قال الله تعالى : << و قال موسى ربي أعلم بمن جآء بالهدى من عنده و من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون >> حفظ
قال: (( وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى مِن عندِه )) قال: ربي أعلم (أعلم) هذا اسم تفضيل واسم التفضيل يدل على ... فإذا قيل: فلان أفضل من فلان فقد اشترك الرجلان في الفضل وزاد المُفضَّل على المُفضَّل عليه .. هنا يقول: (( قال رب أعلم بمن جاء بالهدى )) قال المؤلف: "أي عالم" فحوَّل اسم التفضيل إلى اسم فاعل وهذه جناية، جناية عظيمة لأن (عالم) أدنى بكثير من (أعلم) ولّا لا؟ كذا يا غانم!؟ إذا قلت مثلاً: غانمٌ عالم وقلت: غانمٌ أعلم مِن وليد؟
الطالب: ...
الشيخ : طيب هنا (( ربي أعلم بمن جاء )) (وربي عالم بمن جاء) أيُّهما أبين؟ أعلم ولهذا الخبر هذا نقص للمؤلف .. والصواب أنَّ (أعلم) على .... وأن من علم .. بالله فالله أعلم منه، والمؤلف رحمه الله ومن حذا حذوه أو سبقه على ذلك إنما فروا من أن يكون الإنسان مشتركا مع الله في العلم فالله عالم ... أعلم صار مشاركاً للإنسان في العلم لكن الله أعلم، ولا قلنا عالم ما فيه دليل على أنه...... لأنكم إذا قلتم: أعلم الآن نفيت .. لأن الأعلم في درجة لا يصل إليها ... نفيتم المشاركة لكن إذا قلتم عالم هذا هو الذي فيه المشاركة لأن الله عالِم والإنسان عالِم (( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ))[النحل:78] يعني فعلموا واضح؟ (( تعلمونهن مما علَّمكم الله )) الشاهد أن كلمة (أعلم) هي التي تقتضي ... بخلاف (أعلم)، ثم إنَّ فيها دليل واضح على أنَّ كلَّ صفة كمال فالله تعالى له مِنْهَا أعلاها قال عز وجل: (( ولله المثل الأعلى )) فكل صفة كمال مطلق فلله تعالى منها أكملُها .. إذاً (أعلم) .. علامة .. (( أعلم بمن جاء بالهدى من عنده )) حتى مَن عَلِم مَن جاء بالهدى مِن عند الله من المؤمنين أُرسِل لهم .. فعلموا ذلك الله تعالى أعلم بهم. ... الله أكبر أي: الله كبير .....
قال: (( أعلم بِمن جاء بالهدى مِن عنده )) الضمير يعود لِلرب" وين الضمير؟ من عندِه أي مِن عند الله، وإنما .. المؤلف إلى هذا لئلا يُظَن أنه عائد إلى (مَن) في قوله: (( ِبمن جاء بالهدى مِن عنده )) ولا يمكن أن يعود إلى (مَن)، لأنه يختلف المعنى، وقوله: ( من جاء بالهدى من عنده ) ولم يقل: أعلمُ أني قد جئت بالهدى من عنده بل قال: لِمن جاء.، لئلا يكون مُدَّعيا فليبقَ الأمر موكولاً بالحكم عليه من جهة العقل، قال: (ومن) عطف على مَن"؟ ........ عطف على مَن" وين (مَن)؟ (بِمن جاء ومَن) يعني وبِمن تكون له عاقبة الدار فهو أعلم بمن جاء بالهدى من عنده وهذا سبب لحكم العاقبة، و(أعلم) كذلك بـ(( من تكون له عاقبة الدار )) فهو أعلم سبحانه وتعالى المبتدأ والمنتهى وقوله: (( بِمن جاء بالهدى مِن عنده )) سَمَّى الكتاب أو سَمَّى الوحيَ هدىً، لأنه وحيٌ كما قال الله تعالى: (( الذي أُنزِل فيه القرآن هدى للناس )) وقال: (( هو الذي أَرسَل رسوله بِالهدى )) الهدى هو العلم لأنه هو السبيل...، وقوله: (( مِن عنده )) أضافه إلى الله، لأن الوحي من الله سبحانه وتعالى وليس مِن غيره ولا أحدَ يأخذُ هدىً إلا مِن عندِ الله {يرحمك الله} مِن عنده {وإذا أردت العطاس لا .. بل إنما تُغَطِّي وجهك إما بيديك وإما ب.. } من عنده، (ومن تكون) بالفوقانية والتحتانية" الفوقانية تكون والتحتانية يكون فهما قراءتان أما قراءة الفوقانية تكون فالأمر فيها واضح لأن عاقبة الدار مُؤنث، والفاعل إذا كان مؤنثاً يؤنث له الفعل، وأما التحتانية ومن يكون له عاقبةُ الدار وإنما جاز التذكير مع تأنيث الفاعل؟
الطالب: ...
