قال الله تعالى : << حتى إذآ أتوا على واد النمل قالت نملة يآأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون >> حفظ
...وحشر لسليمان ؟ نقرأ ونأخذ فوائدها .
قال الله تبارك وتعالى: (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:18].
قوله: (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا )) هذه غاية لما سبق وهو قوله: (( وَحُشِرَ * حَتَّى إِذَا ))[النمل:17 - 18] وعلى هذا فيكون في الكلام حذفاً تقديره: وساروا حتى إذا أتوا. فبعد أن جمع الجنود ووزعوا فرُد أولهم إلى آخرهم ونظّموا ساروا.
(( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] أتوا أي: سليمان وجنوده أي: مرّوا.
قوله: (( عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] ظاهر الكلام أن هذا الوادي معروفٌ بهذا اللقب، أنه يسمى: واد النمل.
ويحتمل لكنه خلاف الظاهر أن يكون هذا الوادي وادياً فيه نملٌ. يعني: حتى إذا أتوا على وادٍ فيه نمل، وليس معروفاً بهذا اللقب بأنه واد النمل، ولكن الأولى الأخذ بظاهر اللفظ وهو أن يكون هذا الوادي معروفاً بكثرة نمله، وأنه يلقّب بهذا اللقب لكثرته، والنمل معروف وهو من الحيوانات التي نُهي عن قتلها كما في السنن: ( أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل أربعٍ من الدواب ) وذكر منها: ( النملة ).
وفي الصحيح أيضاً في أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه قرصته نملة فأمر بقرية النمل كلها فأُحرقت، فعاتبه الله على ذلك وقال: هلّا نملةً واحدة؟
هذا النمل من جملة المخلوقات التي تعرف ربها وتعرف ما ينفعها وما يضرّها، على حسب ما رُكِّب من هداية، وقد قال موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفرعون لما قال: (( فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ))[طه:49 - 50] أعطى كل شيءٍ خلقه أي: الخلق اللائق به، كل شيء من الحيوان وغيره له خلقٌ يليق به أعطاه الله، ثم هداه هدى هذا الخلق أيضاً لما تقوم به مصالحه.
فهذه النمل من جملة المخلوقات التي أعطاها الله تبارك وتعالى خلقها وهداها، (( أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] " وهو بالطائف أو بالشام " خلاف، ولا دليل لا على الطائف ولا على الشام، والأقرب أنه في الشام ومع ذلك لا نجزم به، لأن مقر سليمان عليه الصلاة والسلام كان في الشام، ومع هذا ما نجزم به.
وتعيين المكان هل هو من الأمور التي لا بد منها في القصة؟
لا، لأن المقصود الاعتبار بما جرى في أي مكان كان من الأرض.
وقال: " نمله صغارٌ أو كبار " أيضاً ما لنا ولهذا، بعضهم يقول: نمله كبار، النملة بكبر الذئب يعني: صارت النمل حمير! هذا ما هو صحيح، بل النمل هو المعروف في لغة العرب، وكل من فسّر شيئاً من القرآن بخلاف ما تقتضيه اللغة العربية فإنه لا بد له من دليل، وإلا فيرد عليه، لأن معنا أصلٌ أصيل في تفسير القرآن وهو قوله تعالى: (( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ))[الشعراء:195] فمن زعم أن شيئاً من القرآن على خلاف هذا اللسان العربي المبين فعليه الدليل.
على هذا نقول: النمل هو النمل المعروف، وأما القول بأنه كبار وأنه كبر الذئاب، فهذا لا دليل عليه.
الطالب: .....؟
الشيخ : لا لا، النمل المعروف هذا.
قال: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) هذا جواب (( إِذاَ )) (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا )) " (( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) ملكة النمل وقد رأت جند سليمان (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ... ))[النمل:18] إلى آخره ".
قال: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) يقول: " ملكة النمل وقد رأت جند سليمان ".
أما قوله: وقد رأت جند سليمان فهذا واضح، الله أعلم أنها رأته أو أحسّته، قد يكون إحساساً بدون نظر، وقد يكون نظراً، إنما على كل حال هي أدركت قربه ووصول سليمان بجنوده إليهم.
