قال الله تعالى : << أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا سآء ما يحكمون >> حفظ
قال الله تعالى {نبدا بالدرس الجديد} (( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ )) [العنكبوت:4] الشِّرْك والمعاصي (( أَنْ يَسْبِقُونَا )) يَفُوتُونا فلا ننتَقِمُ منه، قولُه: (( أم حسب )) (أم) هذه منقطعة لأنَّ (أم) تأتي في اللغة العربية على اثنين: متَّصلة ومنقطعة فالفرْق بينهما أنَّ المتصلة بمعنى (أو) وأنَّها تأتي بعد همزة التسوية، وأنَّها تأتي بين متقابِلَيْن. ثلاث علامات بعد، المتصلة تأتي بمعنى (أو) وبعد همزة التسوية وبين متقابِلَيْن مثالها قوله تعالى: (( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ ))[البقرة:6] فهنا تجدون أنَّ (أم) بمعنى (أو) يعني هذا وهذا سواء، وثانيًا تجدون أنَّها بعد همزة التسوية (( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ )) وتجدون أنَّها بين متقابلين (أأنذرتهم _لم تنذرهم)، ومثلها قولُه تعالى: (( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ))[المنافقون:6]، ومنها أيضًا (( سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ))[إبراهيم:21] ولها أمثلة متعددة، أمَّا المنقطعة فهي التي تأتي بمعْنَى (بل) مِي هي بمعنى الواو ولا تقع بعد همزة التسوية ولا بين متقابلين فهنا (( أم حسب )) بمعنى بَل أَحَسِب، وهذا الإضراب إضرابُ انتقال وليس إبطالًا يعني بعد أن ذكرَ اللهُ سبحانه وتعالى وأنكرَ على الذين حسبوا أن يتركوا أن يقولوا آمَنَّا وهم لا يفتنون انتقلَ سبحانه وتعالى إلى ذكر صنفٍ آخر من الناس وهم الذين لم يقولوا آمنا ولم يؤمنوا بل هم يعملون السيئات ويظنُّون أنَّ الله تعالى لن يُحيطَ بهم (( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ )) أي يعملون الأعمال السيئة، والسَّيِّئ ما يسُوءُ فاعلَه وكل عملٍ محرَّم فإنه سيِّئ، لأنَّه يسوء صاحبه بما يجِد فيه من العقوبة الحاضِرة والمستقْبَلة، وقوله: "الشرك والمعاصي" أفادنا المؤلف أنَّ السيئات هنا تعُمّ الصَّغَائر والكبائر، الكبائر للي أعلاها الشرك، والصغائر ما دُون الكبَائر وهي المعاصي، فهي تشمَل كلَّ ما يسُوءُ فاعله مِن معصية الله تعالى بالشرك فما دونه، (( حسِب )) (( أن يسبقونا )) هذا مفعُول (حَسِب) (( أَن يسبقونا )) يفوتُونَنَا " يفُوتُونا فلا ننتقِمُ منهم " والسَّبْق بمعنى الفوات كما تقول: سبقتُ فلانًا يعني فُتَّهُ [كذا] فلم يدرِكْني، فهؤلاء يظنون -الذين يعملون السيئات- أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يدركُهم وأنَّ الله لا ينتَقِمُ منهم وهذا بلا شَك سُوءُ ظنٍّ بالله تبارك وتعالى ولهذا قال: (( سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ))[العنكبوت:4] أي ساءَ حكمُهم هذا، فهو حُسبَانُهم بأنهم بأنَّ الله تعالى لن يدركَهم، يقول: (( ساء )) بمعنى " بئس " و(بئس) فعل ماضي جامِد لإنشاء الذم فيحتَاجُ إلى فاعل ويحتاج إلى مخصوص، والمخصوص دائمًا يُحذَف استغناءً عنه أو بل... لدلالة الفاعل عليه، ولهذا قال المؤلف: (( ساء )) بمعنى بِئسَ (( ما )) بمعنى " الذي " فهي اسم موصول (( يحكمونَ )) ـهُ " قدَّر المؤلف الهاء لِتكونَ عائداً إلى الموصول (ساء الذي يحكمونه)، إذًا (( الذي )) فاعل، أين المخصوص؟ قال المؤلف: " حكمُهُم هذا " هو المخصوص، وكلُّ فعلٍ مِن الأفعال الجامدة التي هي للذم أو للمدح تحتَاجُ إلى فاعل وتحتَاج إلى مخصوص تقول مثلًا: نعمَ دارُ المتقين الجنةُ. أين الفاعل؟ (دارُ)، (الجنة) هي المخصوص بالمدْح، و(الجنة) هذه إعرابُها لك فيها وجهَان أحدُهما أن تجعلَها مبتدًا مؤخرًا والجملة خبرٌ مقدمًا، والثاني أن تجعلَها خبرًا لمبتدأٍ محذوف تقديرُه (هي الجنة) أما الأول: نعمَ دارُ المتقِين فهذا فعلٌ وفاعل على ما تعلَم، يقول: (بئس ما يحكمون) حكمُهم هذا " ولا ريب أن ما حكموه وظنوه لا ريبَ أنَّه ظن سوء لا يليقُ بالله، فإنَّ الله تعالى يقول في آيات كثيرة (( وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ))[الزمر:51] (( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ ))[فاطر:44] فهؤلاء الذين استمرُّوا في أعمال السيئات وظنُّوا أن الله تعالى لا يقدِرُ عليهم ولا ينتقِمُ منهم هؤلاء أضافُوا والعياذ بالله شرًّا إلى شرِّهم