فوائد قوله تعالى : << فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين >> حفظ
... الله تبارك وتعالى: (( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ))[النمل:22]
يستفاد من هذه الآية الكريمة:
أولاً: سرعة رجوع الهدهد إلى سليمان، من ما يدل على أن جنود سليمان يهتمون بشئونهم ولا يتأخرون عن أعمالهم، لقوله: (( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ))[النمل:22].
ويستفاد منها أيضاً: أن سليمان وإن كان قد أعطي ملكاً عظيماً لم يعطه أحد، فإنه لا يحيط بكل شيء، فهو على سعة ملكه وقوته لا يحيط بكل شيء فغيره من باب أولى، فيستفاد منه -الفائدة الثالثة- وهي ضعف إدراك المرء -الإنسان- مهما بلغ من الملك ومن القوة، ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى: (( وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ))[النساء:28] فإن هذا يبين الإنسان ضعف الإنسان. ضعيف وايش هو به؟ في كل شيء، في القوى العقلية والقوى الجسمية وكل ما يمكن أن يوصف بالقوة والضعف فإن حال الإنسان فيه الضعف.
ومن فوائد الآية: أنه يجوز أن يخاطب الرئيس بمثل هذا الخطاب، فيقال مثلاً: علمت ما لم تعلم، أو فعلت ما لم تفعل، ومثله قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه: (( إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ))[مريم:43].
ومن فوائدها أيضاً: أنه ينبغي للمتكلم أن يؤكد الخبر للمخاطب عند الحاجة إليه، لقوله: (( بِنَبَإٍ يَقِينٍ ))[النمل:22].
فإذا قال قائل: ما فائدة تأكيده له وهو مصدر الخبر، لأن التأكيد إنما يفيد إذا جاء من طرف آخر يكون شاهداً للمخبر، فأما نفس المخبر فكيف يقال: إن في تأكيده للخبر فائدة؟
فالجواب: أن المقصود من ذلك: زيادة طمأنينة المخبَر، لأنه أيضاً يدل على أن له فائدة: أنك إذا أخبرك المخبِر بخبر قد تقول له: هل أنت متأكد؟ فيقول: نعم أو لا، فإذاً: تأكيد المخبِر لخبره لا يقال إنه لا فائدة منه لأنه هو مصدر الخبر، بل نقول: فيه فائدة وهي رفع توهم المخبِر في خبره، فيرفع هذا التوهم ويطمئن المخاطب، ولهذا ... (( وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ))[النمل:22].
وفيه أيضاً من فوائد الآية: أن استعمال ضمير الجمع للمخاطب المعظَّم ليس بلازم وليس من شأن أيضاً خطاب الأنبياء والسلف، أنه مثلاً عندما يكون الإنسان معظَّم يقول: أتيتكم، جئتكم، نعم. وما أشبه ذلك كما هو المعتاد الآن عندنا، عندنا إذا كان المخاطب معظَّماً يقال: كما تريدون مثلاً سعادتكم أو سيادتكم أو سماحتكم أو فضيلتكم أو ما أشبه ذلك، نعم. لا، هذا ليس معتاداً فيما سبق، وإنما يخاطب الإنسان بما تقتضيه الحال، حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام يرد السلام على المسلِّم بقوله: عليك السلام. إذا سلم عليه أحد يقول: عليك السلام، وإذا كانوا جماعة يقال: عليكم السلام.
الفائدة هذه الأخيرة: أنه من عادة السلف أنهم يخاطبون أو يتكلمون مع المخاطب بما تقتضيه الحال.