وقوله تعالى: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ ))[النمل:18] نملة منكّر، وظاهر كلام المفسّر أنها معرّفة، لأنه قال: " ملكة النمل " وهذا يقتضي أن يكون التعبير: قالت النملة. يعني: النملة المعهودة وهي الملكة، ولما لم يكن التعبير بقوله: قالت النملة. دل على أن القائل لا يتعين أن يكون ملكة النمل وإنما هي نملة من النمل، وهذا ليس بغريب، فإنه كما لو أقبل جندٌ على طائفة من الناس ورآه واحدٌ منهم يصيح بهم وإلا لا؟ ولا يلزم أن يكون هذا الصائح هو الأمير أو الملك.
ولهذا الصحيح إبقاء القرآن على ظاهره، وأنها نملة من هذا النمل ولا يلزم أن تكون الملكة، لأن مثل هذه الأحوال أي واحد يشعر من الطائفة الموجودة يشعر بالخوف يصيح بهم وينذر.. أنا النذير العريان.
(( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) إذاً: الصواب أن نقول: قالت نملة من النمل ولا نعيّنها بأنها الملكة.
طيب. " وقد رأت جند سليمان " هل يتعيّن أيضاً أن يكون لفظ رؤية أو يجوز أن يكون إحساس...؟
الطالب: .... إن رأت....
الشيخ : نعم. لكن الرؤية هل يتعين الإدراك بالرؤية؟ أو يجوز أيضاً بالإحساس والسمع؟ يمكن هذا، وحينئذ نسأل: هل للنمل أعين؟
الطالب: نعم. لها إشعار، لها قرون.
الشيخ : هذه أيضاً تحتاج إلى دراسة علم الأحياء، إنما هي قد رأيت كلام يقول: إن النمل أنه بإذن الله إذا نشأ فإنه يفرز أشياء تمشي النملات الأخرى على رائحتها، وهذا شيءٌ أنا شاهدته بعيني، كان في بساط مثل هذا البساط بس كبير، المهم أنه من هذا النوع، وكان النمل هذا يمشي ويأتي على زاوية ثم يرجع. يعني: يمشي مستطيل ويأتي على الزاوية ويرجع. كل النمل على هذا.
يعني: ما يروح ..... يختصر، فأنا تعجبت كيف يعرف ...، لو كان على تراب فالذي على التراب يبيّن أثر النمل ويمشي بعضه مع بعض، لكن هذا ليس على التراب.
ولكن بعد أن قرأت هذا عنه عرفت أنه إذا مشى يكون له رائحة، وتمشي بقية النمل عليه، وهذا من آيات الله سبحانه وتعالى، هذا معنى قوله: (( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ))[طه:50].
على كل حال: الذي يلزمنا من هذه الآية الكريمة أن النملة أدركت ذلك برؤية أو بغيرها.
يقول: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:18].
انظر هذه الجملة تضمنت نداء وأمراً وإرشاداً وتحذيراً وتعزيراً، وغير ذلك مما يمكن أن ندركه إن شاء الله بعد الكلام بالتفصيل.
(( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ))[النمل:18] هذا نداء، وقد مر علينا مرات أن تصدير الجملة بالنداء الغرض منه التنبيه. يعني: إذا قلت: افعل أو يا فلان افعل الأخيرة أعظم وأبلغ، فهذا لتنبيهه.
ثم قولها: (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ))[النمل:18] نداء بعيد، مصدّر بتنبيه (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ )) لأنه لو قالت: يا نملُ. فقد يخفى لأنكم ترون الإنسان أول ما يكلمك قد يخفى أول الجملة، إذا جاء بشيءٍ ينبّه قبل الدخول في الموضوع المقصود، صار ما يفوت الإنسان من المقصود شيء.. لا يفوت السامع من المقصود شيءٌ هي قالت: يا أيها النمل ولم تقل: يا نمل.
ثم إن نداء البعيد أيضاً يدل على أنها صوتت لصوتٍ سمعه الكل (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ )).
وفي قولها: (( ادْخُلُوا )) هذا أمر والمراد به الإرشاد، وفي تعيين المساكن وهي الملاجئ، هذه مثل صفارات الإنذار عند الناس إذا صفّرت صفارة الإنذار أين يذهبون للسطوح؟ لا. للملاجئ، وهي أيضاً أرشدتهم إلى ملاجئهم (( ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ )).
ثم فيه أيضاً إشارة إلى أن هذه المساكن كما أنها أكنان يكتن بها الإنسان، فهي أيضاً حصون يحترز بها الإنسان (( أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ))[المرسلات:25 - 26].
