما سيقت في اللغة العربية أخذت حكم اللغة العربية.
الطالب: المفروض أن الأكثرية على أن ....
الشيخ : أنا فهمت كلامك، هذا ما يصح، لأن التفسير في الحقيقة لكل الكلام.. ترجمة الكلام الذي وقع من الله سبحانه وتعالى لموسى في كل الجمل هذه وليس فقط في قوله: (( بُورِكَ )) في كل الجملة.
يقول المؤلف رحمه الله: "
بارك الله (( مَنْ فِي النَّارِ )) ".
(( مَنْ )) إعرابها بدون تقدير المفسّر اسم موصول في محل رفعٍ نائب فاعل.
وقوله: "
(( مَنْ فِي النَّارِ )) أي: موسى (( وَمَنْ حَوْلَهَا )) أي: الملائكة أو بالعكس ".
(( مَنْ فِي النَّارِ )) الملائكة، (( وَمَنْ حَوْلَهَا )) موسى.
واحتمال ثالث أن يكون (( مَنْ فِي النَّارِ )) موسى (( وَمَنْ حَوْلَهَا )) البلاد التي حول هذه النار، لأنها بلاد الشام مباركة، أو (( وَمَنْ حَوْلَهَا )) أهله.. كل ذلك فيه احتمال.
الطالب: ....
الشيخ : لا. حول النار.طيب قوله: (( مَنْ فِي النَّارِ )) فيه إشكال في الحقيقة، لأن في للظرفية والنار ظرف، فهل موسى في النار؟ المؤلف قدّر لهذا قال رحمه الله: "
وبارك يتعدى بنفسه وبالحرف ويقدر بعد في مكان ".
يعني: من في مكان النار، لأنه لو كان في النار حقيقة لاحترق، ولكن يقدّر مكان، فإذا قيل: ما الفائدة من قوله: (( مَنْ فِي النَّارِ ))[النمل:8] وحذف المكان؟
قلنا: الفائدة من ذلك والله أعلم شيئان: الشيء الأول: القرب التام منها.
والشيء الثاني: أن شعاع النار قد وصل هذا القريب منها يعني: النار كما هو واضح لها شعاع. الإنسان القريب منها يكون في نفس الشعاع، فكأنه لقرب ووصول شعاع النار إليه صار كأنه فيها نفسها، وإلا ما هو في نفس الشعلة، هذا ما يمكن، هذا والله أعلم الحكمة من كون الله سبحانه وتعالى قال: (( مَنْ فِي النَّارِ ))[النمل:8