قال الله تعالى : << وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين >> حفظ
قال تعالى: (( و-أهلكنا- عادًا وثمودًا )) بالصَّرْف وتركِه " الصَّرْف ما هُو الصرف؟ التَّنْوِين قال ابن مالك:
الصرف تنوينٌ أتى مُبَيِّنا معنى به يكون الاسم أمكنا
فهنا يجوز الصرف (ثمودًا) ويجوز تركُ الصرف وهما قراءَتان (ثمود) وهكذا كُلُّ أسماء القبائل يجُوز فيها مِن حيث الأصل الصَّرْف وعدمه في أسماء القبائل، فالصرف باعتبار الحَيّ وهو مُذَكَّر، وعدم الصرف باعتبار القبيلة وهي مؤنَّثَة، وعليه إذا قلنا: ثَمُود بدون صرف نقول: معطوف على عَادًا والمعطوف على المنصوب منصوب ولم يُنَوَّن لأنَّه لا ينصرف والمانِع لَه من الصَّرف العلَمية والتأنيث باعتبَارِه قبيلة، وعلى(ثمودًا) نقول (ثمودا) معطوف على (عادا) والمعطوف على المنصوب منصوب ونُوِّنَ لأنَّه مذكر باعتبار الحي، وقوله: (( عادا وثمود )) مفعولان لفعل محذوف التقدير كما قال المؤلف (أهلكنا عادا وثمودا) عاد أين محلُّهم؟ بالأحقاف لقوله تعالى: (( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومَه بالأحقاف )) وثمود قومُ صالح بالحِجْر ديار ثمود معروفة إلى الآن، قال تعالى: (( وقد تبيَّن لَكُم --إهلاكهم- من مساكنِهم )) بالحجر واليمن "
قد تبيَّن ظهَر (لكم) الخطاب لِمَن؟ نعم لِقريش لأنَّهم تبين لهم ويعرفونه، وقوله: (من مساكنهم) (مِن) على تقدِير المؤلف تكون سبَبِيَّة أي تَبَيَّن لكم إهلاكُنا إياهم بسبب رؤيتِكُم مساكِنَهم تكون للسببية، أفلا يجوز أن نجعل (من) للتبعيض ويكُون المعنى تبيَّن لكم مِن مساكنهم أي بعضُ مساكنهم؟ يمكن، لكني ما رأيت أحدا أعربها هذا الإعراب أي يمكن أن نجعل (من) تبعيضية أي تبيَّن لكم بعض والبعض قد زال فإنَّ المشاهد الآن المشاهد بعض هذه المساكن والآثار، أمَّا على تقدير المؤلف فيقول: إ مفعول (تبين) محذوف والتقدير تَبَيَّنَ لكُم ... فاعل (تبين) محذوف التقدير إهلاكُهُم، .. نقول: فاعل محذوف ولَّا نقول فاعل مستَتِر الفاعل يحذف ولا يستتر؟
الطالب: محذوف ...