وفي قولها: (( مَسَاكِنَكُمْ )) الإضافة هنا على تقدير اللام أو على تقدير من؟
الطالب: اللام مساكن لكم.
الشيخ : نعم. على تقدير لام لا من ولا في، لأن الإضافة تكون على تقدير من إذا كان المضاف من جنس المضاف إليه كخاتم حديد، وباب خشب. وتكون على تقدير في إذا كان المضاف إليه ظرفاً للمضاف، كما في قوله تعالى: (( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ))[سبأ:33] أي: مكرٌ في الليل.
وتكون على تقدير اللام وهي الغالب والأكثر، وهنا على تقدير اللام، واللام المقدّرة بالإضافة هنا هي للاختصاص أو للملك؟
الطالب: للملك، .....
الشيخ : بالنسبة لنا للاختصاص، لكن بالنسبة لهن النمل فيما بينهن الظاهر أنه للملك، أن كل واحدة منهن تعرف بيتها وأنه ما أحد يدخل عليها.
الطالب: ما تملكه.
الشيخ : تملكه، إن كان يعرفن عقد بيع يمكن يدخل أيضاً سدله.
(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ )) هذا التحذير، الشاهد هو التحذير.
" (( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) يكسرنكم " والجملة هذه كالتعليل لأمر في قولها: (( ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ )) يعني كأن قائلاً يقول: لماذا؟ لا يحطمنكم سليمان، فالجملة تعليل وهي تحذير.. تعليلٌ وتحذير، هذا من بلاغتها أيضاً ما قالت: ادخلوا مساكنكم وبس، عيّنت المحذَّر منه وهو: لا يحطمنكم سليمان.
ثم أتت بهذه الجملة الشديدة الوقف ما قالت: لا يطأنكم، قالت: لا يحطمنكم. أيها أشد وقعاً؟
الطالب: الأخيرة.
الشيخ : الأخيرة أشد، لأن الوطء قد يلزم منه الكسر والإتلاف وقد لا يلزم، ثم هو الوطء هادئ بالنسبة لكلمة التحطيم.
وهل المقام يقتضي هذا أن يأتي بالعبارة الغليظة؟ نعم، لأن المقام مقام تحذير وبسرعة إذا لم يفعلن هذا بسرعة فإنهم يحطّمون، قال: لا يَحْطِمَنَّكُم وهنا قالت: (( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) وقالت: (( ادْخُلُوا )).
والتعبير بادخلوا ولا يحطمنكم بالميم هذا لا يكون إلا للعاقل، لأن غير العاقل يؤنّث: ادخلن مساكنكم، ولا يحطمنكن. ولكنها هي قالت: (( ادْخُلُوا ))، و(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) تنزيلاً لهن منزلة العاقل.
أو يقال هُن بالنسبة لبعضهن عقلاء مثل ما قلن إن المساكن بالنسبة لبعضهن ملك وبالنسبة لنا اختصاص.
(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ )) وهذا التعبير يدل على أن عظمة سليمان متقررة عندهن وهو كذلك، وقوله: (( سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ )) ما قالت: وجنده، لأن الذي فهمنا من القرآن أن معه ثلاثة أصناف من الجنود هم: الإنس، والجن، والطير. كما سبق.
وقوله: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ )) هذا اعتذار لسليمان وجنوده أنهم لم يتقصدوا أن يحطموكم، ولكن بغير شعورٍ منهم، لأنكم كما تعرفون الجنود والجيش العظيم الواسع وهذه نمل صغار، يمكن يحطمه وهو ما شعر، ثم إن الغالب أن مثل هذا الجند الكثير ما يستطيع أن ينكف بعضه عن بعض فيما إذا وجدوا جحر نملٍ مثلاً.
فهذا معنى قولها: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:18].
يعني لو قال قائل: كيف وهم لا يشعرون؟ هل هم يمشون بغير هدىً؟ نقول: لا. يمشون بهدى، لكن من المعروف أننا إذا قارنا بين هذا الجند العظيم الواسع وبين صغر هذه النمل فإن الغالب أنهم لا يشعرون بها.
فهذه الجمل البليغة العظيمة من هذا المخلوق الذي ليس في أعين الناس شيئاً وهو من أصغر المخلوقات، ماذا يدلنا عليه هذا؟ يدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وأن ما هو أعظم من هذه المخلوقات النمل هو أعظم منها أيضاً في مثل هذه الأمور، لأن من أعطى الصغيرة هذا الإعطاء وهداه هذه الهداية فالكبير أحوج إلى الهداية
قال الله تبارك وتعالى: (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:18].
