قال الله تعالى : << فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين >> حفظ
(( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ))[النمل:51]. (( فَانظُرْ ))[النمل:51] الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولاً، أو لمن يصح خطابه. يعني: فانظر أيها المخاطب، أو فانظر يا محمد وهو رأس هذه الأمة وقائدها وإمامها، فيكون خطابه خطاباً للأمة أيضاً.
(( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ))[النمل:51] كيف هذه اسم استفهام معلّقةٌ ل(انظر) عن العمل، ولهذا نقول: إن محلها النصب خبر كان مقدماً، وجملة كان وخبرها في محل نصبٍ مفعول ل(انظر)، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم، العاقبة ما يعقب الشيء. يعني: انظر ماذا يعقب مكرهم من الأمر: (( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ ))[النمل:51] أهلكناهم، عندكم بفتح الهمزة أو بالكسر؟
الطالب: ....؟
الشيخ : فيها قراءتان: بفتح الهمزة أنا دمّرناهم، وكسرها: إنا دمّرناهم. أما كسرها فهي كقوله تعالى: (( فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ ))[القمر:30 - 31] فتكون مستأنفة على قراءة الكسر تكون مستأنفة لبيان هذه العاقبة (( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ))[النمل:51].
وأما... الآن يتفوه إلى هذه العاقبة، وجيء بالجملة الاستئنافية بياناً لها: إنا دمرناهم وقومهم أجمعين.
أما على قراءة الفتح فهي بيان للعاقبة بدلٌ منه فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّنا دَمَّرْنَاهُمْ. أو أنها على خبر مبتدأ محذوف التقدير هي: (( أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ))[النمل:51].
وقوله تعالى: (( دَمَّرْنَاهُمْ )) يقول المؤلف: " أهلكناهم " من التدمير وهو أبلغ من الإهلاك، لأن التدمير يوحي بغلظ هذا الإهلاك وعظمته. وهو كذلك، فإن قوم صالح أخذوا والعياذ بالله بأمرين: بصيحة، ورجفة.
صيح بهم وارتجفت بهم الأرض حتى انهدم عليهم بناؤهم، وتقطعت قلوبهم في أجوافهم نسأل الله العافية، قال الله تعالى: (( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ))[القمر:31] مثل الهشيم .... والعياذ بالله.
فهذه .... العظيم نتيجة لهذا العصيان والتمرد والمكر الذي أرادوه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقوله: (( دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ ))[النمل:51] مع أن القوم لم يشاركوا في هذه الجريمة، ولكن هذا شؤم المعاصي: أن الله سبحانه وتعالى إذا عاقب بها أحداً شمل الجميع، مع أن قومهم مستحقون للعقوبة لأنهم كانوا كفاراً مكذّبين، لكن تعجيل العقوبة مقروناً بهذا السبب، وهو مكر هؤلاء بصالح، هذا قد لا يكون قوماً مستحقون له ولكنهم شملهم والعياذ بالله عقوبة هؤلاء، وقد ذكر الله تبارك وتعالى في آيات أخرى مفصّلة: أن نبيهم صالحاً قال لهم: (( تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ))[هود:65] فتمتعوا وبقوا ثلاثة أيام، ثم بعد ذلك أخذهم الله تعالى بهذه الصيحة والرجفة. وقوله: (( أَجْمَعِينَ ))[النمل:51] ما محله من الإعراب؟
الطالب: توكيد.
الشيخ : توكيد لقوله: (( وَقَوْمَهُمْ ))[النمل:51] للقوم يعني: ما بقي منهم أحد إلا من كان مؤمناً بصالحٍ عليه الصلاة والسلام، وقول المؤلف: " بصيحة جبريل أو برمي الملائكة بحجارة يرونها ولا يرونهم ".
أما قوله: " بصيحة جبريل " فهذا قد يكون مقبولاً، لأن الله تعالى يقول: (( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً ))[القمر:31] وهذه الصيحة إما من الله، أو من جبريل، أو من غيره من غيره من الملائكة. المهم أنهم أهلكوا بصيحة.
وأما قوله: " أو برمي الملائكة بحجارة " فهذا لا أعلم له وجه، ولكنه قيل: إنهم لما جاءوا إلى صالح أمر الله تعالى الملائكة أن تحرسه، فلما جاءوا وإذا الملائكة تحرسه فجعلت الملائكة ترميهم بالحجارة.. وهذا لا أصل له، إذا لم يكن هذا عن معصوم فإنه غير مقبول وهو أيضاً غير لائق أن تكون الملائكة يرمون بالحجارة، وأنهم من البشر. ولكنا نقول: الذي دمّر الله به هؤلاء وقومهم هو الصيحة والرجفة، كما جاء ذلك في القرآن، ولا نتعدى القرآن في هذا الأمر، لأن الله تعالى يقول في سورة إبراهيم: (( لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ))[إبراهيم:9] فما دام هذه الأمور من معلومات الله سبحانه وتعالى، فإننا لا نتجاوز ما كان له فيها إلا ما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسند مقبول.