قال الله تعالى : << ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون >> حفظ
قال تعالى: (( ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومِه )) اللام للقسم و(قد) للتحقيق { اقرب يا أخي اقرب! الله يهديك هذا عندك فضا، ...كان الملائكة يصفون فيتمون الصف الأول فالأول .. لا تعال هنا ما في أحد، تعال هنا .. كلما قرُب الإنسان أحسَن له } اللام مُوَطِّئَة لِلقَسَم و(قد) للتحقيق والجملة مؤكدة بثلاث مؤكدات، وإنما أكَّد الله ذلك وإن كان الخطاب لِغيرِ مُنْكِر لكن تقدَّم لنا أنَّ الأمور الهامة تؤَكَّد وإن لم يُخاطَب بها مَن يُنكِر أو يَترَدَّد، كل الأمور الهامة فإنها تُؤكَّد نعم.
وقوله: (( ولقد أرسلنا نوحًا )) أي بعثْنَاه برسالة وكان هذا بعد مدة طويلة مِن آدم إذْ كان الناس بعد آدم على مِلَّةٍ واحدة بدون رسالة، لأنَّ آدم نبيٌّ وليس برسول، إذْ أنه ليس هناك أحدٌ يُرسَل إليه وإنما أُوحِي إليه بشرع وجعل يتعبَّدُ به واتبعَه بنوه على ذلك، ولكن لما كثُرَ بنو آدم اختلفَتْ آراؤُهم وأهواؤهم فاحتاجُوا إلى الرسالة، قال الله تعالى: (( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ))[البقرة:213] فبَيَّن سبحانه وتعالى أنَّ الرُّسُل أُرْسِلوا متى؟ بعد أن اختلف الناس ولهذا فيه قراءة (( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاختلفوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ )) وهذه القراءة دَلَّ عليها آخِرُ الآية (( لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ )) فأرسلَ الله نوحًا وهو أوَّلُ رسولٍ أُرسِل إلى البشرية، نعم؟
الطالب: ...
الشيخ : روي عن ابن عباس رضي الله عنهما نعم لكنَّه عاد ما نعلم هل هذا صحيح أو لا؟ لأنَّ ابن عباس مِمَّن تلَقَّى عن بَنِي إسرائيل، ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ )) قال وعمرُه أربعون سنة أو أكثر " .. قال أو أكثر هان الأمر فنحن لا نعلَم بالتحْدِيد كم عمرُه؟ ما نعلَم لكنَّنا نعلم علم اليقين أنَّ الله أرسلَه وعمرُه قابلٌ لأن يكون أهلًا للرسالة سواء كان أربعين سنة أو أكثر، نعم ولا أظنه يكون أقل، وقوله: (( إلي قومِه )) هذا فيه شاهِدٌ للحديث الصحيح (( وكان النبيُّ يبعث إلى قومه خاصَّة وبُعثْتُ إلى الناس عامَّة )) قال: (( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ))[العنكبوت:14] يدعوهم إلى توحيدِ الله فكذَّبُوه (( لَبِثَ فيهم )) أي في دَعْوتِهم إلى دينِ الله (( أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا )) كم؟ تِسعمئة وخمسون سنَة يدعُوهم إلى عبادةِ الله عُمْرٌ طويل، وهو معهم في صراع، وفي سورة نوح يقول الله تعالى (( قال يا قوم إني لكم نذير مبين * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ )) لِئَلَّا يسمَعُوا ما أقول (( وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ )) تغَطَّوْا بها لِئَلَّا يرَوْني أعوذ بالله يعني معناها أنهم يَسُدُّون كل منافذ الوعي: السمع والبصر (( وَأَصَرُّوا )) على ما هم عليه مِن الباطل مِن المعاصي (( وَاسْتَكْبَرُوا )) عَن الواجِبَات (( اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ))[نوح:9] شوف مراحل الدعوة العظيمة ومع ذلك ما اسْتَفَادُوا شيئًا ما آمَن معه إلا قليل فالـمُدَّةُ طويلة والدعوة متنوعة والمضَادَّة والمحَادَّة لنوح شديدة عظيمة يمرُّون به وهو يصْنَع السفينة ويسْخَرون منه لكنه مُؤْمِن بالله عز وجل ويقول (( إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فسوف تعلمون مَن يأتيه عذاب يخزيه ويحلُّ عليه عذابٌ مقيم ))[هود:39] هذه المدة الطويلة يقول الله تعالى في سورة هود: (( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ))[هود:40]حتى أحدُ أولاده ما آمن نعم، وهذا يُوجِب لنا أن نصبر ونحتسب، الإنسان مِنَّا إذا دعا الناس لمدة ساعة ولم يستجِب أحد زِعِل وترك الدعوة قال: ما في فائدة، نعم، هذا لبث ألف سنة إلا خمسين عامًا نعم ..... ومع ذلك ما آمنَ معه إلا قليل، يقول الله عز وجل: (( فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ )) ... لأن القصة تكون أحيانا مختصرة يذكر فيها السبب والأثَر بدون تفصيل، إرسَال ومُكْثٌ طويل نعم وبعد ذلك أَخْذ، لكن أخْذ بسبب وهو قوله: (( وَهُمْ ظَالِمُونَ ))[العنكبوت:14] قال تعالى (( فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ )) أَخْذَهم أبلَغ مِن قولِه فأغرقهم أخذَهم والأخذ يكونُ في مقابلَة عمَل فهو جزاء (( الطوفان )) أي الـمَاء الكثير طافَ بهم وعلاهم فغرقوا " طافَ بهم من كل جانِب والعياذ بالله وقد ذَكَرَ الله تعالى شأن هذا الأمر فقال سبحانه وتعالى: (( فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ))[القمر:12] شوف أبواب السماء كل أبواب السماء فُتِّحت، إذا فُتِّحت أبواب السماء ستكون مثل القِرَب (( ماء منهمر )) يعني نازل بشدة وقوة (( وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا )) الأرْض كلها تفجرت عيون حتى قال تعالى: (( وَفَارَ التَّنُّورُ))[هود:40] وهو موضِع النار البعِيد عن الرطوبة (( فَار )) بدا يفور .. ويش رأيكم يعني سيكون الماء بين ساعات فوق قمم الجبال وهكذا كان بإذنِ الله كان كذلك، الأرض كلها تَبُث عيون والسماء مُنهَمِرة بالمياه العظيمة (( فَالْتَقَى الْمَاءُ )) مَاء الأرض وماء السماء (( على أمرٍ قد قُدِر )) مين عاد بينجو مِن هذا، ورد في الحديث أنَّه لو أنجَى اللهُ أحدًا لأنجى أمَّ الصبي امرأة معَها صبي كلما وصلَها الماء صعِدَت في الجبل وكلما وصلها صعِدت حتى وصلت إلى قِمَّة الجبل فلما ألجَمَها الماء حملَت ولدَها فوق لأجل أن تغرَق قبل ابنها ولكن والعياذ بالله رحمةُ الله تعالى ما تدرك الكافرين بعد أن يروا العذاب (( فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ))[غافر:85] المهم
الطالب: السماء الحقيقية؟
الشيخ : السماء اللي فوق ما علاك فهو سماء (( فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ )) أي الماء الكثير طاف بهم وعلاهم فغرقوا (( وَهُمْ ظَالِمُونَ )) جملة (وهم ظالمون) في موضع نصب على الحال مِن الهاء في قوله: ((فَأَخَذَهُمُ )) يعني والحال أنَّهم ظالمون أي مُقيمون على الظلم ما آمنوا لأنه مَا آمَن مع نوح إلا نفر قليل