الشيخ : أن التأنيث مجازي؟ .. والتأنيث مجازي لأن العاقبة تأنيثها مجازي لأن التأنيث إذا لم يكن للمؤنث فَرْجٌ فهو تأنيث مجازي (ومن تكون له عاقبة الدار) هذه (تكون) ناقصة ولَّا كاملة؟ تكون؟ نقول: هي ناقصة وخبرها مقدم وهو قوله: (له) واسمها مؤخر وهو: (عاقبة الدار) قال المؤلف: أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة" (عاقبة الدار) أي من يعقُبُ غيرَه في الدار، والمؤلف حملَها على أنَّ المراد بالدار هنا الدارُ الآخرة ولكن ينبغي أن نقول: أنها عامة في الدارِ الآخرة والدارِ الدنيا، لأن عباد الله الصالحين هم الذين لهم العاقبة في الدنيا والآخرة، وقد كانت العاقبة لموسى وقومِه حتى في الدار الدنيا بالنسبة لفرعون قال الله عز وجل: (( فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ )) وفي سورة الشعراء (( وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ )) فالأولَى إذاً أن نجعل الدار هنا عامةً في الدار الدنيا ودار الآخرة، (ومن تكون له عاقبة الدار) أي العقبى فيها بأن يعقُب غيره، فإذا العقبى في الدنيا واضحة إذا فتح المسلمون البلاد صاروا هم الذين ورثوها، لكن في الآخرة كيف يكون ذلك؟ في الجنة لأنه يكون المسلم في الجنة وارثاً لمكان الكافر منه فإن الكافر يرى مقعده في الجنة وفي قبرِه لو آمن، ولكنه يدخل المؤمنون يرثون مقاعد الكافرين فيها.... أيضاً، قال المؤلف: "أي هو أنا في الشقين" ما هما الشِّقان؟ (أعلم بِمن جاء بالهدى مِن عنده) هذا هو الشق الأول الشق الثاني: (ومن تكون له عاقبة الدار) وقول المؤلف:" أي هو أنا" ... هذا هو الحق أن الذي جاء بالهدى من عند الله موسى وأنه ستكون له العاقبة، ولكنَّ موسى خاطب فرعون بهذا الخطاب المُتردد بين كون الهدى عندَه أو عند فرعون والعاقبة له دون فرعون على سبيل التَنُزُّل كما في قوله تعالى: (( آلله خير أمّا يشركون )) ... (( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ))[سبأ:24] فالآن يقول: "أي هو أنا" لكنه ما صرح .. أن قال: أنا قد جئت بالهدى ... لأن هذا هو الدعوة التي جاء بها وأقامها على فرعون لكنه ساق الكلام مَساقَ الأمر المتردد بينه وبين فرعون مِن باب التَنَزُّلِ معه قال: " فأنا مُحِقٌّ فيما جئتُ به" هذا مُفرَّع على قوله: "هو أنا".
(( إنه لا يفلح الظالمون )) الكافرون "
(إنه) الضمير هنا ضمير الشأن، لأنه لم يسبق له مرجِع ولم يلحه ما يصلح أن يكون مرجعاً له وعلى هذا فيكون ضمير الشأن، أي إنَّ الشأن والحال أنَّه لا يُفلح الظالمون، وقوله: (إنه لا يفلح الظالمون) هل هو يشير إلى فرعون وأنّه ظالم ولم يفلح أو هو أمر عام يعني إن كنتُ أنا ظالماً بدعوى الرسالة فأنا لا أفلح وإن كنتَ ظالماً بردِّك الحق لا تفلح؟ نقول هو هذا لأنه مُفرَّع على ما قبله (( ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار )) عاقبة الدار تكون لِمن؟ للظالم ولّا لِغير الظالم؟ لِغير الظالم، لأنَّ الظالم لا يفلح، ونحن نعلم علم اليقين أنَّ الظالم في هذه الحال مَن؟ فرعون، لأنه ردَّ الحق، وقوله: (لا يفلح) الفلاح هو حصول المطلوب والنجاة مِن المهروب، وسُمِي فلاحاً لأنه بقاء وأصله في اللغة البقاء كما قال الشاعر: لِكل همٍّ من الهموم سعة والصُبح والمَسْي لا فلاحَ معه
يعني لا بقاء ولهذا يتعدى الأمر إلى أن يقولوا: إن الفلاح هو حصول المطلوب والنجاة مِن المهرُوب وقول المؤلف: "الكافرون" مع أنَّ الله يقول الظالمون ..... لأن الله سبحانه وتعالى قال: (لا يفلح الظالمون) وعدمُ فلاحِ الظالمين بحسَب ظلمهم إن كان ظلماً أكبر فهم لا يفلِحُون أبداً وهم الكافرون وإن كان ظلماً دون ذلك نقص مِن الفلاح بحسب ما نقص من العدل، فالضابط لهذا أيضاً إبقاءُ الآية على ظاهرها وأنَّ الظالم لا يُفلِح، لكن انتفاء الفلاح عنه بحسَب وجود الظلم فيه، فالظلم الأكبر يفوت به الفلاح كله وما دون ذلك يفوت منه من الفلاح بحسب ما حصل من الظلمٍ