قال الله تعالى : << قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه و أهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله و إنا لصادقون >> حفظ
(( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ))[النمل:48].
" (( قَالُوا )) أي: هؤلاء التسعة بعضهم لبعض: (( تَقَاسَمُوا )) أي: احلفوا (( بِاللَّهِ )) ".
يعني: طلب بعضهم من بعض أن يتعاهدوا على هذا الأمر، يتحالفوا على أن يبيّتوا صالحاً وأهله، ومعنى البيات إنزال العقوبة بهم ليلاً.
فهنا حلفوا والعياذ بالله هذا الحلف الفاجر على أن يبيّتوا صالحاً وأهله، ولهذا قال: (( لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ))[النمل:49].
اللام في قوله: نبيّتنّه واقعة في جواب القسم، والنون للتوكيد، فهم أكدوا هذا الفعل باليمين واللام والنون.
يقول المؤلف: " بالنون والتاء وضم التاء الثانية " كذا عندكم؟.
وبالتاء والثانية إذا جعلناها بالتاء لزم ضم التاء الثانية لتبيتُنّه، وأما لَنُبَيِّتَنَّهُ فإنها تبقى مفتوحة.
" (( لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ))[النمل:49] أي من آمن به أي نقتلهم ليلاً " هذا تفسير البيات.
والمراد بالأهل أتباعه كما قال المؤلف، ولكن قد ينازع في هذا، ويقال: إن المراد به أهله الخاصون يعني: أهل بيته، لأنهم هم الذين يسكنون في الغالب معه في البيت، فإن الغالب أن الإنسان في الليل لا يكون معه في بيته إلا أهله الخاصون به.
ثم بعد ذلك أن يبيّته " (( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ ))[النمل:49] بالنون والتاء وضم اللام الثانية ". ضم اللام الثانية متى؟ إذا صارت ستة لتقولنَّ، أما بالنون فهي بالفتح لنقولن.
يعني: ثم بعد أن نبيّته ونقتله ثم إذا قام وليه للأخذ بثأره نقول له " (( لِوَلِيِّهِ )) أي: ولي دمه ".
ومن ولي الدم عندنا في الخلافة الإسلامية هم الورثة بفرضٍ أو تعصيب، وقول البعض: بل هم العصبة هم أولياء الدم، لأنهم هم الذين يؤدون العقل عنه، وأما ذوي الفرض فليس من أولياء الدم.
والصواب العموم: أن أولياء الدم هم الورثة بفرضٍ أو تعصيب، حتى الزوجة أو الأم هي من أوليائه.
(( لِوَلِيِّهِ )) نقول: " (( مَا شَهِدْنَا )) حضرنا ((مَهْلِكَ أَهْلِهِ )) بضم الميم وفتحها " مُهلك ومَهلك.
ولم يتعرض المؤلف للقراءة الثالثة وهي: (( مَهْلِكَ )) فالقراءات فيها ثلاث: فتح الميم وكسر اللام، فتح الميم واللام مَهلَك، ضم الميم وفتح اللام. وهاتان الأخيرتان هما اللتان ذكرهما المؤلف مُهلَك أهله، ومَهلَك أهله يقول: " أي إهلاكهم أو هلاكهم " على القراءتين.
مُهلك أي: إهلاك، لأن مُهلك من أهلك الرباعي، ومهلَك من هلك الثلاثي. ولذلك نقول: إذا كان الفعل ثلاثياً فإن المصدر الميمي منه على وزن مفعل مهلك، هلك مهلك قام مقام، وإذا كان رباعياً فإن المصدر الميمي منه على وزن اسم المفعول، فتقول: مُهلَك من أهلك، وتقول: مقام من أقام.
قام فينا مقام فلان، مثلما قال أبو حيان في ابن تيمية:
قام ابن تيمية في نصر شِرعتنا
مقام سيد تَيْم إذ عصت مضر

قام مقام، لكن عندنا تقول: أقام في هذا المكان مُقام فلان بضم الميم ما تقول: مقام. وهذه قاعدة معروفة في النحو: أنه المصدر الميمي إذا كان من رباعي فهو على وزن اسم المفعول، وإذا كان من ثلاثي فهو على وزن مفعَل أو مفعِل مثل مهلِك (( مَهْلِكَ أَهْلِهِ )).
" فلا ندري من قتلهم ". وهذا الإنكار صحيح أو كذب؟
الطالب: كله كذب.
الشيخ : ما داموا هم الذين قتلوه، فقولهم: (( مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] هذا كذب، لكن فيه تورية، لأنهم يقولون: ما شهدنا بل فعلنا، والشاهد لم يفعل، ولهذا قالوا: (( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49].
وجملة (( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49] هل هي من جملة كونهم الذين يدافعون به عن أنفسهم أو هو تقريرٌ لقولهم: (( مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] يعني وأنهم لم يقولوه للدفاع عن أنفسهم، يحتمل الأمرين، ولكن ما أدري هل فهمتم الفرق بين الأمرين أم لا؟
(( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49] هل (( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49] من جملة ما يقولونه للولي، ليؤكدوا النفي؟ ما شهدنا وإننا لم نكذب عليكم، إننا لصادقون أنا ما شهدنا هذا وجه.
أو أن المعنى: (( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] واطمئنوا أيها الإخوة فإننا -يقولون لبعضهم البعض- لصادقون، بأننا لم نشهد. يحتمل هذا وهذا.
إنما هم المفسّرون ذكروا احتمالين: أحدهما أن يقولوه في جملة دفاعهم عن أنفسهم لولي صالح، وعلى هذا فتكون الجملة (( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ))[النمل:49] تقريراً لقولهم: (( مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] وتكذيب، ما شهدنا وإنا لصادقون فلم نخبركم بالقتل.
أو أن المعنى: (( ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ ))[النمل:49] ونحن إذا قلنا هذا فإننا صادقون، لأننا ما شهدنا مهلك، ولكننا أهلكنا بأنفسنا.. لسنا شهوداً بل فاعلون.
الطالب: ....؟
الشيخ : بلى، لكن الحقيقة أن الفاعل غير الشاهد، وأنه ... تورية هذه مثلاً، وإلا معلومٌ أن من فعل فقد شهد بلى أبلغ.
الطالب: ومن قتل النبي فالذين آمنوا بأنه يكفي عليهم أنهم قدموا لما هو أعظم.
الشيخ : لا. هم يهونون أمرهم بعضهم على بعض، حتى لا يكون في أنفسهم شيء، وإلا هو معلوم أن الذي يقتل يشهد، لكن لتهوين الأمر على بعضهم يوطّن بعضهم بعضاً.
والحاصل: أن هؤلاء والعياذ بالله أرادوا هذا الفعل المنكر وهو مكر، لأنه إتيان لصالح وأهله من حيث لا يشعرون، فإن الليل موضع السكون والهدوء، فإذا أحدٌ اعتدى على أحد صار ذلك غدرا ومكراً، ولهذا حتى في حرب الكفار اختلف العلماء: هل يجوز تبييت الكفار أو لا يجوز؟ فمن منع التبييت قال: ما يمكن أن يقتل الكفار وهم غارون نائمون، ومنهم من أجاز ذلك. والمسألة تحتاج إلى تحرير بحث في هذا الشيء.
والحاصل: أنا نقول: إن هذا من الغدر والمكر، أن يأتي هؤلاء إلى صالحٍ وأهله في الليل فيبيتوهم