تفسير قوله تعالى : << و لاتدع مع الله إلها ءاخر لآ إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم و إليه ترجعون >> من سورة القصص . حفظ
(( وَلا تَدْعُ )) تعبُد (لا) ناهِية و(تدع) فعلٌ مضارع مجزوم بـ(لا) الناهية وعلامة جزمه حذفُ الواو والضمَّةُ قبلها دليل عليها، (( مَعَ اللَّهِ إِلَهًا )) مفعول (تدع)، والإله بمعنى المألُوه أي المعبُود، (( آخَرَ )) فإنَّ هذا غيرُ ممكِن أن يكونَ مع اللهِ إلهٌ آخر حق، وذلك لِأَنَّ الآلهة التي سِوى الله كلُّها باطِل كما قال تعالى:(( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ))[لقمان:30]، وفي هذه الآية (( وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ )) سمَّى الله تعالى ما يُعبَد إلهًا، وذلك لأن (الإله) فِعَال بمعنى مفعول أي: معبود، (( لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )) هذه الجملة كالتعليل لِلنهي السابق يعني فإنَّه لا إله إلا هو، وهذا النهي بل هذا النَّفْيُ نفيٌ للحَقّ يعنِى للمعبود الحق، فإنَّه لا إله إلا الله، وحينئَذٍ لا يكُونُ بينَها وبين ما سبقَها منافَاة، إذ أنَّ ما سبقَها -كما ترَوْن- يُثْبِت آلِهَةً مَع الله لكِن ينهى أن تُدْعَى هذه الآلهة، والثاني يقول: (( لا إله إلا هو )) ينفي أن يكونَ هناك إلَه، والجمعُ بينَهما أن يُقَال: الإله الحَقّ الذي عُبِدَ وهو يسْتَحِقُّ أن يُعْبَد هذا ليس إلَّا الله، وأمَّا الإلهُ الباطل الذي عُبِد وهو لا يستحِقُّ أن يُعْبَد فهذا ثابِتٌ لغيرِ لله، وهذا هو الصحِيح في النفْي مع أنَّه يحتمِل أن يكونَ نفيًا بمعنى النهي أي: لا تعبُدْ إلا الله، والنَّفْيُ بمعنى النَّهْي يَرِدُ في القرآن كما قالوا في قوله تعالى: (( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ))[البقرة:2] قالوا: المعنى - بعض المفسرين - (( لا ريبَ فيه )) أي لا ترتابُوا فيه فجعلُوا النفي بمعنى النهي، ولكنَّ الأولى أن يبقَى النفيُ على ظاهرِه وأن يُجْعَل نفيًا حقيقَةً، ويكونُ النفْي أبلغ مِن النهي، لأنَّ النفْي إثباتُ صِفَة وأمَّا النهي فإنَّه نهيٌ عنه قد يمكن الامْتِثَال وقد لا يمكن، يعني قد يحصُل الامتثال وقد لا يحصُل، أمَّا إذا كانت نفيًا فهي أعظَم وأَوْلَى فعَليه نقول: هذا النفْي لا يتعارَضُ مع ما قبلَه، لأنَّ ما قبلَه باعتبار أنَّها آلِهَة باطِلَة، والثاني باعتبار أنها آلِهَة حق فلا إلهَ حقّ إلا الله، (( لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )) كلمة (هو) ضَمِير يعُود على الله وليس هو اسمًا مستقِلًّا، بمعنى أنَّه ليسَ مِن أسماءِ الله (هو)، خِلافًا للصُّوفِيَّة المبتَدِعَة الضَّالَّة فإنَّهم يجعَلون (هو) مِن أسماء الله ويقولون: (لا إله إلا هو) مثل (لا إله إلا الله) فيقولون في أذكارهم الباطلة: هُو هُو هُو يُكَرِّرُونَها، ويقولون: هذا هو التوحيد، فنقول: الضمير هو ليس اسمَ علمٍ لله، وإنما هُو ضَمِيرٌ يعودُ على الله (مع الله) هذا الاسم (( لا إله إلا هو )) أي إلا (الله) المذكور السابق، قال: (( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ )) (( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ )) بمعنى زائِل ومُضْمَحِلّ ومعدُومٌ بعد الوجود، (( هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ )) قال المؤلف" إلا إيَّاه " يعني إلَّا الله فإنَّه سبحانَه وتعالى ليس بهالِك كما قال تعالى: (( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ))[الرحمن 26:27]، وقولُه: (( إلا وجهه )) فسَّرَهُ المؤلف بقولِه: " إلا إيَّاه " ردًّا على قولِ أهلِ الباطِل الذين قالُوا " إنَّ الله يفنى إلا وجهَه " والعياذ بالله فجعلوا الوجْه هنا لم يعَبَّر به عن الذات بل جعلوه معَبَّرًا به عن صِفَةِ الوجه فقط وقالوا: "إنَّ الله يفنَى إلَّا وجهَه " وهذا لاشكَّ أنَّه كلامٌ باطل وأنَّ المراد بالوجْهِ هنا الذَّات كلُّها كُلُّ الذاتِ العلية لكنه عبَّر بالوجه كسائر التعبِيرات اللغوية حيثُ يُعبَّر بالوجْه عن الشيء كله نعم.
