تتمة تفسير الآية السابقة . حفظ
(( كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا )) ولّى هذه جواب لمّا، ومدبراً حال.
(( وَلَّى مُدْبِرًا )) يعني: هارباً ولهذا يقول سبحانه وتعالى: (( وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ )) " يرجع " لماذا ولّى؟
الطالب: خوفاً.
الشيخ : خوفاً من هذا، لأن هذا بطبيعة البشر أن إنسان ألقى عصاه وصارت حيّة تسعى لا بد أن يخاف، لا سيما وأنه عليه الصلاة والسلام ما علم أنه سيرسل وأنه رسول إنما كلّمه الله سبحانه وتعالى وإلى الآن ما صار شيء.
فالحاصل أن هذه طبيعة البشر، لا بد أن يولي وليس في هذا نقص للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن الأمور البشرية تعتري الرسل وغيرهم، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام ينسى في أعظم العبادات في الصلاة، ويقول: ( إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون ) وليس في هذا أي قدحٍ للرسل.
(( وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ )) " فقال الله تعالى له: (( يَا مُوسَى لا تَخَفْ )) منها ".
فقال الله تعالى: (( يَا مُوسَى )) هذه فيها أيضاً إيجاز بالحذف، ونحن نقول باختصار: جميع القصص ولا سيما القصص الطويلة غالباً يكون فيها إيجاز حذف، وأحياناً تكون جملة وأحياناً تكون جمل، وسيأتينا إن شاء الله في القصص التي في السورة التي تلي هذه شيء كثير من هذا.
الطالب: ...؟
الشيخ : هذا معنى الجان.قال: (( يَا مُوسَى لا تَخَفْ )) وناداه باسمه ليطمئنه، لأن الإنسان الذي يناديك وهو يعرفك تطمئن إليه أكثر، لم يقل: يا هذا لا تخف، أو يا مولي لا تخف. بل قال: (( يَا مُوسَى ))، لأنه معلوم أن الذي يعرفك تطمئن إليه أكثروإلا لا؟.
الآن لو مثلاً رأيت عدو ظننته عدواً ثم هربت منه فقال: يا فلان! يا فلان! تطمئن أو لا؟ تطمئن أكثر، لأنك تقول: هذا أعرفه لا ينالني بشيءٍ.
" (( يَا مُوسَى لا تَخَفْ )) منها " والتقييد بمنها الذي أوجب للمؤلف أن يأتي به هو ظاهر السياق، لأن الظاهر أن موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما هرب منها فقال: (( لا تَخَفْ ))
" (( إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ )) عندي (( الْمُرْسَلُونَ ))[النمل:10] من حية وغيرها ".
الذي بحضرة الله عز وجل ما يمكن يخاف من شيء، لأنه في كنف الله تعالى وفي جواره، فلا يمكن أن يخاف وهو عند الله.
وقوله: (( إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ))[النمل:10] هذا أيضاً فيه بشارة لموسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه عند الله وأنه من المرسلين، ومعلومٌ أنه إذا بُشّر بمثل هذه البشارة سوف يزول عنه الخوف نهائياً، وسوف يحل مكان الخوف أمنٌ ومكان الذعر سرور (( لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ))[النمل:10].
الطالب: هذه العصا هي التي ضرب بها البحر؟
الشيخ : نعم.
الطالب: ما تغيرت؟
الشيخ : ما تغيرت، وهي التي ألقاها أيضاً للسحرة وأكلت سحرهم.
" (( لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ))[النمل:10] من حية وغيرها ".
" (( إِلَّا )) لكن (( مَنْ ظَلَمَ )) نفسه (( ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا )) أتاه (( بَعْدَ سُوءٍ )) أي: تاب (( فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[النمل:11] أقبل التوبة وأغفر له ".
سبحان الله العظيم! قد يقول قائل: ما لهذه الجملة وللكلام الذي قيل: (( إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ))[النمل:11].
لكن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال الله له: (( إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ))[النمل:10] لعله تذكّر أنه قد وقع منه خطيئة، ايش الخطيئة؟
الطالب: القتل.
الشيخ : أنه قتل نفس، وكأنه عندما يتذكر هذا يستبعد في نفسه أن يكون من الرسل، فقال الله سبحانه وتعالى: (( إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ))[النمل:11] ليذكّره بما من به عليه من التوبة.