تتمة تفسير قوله تعالى: << ولمآ أن جآءت رسلنا لوطا سيئ بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لاتخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين >> حفظ
(( ولما أن جاءت رسلُنا لوطًا سيء بهم )) هذا شرَحْنَاه وبيَّنَّا أن (لما) شرطِيَّة و(أن) زائدة وقوله: (سيء بهم) هو جواب (لم)، و(سيء) فعل ماضٍ مبني للمجهول ونائب الفاعل يعُود إلى (لوط) أي حصلَت له المسَاءَة وقوله: (( بهم )) الباء للسببية أي بسببهم.
الطالب:.........
الشيخ : لا ينوبُ مفعولٌ به عن فاعل إلا إذا تعذَّر، ... هو الآن فعل لازم لكن إذا جعلت الجار والمجرور نائب فاعل نعم فقد عدَّيتَه لأن نائب الفاعل معناه أنَّه في الأصل مفعولٌ به فمعنى سِيءَ بهم أي هو أي لوط، لا (سيء بهم) معناه حصلَت له المسَاءة أو أخَذَه السُّوء، أمَّا ساء في الأصل فيكون متعدي كما تقول سائني هذا الشيء، ... سائني هذا الخبر نعم كما تقول: سرَّني واضح؟ نعم طيب قوله: (( وضاق بهم ذرعًا )) ايش إِعْرَاب (ذرعًا)؟ هذا تمييز مُحَوَّل عن الفاعِل والتَّمْيِيز كما مرَّ علينا يكون محولًا عن الفاعل وعن المفعول به مثال المحَوَّل عن المفعول به قوله تعالى: (( وفجرنا الأرض عيونًا )) هذا تمْيِيز محَوَّل عن المفعول به وأصلُه وفجَّرْنا عيون الأرض ومثال المحَوَّل عن الفاعل أن تقول في هذه الآية .. لكن تقول مثلًا: انشرح بهم صدرًا أي صدرُه، هنا ضاقَ بهم ذرعًا أصلُه ضاق ذرعُه بهم وما هو الذَّرْع؟ فسَّرَه المؤلف بالصَّدْر قال: (ضاق بهم ذرعا) أي صدرًا " أي ضاق صدرُه بهم ولمْ ينشرح بل حصل له غَمّ وهَمّ بذلك، وقيل وهو الصحيح أنَّ الذرع بمعنى الطاقة أي ضاقَ بهم طاقةً فصار غير مُتَحَمِّلٍ لهم وهذا معناه في اللغة العربية، وسُمِّيَت الطاقة ذرعًا مِن الذراع لأنَّ الذراع محَلّ الحَمْل والطَّاقَة هي التي بها يستطيع المرء أن يحمِل أو لا يحمِل الشيء، قال: (( وضاق بهم ذرعا )) العلة لأنهم حسانُ الوجوه في صورة أضياف فخاف عليهم قومَه فأعلمُوه أنهم رسلُ ربه " هذا هو السبب أنَّه ضاق بهم لأنَّ قومه كما ذكَرَ الله في آية أخرى لما سمعوا بذلك جاءَه قومه يُهرعون إليه يعني مُسرعين -والعياذ بالله- يريدون هؤلاء الأضياف وهذه مِن فتنة الله سبحانه وتعالى للعبد أن يجعل الأمور المحَرَّمَة عليه في صورَةٍ تهْواها نفسه ليعلَمَ الله مَن يخافُه بالغيب، فهم -والعياذ بالله- لما جاء هؤلاء جاءوا إلى لوط يريدونهم فكان يقول لهم: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتَّقوا الله ولا تخزُون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ) فهو ضاق بهم خوفًا عليهم مِن قومِه، لأنَّ قومه كما قال الله تعالى أهلُ خُبْث (( وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ ))[الأنبياء:74] فيخشى منهم ولكنَّهم قالوا له: (( لا تخَفْ ولا تحْزَنْ )) الخوف عما يُتَوَقَّعُ حدوثُه في المستقبل والحَزَن عمَّا وقع في الماضي، نعم قالوا: وقد يطلق الحزَن على المستقبل ومثَّلُوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ( لا تحزن إنَّ الله معنا ) لأن (لا تحزن) هنا بمعنى لا تخَف على أنَّه يحتمل أن تكون على بابِها وأنه لا تحزَن مما حصل مِن خروجنا ودُخولنا إلى الغار.