قال الله تعالى : << ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبأ في السموات والأرض و يعلم ما تخفون وما تعلنون >> حفظ
لأن معنى (( لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ))[الحديد:29] معناه: لأن يعلم أهل الكتاب، فزيدت اللام توكيداً، فالمؤلف يرى أن هذه الآية مثل الآية التي ذكرها، ذكرها شاهداً لها وهي زيادة اللام، زيادة لا. ويرى آخرون من المفسرين خلاف ما رآه المؤلف، ويقولون: (( فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ )) انتهت الجملة، وأن قوله: (( أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ ))[النمل:25] بمعنى: هلا يسجدوا، وأنها للتحضيض، نعم. ولكن هذا التقدير فيه إشكال أيضاً وهي حذف النون من الأفعال الخمسة بدون ناصب ولا جازم، لأن (ألا) لا تنصب ولا تجزم، وإذا قلنا: إن يسجدوا أن (ألا) للتحضيض وهي لا تنصب ولا تجزم ونظرنا إلى (يسجدوا) وجدنا أن فيها حذف النون نصباً أو جزماً، وهنا ليس فيه ناصب ولا جازم، فهو محل إشكال، ولكن الجواب عن هذا قد يكون سهلاً، لأن حذف نون الأفعال الخمسة لغير ناصب ولا جازم جائز ووارد في اللغة العربية، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ).
( لا تدخلوا ) لا: نافية ما تنصب ولا تجزم ومع ذلك حذفت النون، ولم يقل: لا تدخلون الجنة، نعم. فالجواب على هذا أن يقال: إن نون الأفعال الخمسة قد تُحذف بدون ناصب ولا جازم لا سيما في مثل هذا التعبير: ( ألا يسجدوا ) الدال على التحضيض، فإنه حذف النون هنا يسهله وجود هذا الحرف السابق للفعل.
وعلى كل حال! إذا كانت على تقدير المؤلف، فإن هذه الجملة بالنسبة لما قبلها كالمؤكدة، لما قال: (( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ))[النمل:24] هذا يقتضي أن لا يهتدوا إلى الحق وإلى أن يسجدوا لله سبحانه وتعالى.
وأما على القول الثاني: (( أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ ))[النمل:25] أن (ألا) للتحضيض، بمعنى: هلا، فإنه يدل على أن الهدهد انتقدهم بهذا الفعل، وبين أن الأولى بل الأوجب أن يكون السجود لله سبحانه وتعالى، وتكون الجملة منفصلة عما قبلها.
وقوله: (( الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ ))[النمل:25] مصدر بمعنى المخبوء من المطر والنبات (( فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ))[النمل:25] ويعلم ما يخفون في قلوبهم وما يعلنون بألسنتهم.
(( الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ ))[النمل:25] الخبء بمعنى المخبوء كما قال المؤلف، فهو مصدر بمعنى اسم المفعول، والمصدر بمعنى اسم المفعول وارد في اللغة العربية كثيراً، ومنه قوله تعالى: (( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ ))[الطلاق:6] أي: محمول، لأن الحمل فعل المرأة، وأما المحمول فهو الجنين، وكذلك قوله: (( وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ))[الطلاق:4]، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي: مردود.
ومنه أيضاً قول الله تعالى: (( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ))[لقمان:11].
(( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ ))[لقمان:11] أي: مخلوقه وليس فعله، نعم. فالخبء هنا بالمعنى المفعول، قال: من المطر هذا باعتبار المخبوء في السماء، والنبات؟
الطالب: .....
الشيخ : هذا المخبوء في الأرض، فالله تبارك وتعالى هو الذي يخرج ما في هذا وما في هذا، في السماوات والأرض ويعلم ما يخفون في قلوبهم وما يعلنون بألسنتهم، لم يشر للمؤلف إلى القراءة الثانية وهي سبعية في قوله: يخفون ويعلنون، فإن الذي في المصحف قراءة عاصم ما هي؟
الطالب: ...
الشيخ : (( وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ))[النمل:25] يخاطب بذلك سليمان.
وقوله: ( ما تخفون في قلوبكم وما تعلنونه بألسنتكم ) فيه نظر تقييده بالألسنة، لو قال: بألسنتكم وجوارحكم، لأن ما يُفعل بالجوارح معلن، كما أن ما ينطق به في اللسان مُعلن أيضاً.
(( وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ))[النمل:25] وهذان الوصفان إخراج الخبء والعلم بما يخفي العبد وما يعلنه لا يكون لأحد من المخلوقين لا للشمس ولا لغير الشمس، وإنما ذلك خاص بالله تبارك وتعالى، ولهذا جعله الهدهد جعله من الأسباب التي تستلزم أن تكون العبادة لله وحده، لأنه العالم بها، ولا يمكن يؤتى بوصف يستلزم العبادة إلا إذا كان خاصاً بالله، لأنه يؤتى بهذا الوصف استدلالاً على بطلان عبادة ما سواه، ولو كان من ما يمكن أن يكون لله لم يكن ذلك دليلاً على اتصاف الله تعالى بالعبودية، إذ قد يقول العابد للشيء: وهذا وصف أيضاً موجود في معبودي فأنا أعبده.
فالمهم أنه لا يمكن أن تُقام الحجة إلا بدليل خاص في المحتج له، يعني بمعنى: أنه ما يمكن أن تقوم الحجة بأن العبادة لله وحده إلا بوصف إيش؟
الطالب: خاص.
الشيخ : خاص بالله، لأنك لو احتججت بوصف يكون لله ولغيره لكان العابد لغير الله يقول: وهذا وصف أيضاً ممكن لمعبودي، ممكن في معبودي فلا يدل على أنه مما يختص به الله سبحانه وتعالى