تتمة تفسير الآية السابقة حفظ
يقول: (( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي )) ألهمني (( أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ )).
(( وَقَالَ رَبِّ )) هذه مناداة، حذفت منه ياء النداء وأصله: يا رب. وحُذفت الياء المضاف إليها للتخفيف وإلا أصلها ربي بالياء.ودائماً يأتي الدعاء بحذف ياء النداء، لماذا؟
الطالب: للتخفيف.
الشيخ : لماذا يأتي الدعاء دائماً بحذف حرف النداء؟
الطالب: ياء النداء، للتبرك.
الشيخ : ابتداء بذكر اسم الله وعناية بالمقصود وهو الله سبحانه وتعالى، ربّ يبتدئ به قبل كل شيء، وكأن الإنسان لشدة شوقه لربه في دعائه ما يبدر منه إلا اسم الله سبحانه وتعالى.
قال: (( رَبِّ أَوْزِعْنِي )) أوزعني من حيث الإعراب يقال: فعل أمر، لكن النحويون رحمهم الله تأدباً مع الله ما يقولون: فعل أمر، لأنك ما تأمر الله، يسمونه فعل دعاء، عندما نعرب هذه (( رَبِّ أَوْزِعْنِي )) نقول: أوزع فعل دعائي، ما نقول: فعل أمر يقصد به الدعاء، هو حقيقة فعل أمر والمقصود به الدعاء، لكن تأدباً مع الله نقول: فعل دعاء.
" (( أَوْزِعْنِي )) ألهمني (( أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ )) بها (( عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ )) ".
(( وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ )) الحامل لسليمان عليه الصلاة والسلام أن يقول هذا، الاعتراف بنعمة الله سبحانه وتعالى وخوف الغرور بالنفس، لأنه إذا كانت النملة تقول هكذا وهذا خوفاً منه وجنوده وتعتذر لهم ويفهم كلامها، هذا قد يؤدي بالإنسان إلى الغرور، وأن هذا الشيء لذاته أو من ذاته مثلما قال قارون: (( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ))[القصص:78] فلهذا سأل الله في هذا المقام الذي ربما يحصل به الغرور للمرء، والإنسان بشر سأل الله أن يلهمه شكر نعمته التي أنعم عليه وعلى والديه، وأن يعمل صالحاً يرضاه.
وهكذا ينبغي للإنسان إذا حصل له نعمة أن يسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمه شكرها، حتى لا يلحقه الغرور بهذه النعمة التي أنعم الله بها عليه سواءٌ كانت النعمة مالية أو جسدية، معنوية أم حسيّة.(( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ )) أنْ هذه مصدرية، ايش محلها من الإعراب؟
الطالب: ....
الشيخ : مفعول ثاني لأوزعني، لأن المفعول الأول الياء والمفعول الثاني: أن أشكر. يعني: ألهمني شكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ وعلى والديّ.
قوله: (( أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ )) ايش معنى النعمة؟ الإحسان الذي ينعم به المُحسَن إليه، والنعمة كما تعرفون تنقسم إلى قسمين: إما حصول مطلوب، وإما نجاة من مرهوب.
والله تبارك وتعالى دائماً نعمه على عبده، والعبد دائرٌ بين هذين الصنفين من النعمة، دائماً يحصل له مطلوبه وينجو من مرهوبه.وقول المفسّر: " أنعمت بها عليّ " لماذا قدّر بها؟
الطالب: .....
الشيخ : لا. لأنه من المعروف أن الجملة التي تكون صلة للموصول لا بد فيها من رابط يعود على الموصول.. لا بد فيها من عائد يعود على الموصول.
هنا (( الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ )) تحتاج الجملة أنعمت أن يكون فيه ضمير يعود على التي، قدّرها المؤلف بقوله: " بها " وهل منكم أحد يناقشه في هذا التقدير؟ يعني: تقدير الضمير لأجل أن يكون عائداً على موصول هذا واضح مسلّم، هذه القاعدة النحوية (( يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ))[المؤمنون:33] أي: منه. هذا واضح.وهذا كثير في الكلام العربي في القرآن والسنة وكلام الناس، أنه لا بد من عائد يعود على الموصول ليربط الجملة الصلة بموصولها. ولكن هل لكم مناقشة مع المؤلف في تقدير العائد على هذا الوجه؟
الطالب: .....