الشيخ : هو ما يُقَال يحذف إلا في مكان لا يُمكن أن يُقَدَّر فيه كالمصدر مثلًا كما قالوا في قوله تعالى: (( أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة * يتيمًا )) قالوا إن الفاعل هنا محذوف لأنَّه ما يمكن استتاره بمصدر، أمَّا إذا كان يمكن استتَارُه فإنَّه يقال مستَتِر، نعم والمحذوف قد يكون عُمدة وقد يكون فَضْلة لكن الحقيقة أنَّ المؤلف كلامه يوهِم بأنَّه محذُوف .. لو قال المؤلف: وقد تبيَّن أي إهلاكُهم وجعلَها مُفَسِّرَة للمحذوف لكان أولى، (( مِن مساكِنِهم )) بالحِجْر واليَمَن " هذا الحجر واليمن لفّ ونَشْر مُشَوَّش ولَّا مرتب؟ لأن (بالحجر) يعود على ثمود وهو متَأَخِّر في القرآن، واليمن يعود على عَاد ومثل هذا لا ينبغِي يعني لا ينبغِي للمفَسِّر أو الشارح لِكلام أحد لا ينبغي أن يشرَحَهُ على هذا الترتيب، لأن الجاهل الذي لا يدري لو نحن ما ندري عن مكانِهم لقلنا: إنّ الحجر ..؟ لِعاد وقلنا: إنَّ اليمن لثمود، أي نعم قال: (( وزيَّنَ لهم الشيطانُ أعمالَهم )) هذه على تقدير (قد) يعني وقد (( زيَّنَ لهم الشيطانُ أعمالَهم )) مِن الكفر والمعاصي " زَيَّن بمعنى حَسَّن وجمل فحَسَّن لهم -والعياذ بالله- الأعمال مِن الشرك والمعاصي وقال: إن الشرك حسَن لأنَّكم تعبدون هذه الأصنام لِتُقَرِّبَكُم إلى الخالق (( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)) ثم إنَّكم ترجُونَها وتدعُونَها فيحصُل لكم المقصود لأنَّ الله تعالى قد يبتَلِي العابدين فيحصُل لهم مقصُودُهم عند هذا الشيء لا بِه، نحن الآن نقول عنده لا به، نعم يعني قد يدعُوا الصنم قد يدعوا النبي صلى الله عليه وسلم قد يدعُوا ملكًا مِن الملائكة فيقدِّرُ الله ابتلاءً وامتحانًا أن يكونَ هذا السبب عند دعائِه لهم، نحن المؤمنين نعلم بأنَّه ما حصَل به لكنه حصَل عندَه امتحانًا، والله سبحانه وتعالى قد يبتلي الإنسان بالامتحَان بالمعصية فتُسَهَّل له وتُزَيَّن له وقد مرَّ علينا أنَّ الله امتحَنَ اليهود بايش؟ بالحِيتَان تأتِي يومَ السبت ولا تأتِي في غيره، وابتلى الله الصحابة رضي الله عنهم بالصَّيْد تنَالُه أيديهم ورماحُهم وهم محرِمُون وهكذا أيضًا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( رجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ) ما عندهم أحد لأنه لو كان عندهم قال أخاف من الناس يعني قال أخاف الله، فالإنسان قد يُبتلى بالمعصية امتحانًا، كذلك أيضا يقول الشيطان لهم: هؤلاء الأصنام إذا عبدتُّمُوها تُقَرِّبُكم إلى الله وتكُون وسيلة (( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله )) أمَّا المعاصي فكذلك أيضًا يُزَيِّنُها الشيطان للإنسان ويسَهِّلُها عليه ويقول أنت اعمل والرب غفور رحيم، اعمَل وتتوب، الدنيا أمامك ما دُمت لم يتِمَّ لك أربعون سنة فإنَّها لا تجِب عليك الصلوات ولا الصيام، إذا تميت أربعين سنة وبلغْتَ أشدك حينئذٍ تجِب عليك الصلاة والصيام هذا موجود الآن عند بعض المسلمين الجهال، وقوله هنا: (( زيَّن لهم الشيطان )) الشيطانُ وش وزن الشيطان؟
الطالب: فاعل (شطَن)
الشيخ : هو في الحقيقة ما له وزْن ما له قيمة لكن وزنُها اللفظي؟
الطالب: فعلان ..... بعضهم يقول: أصلها ...
الشيخ : ... إذا جعلناها مِن (شطن) فهي على وزن؟ يلَّا يا شيخ
الطالب: على وزن فيعال
الشيخ : فيعان على وزن فيعان؟
الطالب: أما إذا كان وزنها شَاط فتكون على وزن فعلان.
الشيخ : فعلان بالنون؟ طيب
الطالب: والراجح شطا والله أعلم.
الشيخ : شطا بمعنى بعد
الطالب: لا شاط
الشيخ : طيب لو كانت شاط لكانت النون
الطالب:...
