قال الله تعالى : << أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النسآء بل أنتم قوم تجهلون >> حفظ
" (( أَئِنَّكُمْ ))[النمل:55] بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين " فالقراءة أيضاً تكون اربعة.
(( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً ))[النمل:55] هذا تفسيرٌ لقوله: (( الْفَاحِشَةَ ))[النمل:54].
وهنا لاحظ أن الاستفهام هنا للتقرير، لكنه أُكّدت الجملة التي قرئت بالاستفهام اكدت بإن واللام (( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ))[النمل:55]، وهذا كقول إخوة يوسف ليوسف: (( أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ))[يوسف:90] أي: أتقرر أنك يوسف وتؤكد ذلك؟
فقال: (( أَنَا يُوسُفُ ))[يوسف:90] وفي ذلك لهم إهانة لهم، لأنهم هم طلبوا منه أن نؤكد لك أنه يوسف (( أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ))[يوسف:90] ما قال: إني لأنا يوسف، قال: أنا يوسف. فحذف التأكيدات استهانة بهم. فلازم أقول مرة ثانية إن الاستفهام إذا تلاه التأكيد لا يسقطه عن معنى الاستفهام، بل كأن المستفهم يطلب من المستفهم منه تأكيد الجملة، ولهذا قال لهم: لكن في هذه المسألة الاستفهام للتقرير، نقرر مع التأكيد (( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ))[النمل:55].
شهوة يحتمل أن تكون مصدراً في موضع الحال، ويحتمل أن تكون مفعولاً لأجله أي: لأجل الشهوة.
وعلى كل حال ففيها إنكار من جهة أنهم يأتون الرجال شهوة وليسوا أهلاً لهم، ومن جهة أخرى أنهم يدعون النساء، ولهذا قال: (( مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ))[النمل:55] وهم محل الشهوة، فيكونون قد أساءوا فيما فعلوا وفيما تركوا، ولهذا قال لهم في آية أخرى: (( وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ))[الشعراء:166] وهذا أبلغ. يعني: لو أن المسألة ضيقة ما بقي إلا هذا الطريق لكان أهون، لكن هنا طرق محللة مباحة موافقة للفطرة تدعونها فتذهبون إلى هذا! كالذي يدع المذكاة ويأكل الميتة، وكالذي يدع البيع الصحيح ويذهب إلى الربا، ويقول: (( إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ))[البقرة:275].
فالحاصل أن الخبائث تزداد قبحاً إذا كان لها بدائل من الأصناف.. إذا كان لها بدائل من الأصناف ازدادت قبحاً، ولهذا قال لهم: (( لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً ))[النمل:55] لو أنه اكتفى بهذا وقال: أتأتون الرجال شهوة بل أنتم قومٌ تجهلون، حصل التوبيخ لكن زادت