الطالب: .......؟
الشيخ : إن كانت ... أنه (لا إله إلا هو) يعني (إلا الله)، ولكن الأولَى أن نَقُول: (لا إلَهَ إلا الله) إذا مَا سبق شيْء يعُود عليْه الضَّمِير فالأولى أن نَذْكُر اللهَ باسْمِه العَلَم، ولهذا: بُنِي الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا هو؟ لا إله إلا الله،
قال: (( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ )) فقول المؤلف: (إلا إيَّاه) صحِيح باعتِبَار الرد على مَن يقولون أن الله يفنى إلا وجهَه، لكنَّه قد يُوهِمُ معنى باطلًا وهو إنكارُ الوجْه، لكن المؤلف ما أظنُّه يرِيدُ ذلك بل معروفٌ أن الأشاعرة يُنكِرون الوجْه حقيقَة فنحن نقُول: إن لله وجهًا حقيقيًّا .. وهذه الآية يُسْتَدَلُّ بها، ولهذا قال: (( إِلَّا وَجْهَهُ )) لكنهم يقول عبَّر بالوجه عن الذَّات، نعم كسائر أسالِيب اللغة العربية، وقيل: إنَّ المعنى: كلُّ شيءٍ هالِك إلَّا ما أُريدَ به وجهُه فيكون هذا عائدًا على الأعمال يعني: جمِيعُ الأعمال مردُودة وغير مقْبُولة إلَّا ما أُريدَ به وجهُ الله، واستدَلَّ هؤلاء بأنَّ قوله: (( وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ )) هذا مِن أعمال الإنسان، ثم قال: (( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ )) كأنَّه قال: إنَّ الشِّركَ هالِك وتالِف وغير نافِع للمرء إلَّا ما أريدَ به وجه الله وهو الخالِق لهم فإنه يبقى للمرء.
الطالب: .....؟
الشيخ : لا، الهلاك بمعنى أنها ما تفيد الإنسان معنى (هالك) يعني لا تُفِيدُه، مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( مَن عَمِل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردّ )، ولكنَّنا نقول: إنَّ الآية المعنى الأول أقوى أنَّ المراد: كلُّ شيء فانٍ وتالِف إلا وجهُ الله وهو كالتعلِيل لقوله: (( وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )) يعني فكأنَّه يقول: هذه الأصنام المعبودة مِن دون الله تبقَى ولَّا ما تَبْقَى؟ ما تبقَى، والله تعالى هو الذي يبقَى فكان هو الذي يستحِق أن يُعبَد، قال: (( له الحكم )) نعم؟
الطالب: ......؟
الشيخ : لا .. على الحقيقة ... لأنَّه يُعبَّر بالذات عن الذات دَائمًا، ..مثل (وجهُك كريم) مع أنَّه الكريم هو الله، والتعبير بهذا .. مطرد في اللغة العربية ما فيه تأويل، وقولُه: (( لَهُ الْحُكْمُ )) هذه جَمْلَة مُكَوَّنة مِن مُبْتَدَأ وخَبَر، الخبر (( له )) مُقدَّم و(( الْحُكْمُ )) مبتدأ مؤخر" وتقديم ما حقُّه التَّأْخِير يُفِيد الحصْر، والمعنَى: له وحدَه الحُكْم (( والحكم )) يقول المؤلف: " القضَاء النافِذ " وقد فسَّرَه بالحُكمِ الكونيّ، والصحيح أنَّه يشمَل الحُكْم الكَوْنِي والشرعِيّ، فلَه القضَاءُ النافذ على كل أحَد، وله أيضًا الفصْل بيْن الخلْق في الأَحْكَام الشَرْعِيَّة، فالحكم شاملٌ للأمرَين الحكم الكوني والشرعي، وقد مرَّ علينا أنَّ مِن أمثِلَة الحكم الشرعي قولُه تعالى في سورة الممتحِنَة: (( ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ))[الممتحِنة:10]، وأنَّ مِن الحكم الكوني قولُه تعالى عن إخوة يوسف: (( فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ))[يوسف:80]، وقوله: (( له الحكم )) ذكرنا أن الجملة فيها اختصاص أنَّ الحكمَ لله وحدَه مع أنَّ غيرَه له حكم، ولهذا يُقَال الحاكِم الشرعي وحاكِم البلد وما أشبه ذلك، والجواب عن هذا أن يقال: حكمُ هؤلَاء تابِعٌ لِحكْمِ الله، والحكمُ المطلَق التامّ الثاني هو لله وحدَه، فكون هؤلاء حُكَّامًا هو مِن باب التبَعِيَّة إذ أنَّ هذا الحاكِم لا يحكُم بغير بما أنزَل الله فإن حكَم لم ينفَذْ حُكْمُه.
(( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ))[القصص:88] بالنشور من قبورِكم "
(( إليه )) أي إلى الله ترجعون فيجازيكم على أعمالكم وذلك بالنشور إذا نشرَكم مِن القبور فلا مرجِع إلَّا إلى الله، ويحتمل أن يكون الرجوع هنا أعمَّ مما ذكر المؤلف بحيث يكون المعنى: (وإليه ترجعون) حتى في أحكامِكم فإنَّما تُرجعون إلى الله ولهذا يُرَدُّ الحكم بين الناس إلى مَن؟ إلى الله عز وجل ...