الشيخ : بأن الضمير المنفصل إياه وإياي وإياك، هذا ضمير منفصل، فالضمير هنا متصل بلا شك.
الطالب: لكن .... الباء بها.
الشيخ : ولو هو متصل ولو مع وجود الباء، وكان يقول أنعمتها عليّ، هذا صحيح، التقدير أنت قدّرت صحيح لكن العِلَّة ليست هي العِلَّة.
يقولون: إن العائد ما يُحذف إذا كان مجروراً إلا إذا جُرّ الموصول بحرف مشابه للمحذوف لفظاً ومعنىً وتقديراً.عرفتم؟ هذا مر علينا كنا نقرأ في النحو في القطر، وأنه إذا كان مجروراً يشترط أن يكون مجروراً بالحرف الذي جر الموصول، وأنه يكون موافقاً له في اللفظ ومتعلقه، واحداً موافقاً في اللفظ والتقدير والمعنى.
المؤلف الآن قدّر بها مع أنها ليست موجودة في القرآن: نعمتك التي أنعمت بها، وعلى هذا فالتقدير السليم أن يقول: أنعمتها عليَّ وعلى والديَّ، لأنه ما يمكن أن يحذف العائد المجرور إلا إذا كان الموصول مجروراً بحرف الجر الذي جُر به ذلك العائد.
وقوله: (( عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ )).أما (( عَلَيَّ )) فظاهر أن نعمة الله عليك تحتاج إلى شُكرٍ منك، لكن نعمة الله على والديك ما وجه كونها تحتاج إلى شكرٍ منك؟
لأن نعمة الله على الوالدين نعمة على الولد، لا سيما في مثل هذه التي حصلت وهو أنه ورث من داود النبوة وخلفه فيها، فهذه النعمة نعمة الله على والديه هي في الحقيقة نعمة عليه، ولهذا قال: (( عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ )).
وقوله: (( وَالِدَيَّ )) هذه جمع و إلا مثنى؟
الطالب: مثنى.
الشيخ : مثنى، مضاف ولذلك حُذفت النون منه، وأصله: والِدين لي، لكن حُذفت النون من أجل الإضافة.
طيب (( وَالِدَيَّ )) من المراد بالوالد؟
الطالب: الوالد ...
الشيخ : هل هو الوالد الذي أنت ولده لصلبه، أو حتى الجد ومن علا.
نقول: الحقيقة أن كلمة والد أحياناً يدخل فيها الجد وإن علا، وأحياناً تتعين بالوالد الأب. والذي يعيّن ذلك هو القرائن اللفظية أو القرائن الحالية.
فمثلاً: ( لا يجوز لواهب أن يرجع فيما وهبه إلا الوالد فيما يعطي ولده ) من المراد بالوالد؟ الأب المباشر.. الوالد الأدنى، فالجد لا يُلحق به.طيب الوالد في تحريم النكاح؟ يشمل الأدنى والأعلى.
الوالد في الميراث؟
الطالب: على الصحيح يشمل
الشيخ : يشمل الأدنى والأعلى إن فُقد الأب، المراد الذكور والإناث.
يعني: لا تعزونا على القول الصحيح أنا نريد الجد الوالد الذي هو الذكر، حتى الأنثى مثلاً الأم الوالدة في الميراث يشمل الأعلى إن فقد الأدنى.وإلا لا؟
فصارت الحقيقة أن كلمة والد تارة يراد بها الأدنى، وتارة يراد بها الأدنى والأعلى مجتمعين أو منفردين، وتارة يراد بها الأدنى والأعلى لا مجتمعين. والذي يعيّن ذلك هو القرائن اللفظية أو الحالية.