فوائد قوله تعالى : << والذين كفروا بئايات الله ولقآئه ..............>> حفظ
ثم قال تعالى: (( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))[العنكبوت :23] مِن فوائد هذه الآية أنَّ الكفار لا يدخُلُون الجنة يُؤخَذ مِن قولِه: (( أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي )).
ومِن فوائدها أيضًا إثبات الآيات لله عز وجل الكونية والشرعية (( كفَرُوا بآيات الله )).
ومن فوائدها رحمة الله تعالى بالعباد حيثُ أظهَرَ لهم مِن الآيات ما يؤمِنون على مثلِه أليس كذلك؟ هذه مِن نعمة الله أنَّ الله تعالى أرَى عبادَه مِن آياته ما يؤمِنُون على مثلِه ولهذا كُلّ ما ظهر لِلإنسان مِن آياتِ الله شيء كان أكبَرَ لِنِعْمةِ الله عليه وأشَدَّ في رسوخِ إيمانِه، ومن ذلك الكراماتُ التي حصلَت لبعض أولياءِ الله فإنَها تزِيد في إيمانِهم وتُؤَيِّدُ ما كانوا عليه مِن الحق قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وكثُرَتِ الكرَامَاتُ في زمن التابعين دون الصحابة لأنَّ عند الصحابة مِن الإيمان ما ليس عند التابعين فلَيْسُوا في حاجَة إلى كرامات تُقَوِّي إيمانَهم كحَاجَةِ التابِعين " ذكر هذا في كتاب الفرقان وهذا حقّ فإنَّك إذا تأمَّلْتَ في الكرامات التي ذُكِرَت وجدتَّها في التابعين أكثر، فالمهم أنَّ إظهارَ الآيات للإنسان سواءٌ كانت شرعية أم قدَرِيَّة أنَّها من نعمة الله عليه، لأنَّها تزيد في إيمانه ورسوخِه في القلب.
ومِن فوائد الآية إثبات رؤية الله من أين ناخذه؟ مِن قوله: (( ولقائِه )) فإنَّ أهل السنة والجماعة استدَلُّوا بذلك على إثباتِ الرؤية لأنَّ الملاقاة إذا لم يكن مانِع لابُد .. مِن الرؤية ولا مانِعَ يمنَع، وهذه المسألة فيها خلاف كثير بين أهل السنة وأهل البدع، والصواب الذي دلَّ عليه الكتاب والسنة إثباتُ إيش؟ إثباتُ رُؤْيَةِ الله تعالى بالعَيْن وأنَّه في الآخرة يُرَى، أمَّا في الجنة فيَرَاه المؤمِنُون ولا يراه غيرهم لأنهم ليسوا فيها، وأما في عرصات القيامة فالصحيح أنَّه يراه المؤمنون ويَرَاه المنافقون لكن المنافقين يرَوْنه ليس رؤية تَنْعِيم بل هي حقيقة رؤية تنديم لأنَّ الله سبحانه يظهرُ لهذه الأمة وفيها منافقون فيكشِفُ لهم عن ساقِه تبارك وتعالى ويأمرُهم بالسجود فمَن كان يسْجُد لله سَجَد، ومَن كان يسجُد إلا رياءً وسمعة يعجَز ما يسْجُد، لكن المؤمنين يرونه رؤيةَ تَكْرِيم وهؤلاء رُؤْيَة تنديم لأنَّه إذا حُجِبَ عنهم بعد ذلك أو إذا حُجِبُوا عنه بعد ذلك صار أشَد وقعًا في نفوسهم مثل ما أنَّ المنافقين أيضًا يُعْطون نورًا يوم القيامة ثم يُحْجَب عنهم هذا يكون أشد مِن الذين لم يعطوا نورًا مِن الأصل، وهذه الرؤية إذا قال قائل: كيف تُقِرُّونها وتؤمِنُون بها مع أنَّ الله جل وعلا يقول لموسى: (( لن تراني )) ويقول: (( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ))[الأنعام :103] فالجواب أما قولُه لموسى: (( لن تراني )) فإنَّه جوابٌ على قول موسى: (( أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ )) وهو يُرِيد الآن ولهذا قال: (( انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ))[الأعراف :143] فدَلَّ هذا على أنَّ نفىَ الرؤية متى؟ في ذلك الوقت وهذا حَق أنَّ الله جل وعلا لا يُرَى في الدنيا نعم، لِعَجْزِ الإنسان عن تَحَمُّل ذلك، وقد ضرَب الله لرسولِه موسى صلى الله عليه وسلم مثلًا بالجبل وعجَزَ الجبل لما تجلَّى ربه للجبل جعله دكًا وخرَّ موسى صعِقًا، طيب أما قولُه: لا تُدْرِكه الأبصار فهي إلى الدلالة على ثُبُوتِ الرؤية أقرَب مِن الدلالة على نفْي الرؤية لأنَّ الله جلَّ ذكرُه لم يقل: لا يُرَى بل قال: (( لا تُدْرِكُه )) ونَفْيُ الأخَصّ -لأنَّ الإدراك أخَصّ من مطلق الرؤية- نفْيُ الأخص لا يدُلُّ على نفْيِ الأعَمّ هذه قاعِدَة معروفة عند أهل العلم: أنَّ نفي الأخص لا يستَلْزِم نفْيَ الأعم، فهنا نحن نقول: إن هذا يدل على أنَّه يُرَى، لأنه لو لم يكن يُرَى لقال: لا تراه الأبصار فلما قال: (( لا تدركه )) عُلِم أنَّه يُرَى لكن لا يُدْرَك، ونحن نقول: لا تدركه الأبصار حتى في الآخِرَة فإنَّه لا يمكن الإحاطةُ بالله عز وجل لكنَّه يُرَى، وضَرْب المثل لا بأسَ به لكن مع الفرق ألسْنَا نرَى الشمس ولا نُدْرِكُها نراها ولا ندْرِكُها بل إننا نرى أصغر شيء أصغَر حيوان يالله تراه بالعين ومع ذلك لا تدرِكُه تدْرِك ما فيه مِمَّا خلق الله عز وجل في جوفِه أو في جلدِه؟ ما تدرُكه فالحاصل أنَّه لا يلزم مِن نفي الإدراك نفي الرؤية بل هو دليلٌ على ثبوتِ الرؤية ولهذا استدَلَّ أهل السنة والجماعة بهذه الآية على ثبوتِ الرؤية (( لا تدركه الأبصار )) نعم.
الطالب: الكفار يرون الله عز وجل يوم القيامة؟
الشيخ : لا، الكفار ما يرونه لأن الله يقول: (( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ))[المطففين :15]
الطالب: (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )) ..؟
الشيخ : إي نعم هذه الملاقاة بالنسبة للكافِر دلَّ الدليل على أنَّه لا يراه بالنسبة للكافر.
ومِن فوائد الآية وُجُوب الإيمان بلقاء الله، لأنَّ الله تعالى عاقَبَ الذين لا يُؤْمِنُون بذلِك بِاليأس مِن رحمتِه.
ومِن فوائدها ثبوت الرحمة لقوله: (( أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي )) [العنكبوت :23] طيب الإضافة هنا إنَّ قلنا إن المراد بالرحمة الجنَّة فهي مِن باب إضافة المخلوق إلى خالقِه تشريفًا وتكريمًا، وإذا قلنا: إنَّها صِفَةُ الله فهو مِن باب إضافة الصفة إلى موصوفها.
ومن فوائد الآية إثبَاتُ العُقُوبة للكافرين وأنَّها عقوبة شديدة لقولِه: (( وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) والآيات في هذا كثيرة جدًّا ولا حاجَةَ إلى كثرَةِ الكلام فيها، لأنَّها واضحة الحمد لله نعم