قال الله تعالى : << وقال الذين كفروا للذين ءامنوا اتبعوا سبيلنا و لنحمل خطياكم وماهم بحاملين من خطياهم من شيئ إنهم لكاذبون >> حفظ
قال الله تعالى: (( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا ))[العنكبوت:12] دينَنَا " يعني طريقَنا السبيل بمعنى الطريق وهذه مِن الدعايات والدعوة إلى الباطل هذه دعوة إلى الباطل، يقول الكفار للمؤمنين الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم: (( اتبعوا سبيلَنَا )) أي طريقَنا وهو الشرك (( وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ))[العنكبوت:12] اللام لامُ الأمر والمرادُ به الخبر يعني ونحن نَحمِلُ خطاياكم وإنما جعلوا الخبر بصيغة الأمر لإظهار الالتزامِ لهم بذلك، إظهارُ التزام مَن؟ الكافرين للمؤمنين بذلك، يعني بدل ما يقولون: ونحن نحمل كأنهم يقولون: ونحن نلزم أنفسنا بذلك نلزِمُها فنُوَجِّه الأمر إليها (( وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ )) الخطايا جمع خطِيئة وهي ارتكابُ الإثم، يعني أنَّ ارتكابكم الإثم نحن نتحَمَّلُه " في اتباعنا إن كانت والأمر بمعنى الخبر " وقوله: " إن كانت " إنما قدرها المؤلف لأَنَّ هؤلاء المشركين الذين دعَوْا إلى متابعتهم لا يعتقدُون أنهم على خطأ، فهم يقولون للمؤمنين اتَّبِعُوا سبيلنا وإن كان لكم خطايا بهذا الإتباع فإننا نتحملها، فالتقدير الذي ذكره من المؤلف واضح من الآية، لأنهم لو كان يعتقدون أنهم إذا دخلوا في الشرك كانوا مُخطِئِين لكانوا ما دعَوْا إلى ذلك، ما دعوا إلى الشرك فقولهم: (( وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ )) يعني إن كان لكم خطايا بدخُولكم في الشرك فإننا نتحمله، تضَمَّن هذا الكلام دعوة ودعاية: الدعوة (( اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا )) والدِّعَاية بتزيين هذا الأمر لهم قولهم: (( وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ )) يعني ما عليكم شيء، قال الله تعالى مكذبًا لما دعَوْه (( وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ )) (( وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ )) (ما) نافية وهي هنا حجازية، ودخلت الباء في خبرها على حدِّ قول ابن مالك:
وبعد (ما) و(ليس) جَرَّ البا الخبَر
فهنا بعد (ما) قال: (( وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ )) وإنما أتى بالباء الزائدة إعرابًا، لتأكِيد النفي أي أنَّ هذا أمرٌ مُؤَكَّد (( مَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ ))، وقوله: (( من شيء )) (مِن) حرف جر زائد أيضًا وفائدَةُ زيادتها تأكِيد العموم سواءٌ كان الشيءُ هذا قليلًا أو كثيرًا، وأمَّا قوله: (( مِنْ خَطَايَاهُمْ )) فإنَّها في موضع نصب على الحال مِن (( شَيْءٍ )) لأنَّ الوصف إذا سبقَ النكرة صارَ حالًا منه، وإن تأَخَّر صار نعتًا يقول: ((مَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ )) أي ما هم حاملين شيئًا مِن خطايَاهم، وهل هذا خبرٌ عن حكمٍ شرعي أو عن حكم شرعِيٍّ قدري، أمَّا كونُه عن حكم شرعي فنعم، ما يمكن أن يحمِل هؤلاء مِن خطايا هؤلاء شيء، لقوله تعالى: (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ))[الأنعام:164] وأما كونه عن حكم قدري أيضًا فلأنَّ هؤلاء لو قالوا لهم فهم كاذبون، لو قالوا نحمل خطاياكم فإنَّهم كاذبون في ذلك، لقوله تعالى: (( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ))[البقرة:166] فهم لو قالوا ما هم بحامِلِين فكأنَّ الله تعالى يكذِّبُهم يقول: (( وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ )) أي أنهم ما يصْدُقُون فيما قالوا فصارت الآية الآن هذه الآية متضمنة للنفي حكْمًا شَرْعِيًّا، وللنفْيِ حُكْمًا واقعيًّا، فهم في الشرع لا يحمِلُون أوزَارَهم، وهم في الواقع لا يحمِلُون أوزارَهم، لو قالُوا ما صَدَقُوا ما هم بحاملين مِن خطاياهم ولكن يريدون أن يخدَعُوهم ويغرُّوهم (( وما هم بحاملين مِن خطاياهم مِن شيء )) ولهذا قال: (( إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ))[العنكبوت:12] إنَّهم لكاذبون في ايش؟ في قولِهم: (( ولنحمِلْ خطاياكم )) كاذبُون في هذا لو قالوا ما يَصْدُقُون، كما أنَّه بالنسبة إلى الله عز وجل ما يمكن أن يُحَمِّل أوزار هؤلاء لهؤلاء قال تعالى: (( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ))[الأنعام:164] ولَمَّا كان قوله: (( إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ )) قد يُوهِم أنهم لن يُحَمَّلُوا شيئًا مِن أوزارِهم أي لن يُحَمَّل الدعاة شيئًا مِن أوزَارِ المدْعُوِّين