فوائد قوله تعالى : << فلما جآء سليمان قال أتمدونني بمال فمآءاتني الله خير ممآءاتكم بل أنتم بهديتكم تفرحون >> حفظ
وفي قوله: (( فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ))[النمل:36 - 37].
يستفاد من قوله: (( فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ ))[النمل:36] أن من المستحسن أن يتقدم الرئيس رئيس الوفد أو القوم بالكلام أو بالفعل إذا كان مكلفاً بالفعل، المهم أن يكون المتقدم الرئيس، لأن تقدم الجميع دفعة واحدة غير لائق لضياع المسئولية، فلا بد أن يتقدم واحدٌ، وكلما حُصر الأمر كان أقرب إلى الفهم وإلى حصول المقصود.
وفيه أيضاً: دليلٌ على توجيه الخطاب للجماعة وإن كان المتقدم رئيسهم، لقوله: (( أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ ))[النمل:36].
وفيه دليل على جواز الغلظة في القول إذا كانت المصلحة فيه، لأن هذا الأسلوب من سليمان عليه الصلاة والسلام أسلوب قوي، إذ قلنا أن الاستفهام في قوله: (( أَتُمِدُّونَنِ ))[النمل:36] للتوبيخ والتعجيب، يعني أنه يوبخهم على فعلهم ويتعجب من فعلهم، كيف يمدونه بمال وهو ملك ومعروف ومشهور؟
وفيه دليل على جواز التحدث بنعمة الله.. الفائدة الرابعة: أنه يجوز للإنسان أن يتحدث بنعمة الله لقوله تعالى: (( فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ ))[النمل:36].
ولكن هل يتحدث بهذه النعمة على سبيل الافتخار أو على سبيل الافتقار والاستصغار؟ نرى أنه على حسب الحال.
فمع العدو يجوز أن يتحدث بها افتخاراً، ولذلك تجوز الخيلاء في الحرب مع أن الخيلاء محرّمة وهي من الكبائر، لكن في الحرب لإغاظة العدو لا بأس بها، فسليمان عليه الصلاة والسلام تحدث هنا بنعمة الله افتخاراً فيما يظهر لي.. افتخاراً على هؤلاء القوم، وهذا لا بأس به إذا كان أمام العدو، فأما إذا كان لإظهار النعمة فإنه لا يجوز إلا على سبيل الاستصغار والافتقار إلى الله سبحانه وتعالى، لا على سبيل الافتخار و العلو على الخلق.
الفائدة الخامسة: أنه يجوز للإنسان أن يصف غيره بما يبدو من حاله، لقوله: (( بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ))[النمل:36] إذ أن الفرح كما تعرفون أمرٌ باطني، تظهر علاماته على ظاهر البدن، ولكنه في الأصل أمرٌ باطني، لأن الذي يفرح ما يُسمع لفرحه صوت ولا يُرى له حركة، ولكن تظهر علاماته.
فلا بأس أن الإنسان يحكم على غيره بالقرائن لما يظهر من حاله، وقد مر عليكم كثيراً مثل هذا الأمر، فقد قال الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان: ( والله ما لابتيها أهل بيتٍ أفقر مني ) ومع هذا فإن هذا الرجل لم يطف بأبيات أهل المدينة ويفتشها حتى يعرف أن ما فيه أحد أفقر منه.