فوائد قوله تعالى : << إذ قال موسى لأهله إني ءانست نارا سئاتيكم منها بخبر أو ءاتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون >> حفظ
الشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تبارك وتعالى: (( إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ))[النمل:7].
يستفاد من هذه الآية: حُسْن خلق موسى عليه الصلاة والسلام، وذلك لمكالمته لأهله ومراجعته إياهم فيما يهم الجميع، يعني: أنه لم يذهب هو بدون أن يقول لهم هذا القول مما يدل على أنه يتراجع معهم فيما يهمهم.
وفي هذا دليل: على أن الزوجة من الأهل، وهذا هو القول الصحيح، فعلى هذا آلُ النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيه أزواجه، لأنها من الأهل.
وقد اختلف العلماء فيما إذا أوصى الإنسان لأهله أو أوقف لأهله، هل يدخل الزوجات في ذلك أم لا؟
والذين يقولون بعدم الدخول يردّون ذلك إلى العُرف، ويقولون: إن العُرف عند الناس أن الزوجات ليسوا من الأهل، وإنما الأهل القرابة. وإذا كان هكذا فإنه يُقال: الزوجات من الأهل، فإذا أوقف الإنسان على أهل فلان أو أوصى لهم دخل فيهم الزوجات بمقتضى اللغة.
ثم إن وُجد عُرفٌ مختلف ينافي ذلك رجعنا فيه إلى العُرف، لأن الصحيح أن الأقوال تُردُّ معانيها إلى أعراف الناس وعاداتهم، فإذا لم يوجد عرف رجعنا إلى الشرع أو اللغة حسب ما يكون ذلك.
وفي هذا دليل:... على أن الأحوال البشرية تطرأ حتى على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن موسى في تلك الليلة كان قد ضل الطريق ولم يهتد إليها، وقد أصابه البرد هو وأهله، والأنبياء والرسل لا يختلفون عن غيرهم إلا بالرسالة (( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ))[الكهف:110] فالأول مماثلة في البشرية، والثاني الاختصاص يوحى إليه بالوحي.
وفيها أيضاً دليل: على أن الإنسان لا يُلام على اتخاذ الوقاية الدافعة أو الرافعة، لقوله: (( لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ))[النمل:7] هذه الوقاية دافعة وإلا رافعة؟ دافعة رافعة.رافعة للبرد السابق ودافعة للبرد اللاحق.
فاتخاذ الوقاية الدافعة أو الرافعة لا يُلام عليه الإنسان، بل إنه ربما يُؤمر به أمر إيجاب أو أمر استحباب حسب ما تقتضيه الحال التي يريد أن يرفعها أو يدفعها.
وفي الآية دليل: على قبول خبر الثقة. من أين يؤخذ؟
(( سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ ))[النمل:7] فالعمل بخبر الثقة هذا سائغ، وأما من ليس بثقة فقد قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ))[الحجرات:6].
والناس في هذا المقام ثلاثة أقسام: قسم يوثق به، وقسم لا يوثق به، وقسم محتمل.
الذي لا يُوثق به لا يُقبل، والموثوق به يُقبل، والمجهول أو المحتمل يُتبين أمره، يُتوقف حتى يتبين.
(( سَآتِيكُمْ )) هذا يخاطب أهله، ففيه دليل على مخاطبة الواحد بلفظ الجمع، لكن هذه فائدة لغوية.
الطالب: ....؟
الشيخ : الكلام على من يوثق به.
الطالب: العامة أو الخاصة؟
الشيخ : عامة وخاصة، يعني: قد يكون هذا الإنسان معلوم الحال عندي أثق به، وهو عند الناس مجهول يتوقفون في أمره، الكلام على الثقة الذي تثق به.طيب. لو أن رجلاً قال: إنه رأى الهلال وهو نظره ضعيف وأخبر أنه رأى الهلال، والناس الذين معه ما رأوه؟
الطالب: ما يُقبل قوله.
الشيخ : ما يُقبل قوله، ولو هو ثقة؟
الطالب: ولو هو ثقة.
الشيخ : يعني لو هو عدل.
الطالب: ما يُقبل.
الشيخ : نعم ما يُقبل، ولهذا وقعت عند بعض القضاة فيما سبق، تراءى الناس الهلال فقال شيخ منهم: إني رأيت الهلال، فالناس الذين معه أقوى منه بصراً فقالوا: ما رأيناه. والشيخ هذا في حد دينه وفي أمانته موثوقٌ به، وأصر على أنه رأى الهلال.
فقال القاضي: ادن مني، فدنا منه فمسح حاجبه، فقال له: انظر، قال: الآن ما رأيته. إي نعم. فإذا هي شعرة بيضاء، وهذا من ذكاء القاضي، لأنه قال: كيف الناس الذين ما رأوه وهو رآه، هذا ما يمكن، وهو ثقة، وليس رجل مشكوك بخبره، لكن قد ....