قوله: (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا )) هذه غاية لما سبق وهو قوله: (( وَحُشِرَ * حَتَّى إِذَا ))[النمل:17 - 18] وعلى هذا فيكون في الكلام حذفاً تقديره: وساروا حتى إذا أتوا. فبعد أن جمع الجنود ووزعوا فرُد أولهم إلى آخرهم ونظّموا ساروا.
(( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] أتوا أي: سليمان وجنوده أي: مرّوا.
قوله: (( عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] ظاهر الكلام أن هذا الوادي معروفٌ بهذا اللقب، أنه يسمى: واد النمل.
ويحتمل لكنه خلاف الظاهر أن يكون هذا الوادي وادياً فيه نملٌ. يعني: حتى إذا أتوا على وادٍ فيه نمل، وليس معروفاً بهذا اللقب بأنه واد النمل، ولكن الأولى الأخذ بظاهر اللفظ وهو أن يكون هذا الوادي معروفاً بكثرة نمله، وأنه يلقّب بهذا اللقب لكثرته، والنمل معروف وهو من الحيوانات التي نُهي عن قتلها كما في السنن: ( أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتل أربعٍ من الدواب ) وذكر منها: ( النملة ).
وفي الصحيح أيضاً في أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه قرصته نملة فأمر بقرية النمل كلها فأُحرقت، فعاتبه الله على ذلك وقال: هلّا نملةً واحدة؟
هذا النمل من جملة المخلوقات التي تعرف ربها وتعرف ما ينفعها وما يضرّها، على حسب ما رُكِّب من هداية، وقد قال موسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفرعون لما قال: (( فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ))[طه:49 - 50] أعطى كل شيءٍ خلقه أي: الخلق اللائق به، كل شيء من الحيوان وغيره له خلقٌ يليق به أعطاه الله، ثم هداه هدى هذا الخلق أيضاً لما تقوم به مصالحه.
فهذه النمل من جملة المخلوقات التي أعطاها الله تبارك وتعالى خلقها وهداها، (( أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ))[النمل:18] " وهو بالطائف أو بالشام " خلاف، ولا دليل لا على الطائف ولا على الشام، والأقرب أنه في الشام ومع ذلك لا نجزم به، لأن مقر سليمان عليه الصلاة والسلام كان في الشام، ومع هذا ما نجزم به.
وتعيين المكان هل هو من الأمور التي لا بد منها في القصة؟
لا، لأن المقصود الاعتبار بما جرى في أي مكان كان من الأرض.
وقال: " نمله صغارٌ أو كبار " أيضاً ما لنا ولهذا، بعضهم يقول: نمله كبار، النملة بكبر الذئب يعني: صارت النمل حمير! هذا ما هو صحيح، بل النمل هو المعروف في لغة العرب، وكل من فسّر شيئاً من القرآن بخلاف ما تقتضيه اللغة العربية فإنه لا بد له من دليل، وإلا فيرد عليه، لأن معنا أصلٌ أصيل في تفسير القرآن وهو قوله تعالى: (( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ))[الشعراء:195] فمن زعم أن شيئاً من القرآن على خلاف هذا اللسان العربي المبين فعليه الدليل.
على هذا نقول: النمل هو النمل المعروف، وأما القول بأنه كبار وأنه كبر الذئاب، فهذا لا دليل عليه.
الطالب: .....؟
الشيخ : لا لا، النمل المعروف هذا.
قال: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) هذا جواب (( إِذاَ )) (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا )) " (( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) ملكة النمل وقد رأت جند سليمان (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ... ))[النمل:18] إلى آخره ".
قال: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) يقول: " ملكة النمل وقد رأت جند سليمان ".
أما قوله: وقد رأت جند سليمان فهذا واضح، الله أعلم أنها رأته أو أحسّته، قد يكون إحساساً بدون نظر، وقد يكون نظراً، إنما على كل حال هي أدركت قربه ووصول سليمان بجنوده إليهم.
وقوله تعالى: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ ))[النمل:18] نملة منكّر، وظاهر كلام المفسّر أنها معرّفة، لأنه قال: " ملكة النمل " وهذا يقتضي أن يكون التعبير: قالت النملة. يعني: النملة المعهودة وهي الملكة، ولما لم يكن التعبير بقوله: قالت النملة. دل على أن القائل لا يتعين أن يكون ملكة النمل وإنما هي نملة من النمل، وهذا ليس بغريب، فإنه كما لو أقبل جندٌ على طائفة من الناس ورآه واحدٌ منهم يصيح بهم وإلا لا؟ ولا يلزم أن يكون هذا الصائح هو الأمير أو الملك.
