قال الله تعالى : << وجحدوا بها واسيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين >> حفظ
ثم قال: (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ))[النمل:14].جحدوا الضمير يعود على (( فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ))[النمل:13] والجحد الإنكار، وجحد يتعدى بنفسه، ولكنه قد يُضمَّن معنى التكذيب فيتعدى بالباء، وجحدوا مكذّبين بها.
وهنا الجحد ضُمِّن معنى التكذيب، ولهذا تعدي بالباء، ذلك لأن الجحد قد يكون تكذيباً وقد يكون مراعاة لمصلحة من المصالح، والجحد أسبابه متعددة، لأنه قد يقول لك القائل: ماذا فعلت؟ فتجحد، لمصلحة تريدها لا تكذيباً.
لكنه هنا تكذيب.. جحدهم هذا تكذيب، وايش الدليل ؟ لا . الدليل أنه عُدي بالباء، والذي يُعدى بالباء هو التكذيب.
(( وَجَحَدُوا بِهَا ))[النمل:14] أي: كذّبوا بها جحداً، هم كذّبوا ومع ذلك ما أظهروه.
ولهذا يقول المؤلِّف: " أي: لم يقروا " أي: لم يقروا بها، ولم يقروا بها معناه هو التكذيب، والمؤلِّف أتى بـ" لم يقروا " لأمرين: الأمر الأول لأجل أن يسلم التعليق بالباء، لأن أقر تتعدى بالباء.
والثاني: لأجل على رأيه أن لا يتضمن ذلك إخفاءها لمن طلبها.لأنه كأن المؤلِّف جعل الجحد في نفي الإقرار، ولكننا لا نوافقه على هذا التفسير
أولاً: أنه فسَّر المثبت بالمنفي.. وإلا لا ؟جحد مُثبت، لم يقر منفي.
الثاني: أنه بتفسيره هذا يفوّت معنى دلّت عليه الآية وهو كتمانهم لهذه الآيات لو سُئلوا عنها، لأن كون الإنسان ما يُقر ما هو مثلما إذا جحد وكتم عن غيره، فإبقاء الآية على ما هي عليه ويقال: إنه عُدّي الجحد بالباء لتضمينه معنى التكذيب، ويكون دالاً على أمرين: على إخفائها عند طلبها، وعلى التكذيب بها عند عرضها.
..ولا حاجة أن نقول: إن الآية أبلغ مما ذكر المؤلِّف، لكنا نقول: إن تفسير المؤلِّف لها فيه نظر من وجهين:
الوجه الأول: تفسير الإثبات بالنفي، وهذا قصور.
والثاني: أنه فوّت معنى وهو الجحود عند السؤال، فهو تكذيبٌ عند العرض وجحودٌ عند الطلب.