قال الله تعالى : << وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار ومالكم من ناصرين >> حفظ
(( قَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا ))[العنكبوت :25] يعني إنَّ الذي اتخذتموه أوثانًا لا يجمَعُكم عليه إلا المودة، ولهذا قال المؤلف: المعنى تواددتم على عبادتها، لأنَّه والعياذ بالله أهل الشر يتوَادُّون على فعلِ الشر كما أنَّ أهل الخير يتنَاصَرُون أيضًا على فعل الخير فكذلك أهل الشر، وقوله: (( مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ )) هنا يجوز في كلمة (بَيْن) أن يُضَافَ إليها ما قبلها ويجوز أن يُقطع عن الإضافة فيجوز مثلًا في غير القرآن مودَّةً بينَكم، ويجوز مَوَدَّةَ بينِكم وهي هنا على هذا الوجه، وقوله: ((فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) متعَلِّقَة بما قبلها يعني أنَّها مودة في الحياة الدنيا فقط فهَؤلاء المشركون يتوَادُّون في الشِّرك في الدنيا فقط تجدُهم متنَاصِرين متعَاونين لكن (( ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا )) (( يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ )) يعني ينكره كقوله تعالى: (( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ))[البقرة :166] وهذا لاشكَّ أنَّه إنكَار وكُفْر لبعضهم ببعض (( وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا )) كقوله تعالى: (( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ))[الأحزاب67 :68] ومُجَادَلة الأتباع للمتبُوعِين في عدة آيات مِن القرآن ليس في آية البقرة فقط، فيه (( وقَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا )) (( وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا )) وما أشبه ذلك
الطالب: ((كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ))
الشيخ : ((كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا )) فالحاصل أنَّ هذه المودة بين المشركين في الدنيا فقط، أما يوم القيامة فإنَّ كلَّ واحد منهم يتبرأ من الآخر وينكِرُه ويلعنه أيضًا، وهذا لا شك أنَّه مِن أشد ما يكون من العقوبات، لكن المتقين خُلَّتهم باقية إلى يوم القيامة (( الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ))[الزخرف :67]، وأمَّا هؤلاء فإنَّ الموَدَّة فيما بينهم تزول في الموقِف، قال: (( يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ )) يَتَبَرَّأُ، بِتَبَرُّؤِ القادَة مِن الأتباع (( وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا )) بلعنِ الأتباع للقادة " نعم، والآية عامة أنه يتَبَرَّأ القادة مِن الأتباع والأتباع من القادة، وكذلك أيضًا يلعن بعضهم بعضًا قال: (( وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ )) (( مأواكم )) مصيرُكم جميعًا فالمأوى بمعنى المصير لأنَّه مِن أوَى يَأْوِي إذا صارَ إلى الشيء واتَّجهَ إليه (( وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ))[العنكبوت :25] وهذه النار قد أعدَّها الله سبحانه وتعالى للكافرين وهي الآن موجُودة ورآها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أُسْرِي به، وهي نار لا يستطِيع الإنسان أن يُدْرِك في الدنيا ما فيها مِن العذاب، فإنَّها فُضِّلَت على نار الدنيا بتسع وستين جزءًا{ترى من عادتنا أن إذا تمت الحلقة ما حد يوسع لأحد لأنه لو بقينا كل واحد يوسع للثاني لكان تصير الحلقة واسعة، وكون ... متقاربين أحسن، أقول: إنَّ هذه النار فُضِّلَت على نار الدنيا بتسع وستين جزءًا أضِف إليها الجزء المتَمِّم للسبعين والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( على نارِكم هذه ) أو ( على نار الدنيا ) ونار الدنيا كما تعرفون فيها نار شديدة الحرارة وفيها نار متوسطة وفيها نار باردة بالنسبة لغيرِها ومع ذلك فإنها تُقاس في أعلى نار في الدنيا فتُفَضَّل عليها بتسع وستين جزءًا، (( وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ )) مانِعين عنها " ((مَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ )) هذه فيها (من) الزائدة للتوكيد لأن (( ناصرين )) أصلُها مبتدأ وخبرُه قوله: (( لكم )) يعني لا أحدَ ينصرُكم فيمنعُكم مِن دخول النار هذا كلام م ن؟ هذا كلام إبراهيم، لأنَّه قال: (( ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ))[العنكبوت :25] هذا مِن كلام إبراهيم عليه الصلاة والسلام