ولهذا الصحيح إبقاء القرآن على ظاهره، وأنها نملة من هذا النمل ولا يلزم أن تكون الملكة، لأن مثل هذه الأحوال أي واحد يشعر من الطائفة الموجودة يشعر بالخوف يصيح بهم وينذر.. أنا النذير العريان.
(( قَالَتْ نَمْلَةٌ )) إذاً: الصواب أن نقول: قالت نملة من النمل ولا نعيّنها بأنها الملكة.
طيب. " وقد رأت جند سليمان " هل يتعيّن أيضاً أن يكون لفظ رؤية أو يجوز أن يكون إحساس...؟
الطالب: .... إن رأت....
الشيخ : نعم. لكن الرؤية هل يتعين الإدراك بالرؤية؟ أو يجوز أيضاً بالإحساس والسمع؟ يمكن هذا، وحينئذ نسأل: هل للنمل أعين؟
الطالب: نعم. لها إشعار، لها قرون.
الشيخ : هذه أيضاً تحتاج إلى دراسة علم الأحياء، إنما هي قد رأيت كلام يقول: إن النمل أنه بإذن الله إذا نشأ فإنه يفرز أشياء تمشي النملات الأخرى على رائحتها، وهذا شيءٌ أنا شاهدته بعيني، كان في بساط مثل هذا البساط بس كبير، المهم أنه من هذا النوع، وكان النمل هذا يمشي ويأتي على زاوية ثم يرجع. يعني: يمشي مستطيل ويأتي على الزاوية ويرجع. كل النمل على هذا.
يعني: ما يروح ..... يختصر، فأنا تعجبت كيف يعرف ...، لو كان على تراب فالذي على التراب يبيّن أثر النمل ويمشي بعضه مع بعض، لكن هذا ليس على التراب.
ولكن بعد أن قرأت هذا عنه عرفت أنه إذا مشى يكون له رائحة، وتمشي بقية النمل عليه، وهذا من آيات الله سبحانه وتعالى، هذا معنى قوله: (( أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ))[طه:50].
على كل حال: الذي يلزمنا من هذه الآية الكريمة أن النملة أدركت ذلك برؤية أو بغيرها.
يقول: (( قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:18].
انظر هذه الجملة تضمنت نداء وأمراً وإرشاداً وتحذيراً وتعزيراً، وغير ذلك مما يمكن أن ندركه إن شاء الله بعد الكلام بالتفصيل.
(( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ))[النمل:18] هذا نداء، وقد مر علينا مرات أن تصدير الجملة بالنداء الغرض منه التنبيه. يعني: إذا قلت: افعل أو يا فلان افعل الأخيرة أعظم وأبلغ، فهذا لتنبيهه.
ثم قولها: (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ))[النمل:18] نداء بعيد، مصدّر بتنبيه (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ )) لأنه لو قالت: يا نملُ. فقد يخفى لأنكم ترون الإنسان أول ما يكلمك قد يخفى أول الجملة، إذا جاء بشيءٍ ينبّه قبل الدخول في الموضوع المقصود، صار ما يفوت الإنسان من المقصود شيء.. لا يفوت السامع من المقصود شيءٌ هي قالت: يا أيها النمل ولم تقل: يا نمل.
ثم إن نداء البعيد أيضاً يدل على أنها صوتت لصوتٍ سمعه الكل (( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ )).
وفي قولها: (( ادْخُلُوا )) هذا أمر والمراد به الإرشاد، وفي تعيين المساكن وهي الملاجئ، هذه مثل صفارات الإنذار عند الناس إذا صفّرت صفارة الإنذار أين يذهبون للسطوح؟ لا. للملاجئ، وهي أيضاً أرشدتهم إلى ملاجئهم (( ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ )).
ثم فيه أيضاً إشارة إلى أن هذه المساكن كما أنها أكنان يكتن بها الإنسان، فهي أيضاً حصون يحترز بها الإنسان (( أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ))[المرسلات:25 - 26].
وفي قولها: (( مَسَاكِنَكُمْ )) الإضافة هنا على تقدير اللام أو على تقدير من؟
الطالب: اللام مساكن لكم.