الشيخ : إذا كانت زائدة ينصَرِف ولَّا ما ينصرف؟
الطالب: ... ممنوع من الصرف
الشيخ : طيب واللي بالقرآن (( حفظْنَاها مِن كل شيطانٍ رجيم )) مُنصَرِف ولَّا لا؟
الطالب: منصرف
الشيخ : هو منصرف لكن قد تقولون إن هذا مُنَكَّر وما فيه الألف والنون إذا كان مُنَكَّرًا فإنَّه ينصَرِف لأنَّ اللي فيه الألف والنون يُمنَع إذا كان وصفًا أو علمًا و(شيطان) ما هو وصف، على كل حال الأقرب أنَّها مِن شَطَن إذا بَعُد عن رحمة الله،
الطالب: .... علم؟
الشيخ : لا وقد يُراد به الجنس، الكلبُ الأسود شيطان ما هو عَلَم يعني شيْطَانٌ مِن الشياطين، ولذلك نقول في عبارةٍ للفقهاء قالوا: لا يجوز تأخيرُ القضاء إلى رمضانَ آخَر أو إلى رمضانٍ آخر؟ لا، إلى رمضانٍ آخر لأنَّه نكرة ما هو علَم، ... أي نعم المهم على كل حال أن الذي يظهر أنَّ الشيطان مِن شَطَن إذا بَعُد، وقوله: نعم (( زَيَّن لهم الشيطان أعمالَهم )) هنا أضَاف التزيِين إلى الشيطان وفي آية أخرى أضَاف التزيين سبحانه وتعالى إليه نفسه فقال: (( إنَّ الذين يؤمنون بالآخرة زيَّنا لهم أعمالهم فهم يعمَهُون )) فكيف نجمَع بين الآيتين أن يُضيفَ الله سبحانه وتعالى التزْيين مرةً إليه ومرةً إلى الشيطان؟
الطالب: باعتِبَار السبب وباعتبار الفاعِل الحقيقي، فالفاعل الحقيقي .. الله سبحانه وتعالى والسبب هو الشيطان
الشيخ : المزَيِّن هو الله،
الطالب: المزَيِّن الفاعل الحقيقي للتَّزْيين هو الله.
الشيخ : أيُّهم الذي باشَر التزيين.
الطالب: الشيطان.
الشيخ : إذًا هو الحقيقي.
الطالب: هو سبب طبعًا فإنَّه كله بقدر الله سبحانه وتعالى.
الشيخ : يعني معناه أنه أُضِيف التَّزيين إلى الله لأنَّه بقضائه وقدره، وأضيف التزيين إلى الشيطان لأنَّه مباشِرٌ له كذا؟ وهو كذلك فيُضاف إلى الله تعالى خَلْقًا وتقدِيرًا، ويضافُ إلى الشيطان مباشرةً، قال: (( زَيَّن لَهم الشيطان أعمالهم فصدَّهم عن السبيل )) صَدَّهم عن السبيل أي صَرَفَهم، وهذا مِن استعمال (صدَّ) متَعَدِّيًا لأنَّ (صد) تكون لازمًا ومتعديًا، إذا قلت: صدَّ الرجلُ عن سبيلِ الله فضَلّ. لازم ولَّا متعدي؟
الطالب: لازم.
