تفسير قول الله تعالى : << أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات و الأرض و ما بينهمآ إلا بالحق و أجل مسمى .... >> حفظ
ثم قال الله تعالى (( أو لم يتفكروا في أنفسهم )) ليرجعوا عن غفلتهم قوله (( أو لم يتفكروا )) سبق لنا مرارا كيف نعرب مثل هذا التركيب وقلنا إن في إعرابه للنحوبين قولين أحدهما أن الهمزة مقدمة على مكانها وأن أصلها أو لم يتفكروا فتكون جملة معطوفة على ما سبق والوجه الثاني أن تكون الهمزة داخلة على محذوف يقدر بحسب السياق ويكون ما بعدها من حرف العطف عاطفا على ذلك المحذوف وفي هذه الآية يكون التقدير أغفلوا ولم يتفكروا ثم قال الله أو لم يتفكروا والاستفهام للتوبيخ لأن الإنسان مأمور بأن يتفكروا وقوله (( أو لم يتفكروا في أنفسهم )) هل قوله في أنفسهم هي محل التفكر أو آلة التفكر ؟ بمعنى هل المقصود من الآية الحث على تفكرهم في أنفسهم كما في قوله تعالى (( وفي أنفسكم أفلا تبصرون )) أو الحث على التفكر على خلق السماوات والأرض في أنفسهم نعم ؟ كلا الأمرين أي نعم كلا الأمرين لكن الأقرب الأخير ولهذا قال (( ما خلق الله السماوات )) فالمعنى أو لم يرجعوا إلى أنفسهم ويتفكروا تفكيرا حقيقيا في هذا الكون ليعرفوا بذلك حكمة الله عز وجل وما يتضمنه من صفاته العظيمة وقوله في أنفسهم (( ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق )) " ما " إعرابها ؟
الطالب :اسم موصول
الشيخ : لا نافية الدليل قوله(( ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق )) خلق بمعنى أوجد وأبدع ولا يكون غالبا إلا بتقدير وتنظيم لأن أصل الخلق تقدير في النفس كما قال الشاعر " ولأنت تفري ما خلقت وبعض الناس يخلق ثم لا يفري " يعني ما قدرت فالخلق هو الإبداع بتقدير وتنظيم وقوله السماوات سبق الكلام عليها وأن المراد بها الطباق وكانت سبعا وقوله والأرض مفرد والمراد الجنس فيشمل جميع الأراضين وهي سبع وعطفت على السماوات وهي منصوبة ولهذا فتحت بخلاف السماوات لأنها جمع مؤنث سالم وقوله (( وما بينهما )) ما اسم موصول معطوف على الأرض ولا على السماوات ؟ على السماوات نعم العلماء يقولون أنه إذا تعددت المعطوفات فالمعطوف عليه الأول منها لأنه المباشر للعامل كذلك المباشر للعامل وما بعده فرع عليه فيكون العطف إذا على السماوات لو قلت جاء زيد وعمرو وبكر وخالد وسعيد فسعيد معطوف على زيد أول واحد لأنه مباشر وما بعده فرع والفرع لا يعطف على فرع يعطف على أصل وقوله (( ما بينهما )) البينية ما تقتضي التماس فقد يكون الشيء بين الشيئين وهو لا يمس أحدهما وهنا اللي بين السماوات والأرض لا يلزم أن يمس ولكن هل يمكن أن يمس ؟ يمكن لكن لا يلزم نعم فعلى هذا نقول ما بينهما يشمل السحاب والرياح والنجوم والشمس والقمر وغير ذلك من المخلوقات العظيمة التي ما نعلمها وفي التنصيص على ذكر ما بين السماوات والأرض فيه دليل على أن ما بينهما أمر عظيم يقارن بنفس السماوات والأرض وهذا يعلمه أهل الفلك الذين يطلعون على ما في الأفق من الآيات العظيمة التي تدل على ما تدل عليه من كمال الله سبحانه تعالى وقوله (( إلا بالحق ))هذا محط الفائدة (( ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ))ورغم حذف الفائدة فهذا بالخلق مقارن بالحق فالباء إذن للمصاحبة والملابسة أي أن خلقه تعالى مصحوب بالحق لماذا ؟ لأنه متضمن لكمال العدل ولكمال الصدق كمال العدل ما قامت السماوات والأرض إلا بالعدل والعدل حق وهل يشمل ذلك أن يكون الغاية منه حقا ؟ نعم يشمل فبالحق ابتداء وانتهاء كما قال الله تعالى (( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين )) لو كان هذه السماوات والأرض خلقت لتحيا الخليقة عليها وتعيش وتموت بدون جزاء ولا حساب ولا ثواب ولا عقاب لو كان الأمر كذلك لكان باطلا وليس بحق إذن لا بد لهذه المخلوقات العظيمة أن يكون لها غاية غاية هي الحق فعلى هذا نقول إن قوله بالحق يشمل الابتداء والانتهاء وقوله (( وأجل مسمى )) معطوف على بالحق يعني ما خلقهما أيضا إلا بأجل مسمى معين والأجل غاية الشيء ومسمى من قبل من ؟ من قبل من
الطالب :من قبل الله سبحانه وتعالى
الشيخ : من قبل الله سبحانه تعالى هو الذي عينه وقوله بأجل يشمل الابتداء والانتهاء فابتدائها بأجل وانتهائها بأجل أيضا فإن الله تعالى أوجد هذه السماوات والأرض بعد أن كانت معدومة وإيجاده لها كان بالأجل المعين عنده وكذلك سوف ينهي السماوات والأرض وإنهائه إياها اه
الطالب :بالأجل
الشيخ : بالأجل إذن كل شيء عند الله تعالى مقدر حتى الحوادث التي تحدث في السماوات والأرض بعد خلقها وإيجادها كله بأجل لا يتقدم ولا يتأخر وإذا تأملت قليلا عرفت بذلك كمال قدرة الله سبحانه تعالى كيف هذه الأمور والشئون العظيمة الكثيرة كلها تدبر بأجل ما يتقدم ولاما يتأخر نحن الآن مقاربين من ابتداء الدرس في الساعة الثامنة ولكن نبدأ الدرس حين الساعة الثامنة والنصف حين الساعة الثامنة والثلث ونتأخر ما ينتظم أمرنا مع أنه بسيط وهكذا كل شئون الخلق ما يمكن لأحد أن يضبط جميع أعماله بأجله القمحدد مهما بلغ في الحرص لأنه قد يعتريها ما لا طاقة له به لا يقدر لكن الرب تعالى حدد كل شيء بأجله لا يتقدم ولا يتأخر وهذا لا شك أنه من كمال الحكمة والصنع (( صنع الله الذي أتقن كل شيء )) فإذا تأملنا هذا الكون العظيم على ما فيه من الحوادث الفلكية والأرضية والعامة والخاصة فإننا في الحقيقة نستدل بها دلالة واضحة على كمال المدبر لهذا الكون والخالق له كل شيء بأجل وفي آية أخرى (( وكل شيء عنده بمقدار )) أيضا بمقدار ما يزيد وما ينقص فهو بأجله وبمقداره لا يزيد ولا ينقص قوله بأجل مسمى لذلك هكذا عندكم
الطالب :...
الشيخ :تفنى عند انتهاءه وبعده البعث تفنى أي السماوات والأرض وما بينهما عند انتهاء هذا الأجل ثم يأتي البعث نعم