الشيخ : نعم. على تقدير لام لا من ولا في، لأن الإضافة تكون على تقدير من إذا كان المضاف من جنس المضاف إليه كخاتم حديد، وباب خشب. وتكون على تقدير في إذا كان المضاف إليه ظرفاً للمضاف، كما في قوله تعالى: (( بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ))[سبأ:33] أي: مكرٌ في الليل.
وتكون على تقدير اللام وهي الغالب والأكثر، وهنا على تقدير اللام، واللام المقدّرة بالإضافة هنا هي للاختصاص أو للملك؟
الطالب: للملك، .....
الشيخ : بالنسبة لنا للاختصاص، لكن بالنسبة لهن النمل فيما بينهن الظاهر أنه للملك، أن كل واحدة منهن تعرف بيتها وأنه ما أحد يدخل عليها.
الطالب: ما تملكه.
الشيخ : تملكه، إن كان يعرفن عقد بيع يمكن يدخل أيضاً سدله.
(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ )) هذا التحذير، الشاهد هو التحذير.
" (( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) يكسرنكم " والجملة هذه كالتعليل لأمر في قولها: (( ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ )) يعني كأن قائلاً يقول: لماذا؟ لا يحطمنكم سليمان، فالجملة تعليل وهي تحذير.. تعليلٌ وتحذير، هذا من بلاغتها أيضاً ما قالت: ادخلوا مساكنكم وبس، عيّنت المحذَّر منه وهو: لا يحطمنكم سليمان.
ثم أتت بهذه الجملة الشديدة الوقف ما قالت: لا يطأنكم، قالت: لا يحطمنكم. أيها أشد وقعاً؟
الطالب: الأخيرة.
الشيخ : الأخيرة أشد، لأن الوطء قد يلزم منه الكسر والإتلاف وقد لا يلزم، ثم هو الوطء هادئ بالنسبة لكلمة التحطيم.
وهل المقام يقتضي هذا أن يأتي بالعبارة الغليظة؟ نعم، لأن المقام مقام تحذير وبسرعة إذا لم يفعلن هذا بسرعة فإنهم يحطّمون، قال: لا يَحْطِمَنَّكُم وهنا قالت: (( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) وقالت: (( ادْخُلُوا )).
والتعبير بادخلوا ولا يحطمنكم بالميم هذا لا يكون إلا للعاقل، لأن غير العاقل يؤنّث: ادخلن مساكنكم، ولا يحطمنكن. ولكنها هي قالت: (( ادْخُلُوا ))، و(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ )) تنزيلاً لهن منزلة العاقل.
أو يقال هُن بالنسبة لبعضهن عقلاء مثل ما قلن إن المساكن بالنسبة لبعضهن ملك وبالنسبة لنا اختصاص.
(( لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ )) وهذا التعبير يدل على أن عظمة سليمان متقررة عندهن وهو كذلك، وقوله: (( سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ )) ما قالت: وجنده، لأن الذي فهمنا من القرآن أن معه ثلاثة أصناف من الجنود هم: الإنس، والجن، والطير. كما سبق.
وقوله: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ )) هذا اعتذار لسليمان وجنوده أنهم لم يتقصدوا أن يحطموكم، ولكن بغير شعورٍ منهم، لأنكم كما تعرفون الجنود والجيش العظيم الواسع وهذه نمل صغار، يمكن يحطمه وهو ما شعر، ثم إن الغالب أن مثل هذا الجند الكثير ما يستطيع أن ينكف بعضه عن بعض فيما إذا وجدوا جحر نملٍ مثلاً.
فهذا معنى قولها: (( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ))[النمل:18].
يعني لو قال قائل: كيف وهم لا يشعرون؟ هل هم يمشون بغير هدىً؟ نقول: لا. يمشون بهدى، لكن من المعروف أننا إذا قارنا بين هذا الجند العظيم الواسع وبين صغر هذه النمل فإن الغالب أنهم لا يشعرون بها.
فهذه الجمل البليغة العظيمة من هذا المخلوق الذي ليس في أعين الناس شيئاً وهو من أصغر المخلوقات، ماذا يدلنا عليه هذا؟ يدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وأن ما هو أعظم من هذه المخلوقات النمل هو أعظم منها أيضاً في مثل هذه الأمور، لأن من أعطى الصغيرة هذا الإعطاء وهداه هذه الهداية فالكبير أحوج إلى الهداية