الشيخ : صدَّ الرَّجل عن سَبِيلِ الله فضَلَّ؟ هذه لَازِمة نعم، ومثل هذه الآية (( فصدهم عن السبيل )) صرفَهم هذه متعَدِّيَة، قال: (( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصُدُّون عنك صدودًا )) المصدَر الآن على وزْن فُعُول قال ابن مالك:
و(فَعَلَ) اللازم مثل (قعَد) له فُعُولِ
لكن (صدَّ) المتعدي ايش مصدره؟ لا، (صَد) المتعدي مصدرُه صَدًّا لقول ابن مالك:
فَعْلٌ قياس ُالمصدر المعَدَّى مِن ذي ثَلَاثة
نعم وأنا الحقيقة ليتي ما استشهدت بهذا، لأنَّكم تقولون أنه صار له فائدة، نعم على كل حَال (صد) تأتي لازمة ومتعَدية، ما تقولون في قوله تعالى: (( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ))[محمد:1] هل هي مِن اللَّازم ولَّا مِن المتعدي؟ (( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ))؟
الطالب: هذه لازِمَة ومتعدية،
طالب آخر: لازمة، المتعدية أعم
طالب آخر: إن قدَّرنا فهي متعدية لكن
الشيخ : هي متعدية لأنَّ (( الذين كفروا )) هذا صدُّهم هم، صدُّهم هم اللازم يدُلُّ عليه (( الذين كفروا )) فهي: صدوا عن سبيل الله أي غيرَهم هذا هو الأقرب، طيب يقول: (( فصدَّهم عن السبيل وكانوا )) عن السبيل (ال) في قولِه: (السبيل) للعهد الذهني المعلُوم وهو سبِيل الحق ولهذا قال المؤلف: " سبيلِ الحق " وهو سبيلُ الله عز وجل وسُمِّيَ سبيلَ الله، لأنَّه يوصِل إليه ولأنَّه هو الذي وضعَه لِعبادِه كما في قوله تعالى: (( صراط الله الذي له ما في السماوات )) نعم، وقد يُضاف إلى المؤمنين كقوله تعالى: (( ويَتَّبِع غيرَ سبيل المؤمنين )) فكيف نجمَع بينهما يا آدَم؟ السَّبِيل أحيانًا يضيفه الله إلى نفسِه كما في قوله: (( وصدوا عن سبيل الله )) وأحيانًا يضيفه الله إلى المؤمنين كما في قوله: (( ويتَّبع غير سبيل المؤمنين )) كيف تجمَع بينهم؟
الطالب: ..... سبيل المؤمنين هو سبيل الله
الشيخ : هو سبيل الله، لكن لماذا أُضِيف إلى المؤمنين مرَّة وإلى الله مرَّة؟
الطالب: لأنَّ المؤمنين هم المتبعون الله ..
الشيخ : أحسنْت تمام، وأُضيف إلى الله -مثل ما قلنا قبل قليل- لأنَّه يوصل إليه وهو الذي شرعَه لعباده وبيَّنَه وجعلَه لهم نعم، قال: (( فصدَّهم عن السبيل وكانوا مستَبْصِرين )) ذَوي بصَائِر " يعني أنَّه سبحانه وتعالى أعطَاهم مِن العقول والبصائر ما يمكِنُهم الاهتداءُ به وقد ذكر الله ذلك في قوم صالِح صريحًا فقال: (( وأما ثمود فهديناهم فاستحَبُّوا العمى على الهدى )) هم عندهم بصَائِر وعندَهم عِلْم لكنَّهم كانُوا مستكْبِرِين والعياذ بالله فهم صدَّهم عن السبيل مع أنَّ الله أعطَاهم ما يتمَكَّنُون به مِن مُدَافَعَة الشيطان ولكن غُلِبُوا على أمرِهم بما زَيَّن لهم الشيطان.
الطالب: شيخ الآية: الكفار .. لا يفْقَهُون (( صُمٌّ بُكْمٌ عمي فهم لا يعقلون )).
الشيخ : نحن قلنا: إنَّ العقل عقْلَان
الطالب: هنا (مستبصرين)
الشيخ : مستبصرين يعني معناه أن عندهم بصِيرَة يعني عندهم عُقُول يدرِكُون بها لكن ليس عندهم عقول يهْتَدُون بها يعني بمعْنَى أنهم اهتَدَوا بها، ما انتفعوا بها فهم عندهم بصائر مَعْرِفة لكنَّهم ما انتفعوا بها،
الطالب: هل .. بصيرة ...
الشيخ : اي نعم يكون عنده بصيرة لكنه ما عنده اهتداء بهذه البصيرة،
الطالب: ... البصيرة ...
الشيخ : أي نعم ما اهتَدَوا بها فيكون المعنى أنَّهم عندهم عِلْم وبصر يُدْركون به الأشياء لكنَّهم ما انتفعوا بها، وقوله: (( وكانوا مستبصرين ))