قال الله تعالى : << وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم >> حفظ
ثم قال تعالى (( وهو الذي يبدأ الخلق )) من ماء ثم يعيده بعد هلاكه وهو أهون عليه من البدء وهو الذي يبدأ الخلق أي يبتدئه وأتى بكلمة يبدئ لأن الخلق مستمر كل يوم يكون فيه ابتداء خلق أليس كذلك ؟ الأجنة في بطون الأمهات تنشئ كل يوم كم في الدنيا في اليوم الواحد جنين يكون كثير جدا ولهذا أتى بالفعل المضارع الدال على الاستمرار ولم يقل بدء وقوله (( ثم يعيده )) أي ثم هو الله عز وجل يعيده ومعنى الإعادة رده على ما كان أوله كما قال تعالى (( كما بدأنا أول خلق نعيده )) وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ( أن الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا كما بدأوا ) قال (( ثم يعيده)) وهو الضمير يعود على الإعادة هكذا المفهوم من قوله يعيده فمرجع الضمير إذن المصدر المفهوم من الفعل وقد سبق لنا عدة مرات أن مرجع الضمير قد لا يذكر بلفظه ولكن يذكر ما يدل عليه انظر إلى قوله تعالى (( اعدلوا هو أقرب للتقوى )) أين مرجع الضمير في هو ؟ العدل المفهوم من كلمة اعدلوا إذا ثم يعيده نقول وهو أي الإعادة نعم والإعادة مصدر فصح أن يعود الضمير عليهم مذكرا قال أهون عليه أهون اسم تفعيل من هان يهون واسم التفعيل يدل على أن الهون على أن الهون في حقه درجات هين وأهون ودرجات الهون قد توحي بأن هناك مشقة لأنه لولا أن في بعضها مشقة ما صار بعضها أهون من بعض ولذلك اختلف المفسرون في اسم التقييد هنا وهو أهون فقيل إنه بمعنى هين وهو أهون عليه أي وهو هين عليه وقال بعض المفسرين ما ذهب إليه المؤلف وهو أنه أهون عليه من البدء بالنظر لما عند المخاطبين من أن إعادة الشيء أسهل من ابتدائه وإلا فهما عند الله وتعالى سواء في السهولة فصار الآن كلمة أهون هل هي على بابها أو لا ؟ المؤلف مشى على أنها على بابها لكن هذا باعتبار المخاطبين لأن المخاطب يعرف أن إعادة الشيء نعم أهون من ابتدائه وكذبوا ذلك أن إعادته لا تحتاج إلى تفسير جديد لأنه قد سبق فيها التفسير ثانيا أن مواد التكوين موجودة افرض مثلا أني صنعت سيارة عندما أريد صنعها تحتاج إلى تفكير أولا ومواد فإذا أردت أن أعيدها مرة ثانية مثل أن تفك هذه السيارة وأردت أن أعيدها يكون الإعادة أهون لأن التفكير فقد فرغت منه والمواد موجودة موفرة فيكون الإعادة أهون باعتبار المخاطب أما بالنسبة لله عز وجل فلا نقول إنه في حقه ما هو أهون وما هو هين بل الكل عند الله تعالى هين وسهل وقال بعض المفسرين بأن هين هنا بمعنى أهون بمعنى هين فيكون على هذا يكون هون بالنسبة لله عز وجل لا يكون بالنسبة لنا نحن ما عندنا نحن وهو هين عليه طيب في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( كذبني ابن آدم وليس له ذلك وشتمني ابن آدم وليس له ذلك قال أما تكذيبه إياي فقوله أني لن أعيده وليس بدء الخلق بأهون علي من إعادته ) فهو مفسر للآية ليس بدء الخلق بأهون علي من إعادته فهو يفسر أن كل ذلك هين عليه ولكن لا شك أنا الإعادة أهون باعتبار المفهوم للمخاطبين فما مشى عليه المؤلف رحمه الله هنا جيد (( وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض )) أي الصفة العليا وهي أنه لا إله إلا الله قوله تعالى وله المثل له خبر مقدم والمثل مبتدأ مؤخر والمثل يطلق على عدة معاني فيطلق على الشبه كقوله تعالى (( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا )) يعني شبهه كشبه الذي استوقد نارا ويطلق المثل على الصفة كقوله تعالى ((مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن .... )) ويطلق المثل على الذات قالوا ومنه قوله تعالى (( ليس كمثله شيء )) يعني ليس كذاته ترى المثل والممثل سواء فهما واحد وقالوا منه قول الشاعر " ليس كمثل الفتى زهير " المراد بالمثل هنا وله المثل الأعلى أي المعاني ؟ الصفة له الصفة العليا في السماوات الأرض كل صفة كاملة فلله سبحانه وتعالى وكل صفة نقص فإنه منزه عنها لماذا ينزه عن صفة النقص ؟ لأنه ما دام قد ثبت له الصفة الكاملة العليا فإنه للضرورة العقلية ينتفي عنه النقص لأنه لو اتصف بنقص ما استحق أن يكون له المثل الأعلى أليس كذلك ؟ إذن هذه الآيات الكريمة تدل على صفات الكمال لله عز وجل الكمال المطلق لأنه قال المثل الأعلى وعلى انتفاء النقص من جميع الوجوه إذ أنه لو اتصف بنقص ما استحق أن يكون له المثل الأعلى ونأخذ من هذا إنه كل ما وصف الله نفسه فهو صفة كمال وليس فيه نقص أليس كذلك ؟ كل ما وصف الله به نفسه فهو صفة كمال وكل كمال فإن الله تعالى مستحق له فهذان شيئان الأول أن نعلم علم اليقين أن كل ما وصف الله به نفسه فهو صفة كمال الثاني أن نعلم أن كل صفة كمال فالله تعالى مستحق لها فهو أهل لها كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام ( أهل اثناء والمجد ) وسيأتي إن شاء الله في الفوائد ما يستدل به على الرد على الذين ينكرون صفات الله بحجة أنها تستلزم النقص وهو التشبيه وقوله ((وله المثل الأعلى )) في السماوات والأرض كيف معنى المثل الأعلى في السماوات والأرض نعم يعني عند أهل السماوات من الملائكة وعند أهل الأرض فكل الفطر السليمة فإنها تعترف بأن المثل الأعلى والصفة العليا لله وحده وأما قول المؤلف وهي أنه لا إله إلا الله فهذا فرد من أفراد المثل الأعلى ليس هو المثل الأعلى كله فإن لا إله إلا الله تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالإلوهية وهذا من المثل الأعلى لكن المثل الأعلى أعم من ذلك فله مثلا القدرة الكاملة والعلم الكامل والحياة الكاملة والسمع الكامل والبصر الكامل والحكمة البالغة وهكذا فهي أعم من تفرده بالإلوهية وهو العزيز في ملكه الحكيم في خلقه تفسيره هذا فيه قصور العزيز يعني ذو العزة وهي الغلبة والقهر والقدر فله عزة قهر والقدر سبحانه وتعالى والقهر فالعزة إذن ثلاثة معاني عزة القهر بمعنى أنه القاهر لكل شيء فلا يغلبه أحد قال الله تعالى (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون )) الثاني عزة القدر ايش معنى عزة القدر ؟ المعنى أنه سبحانه لا نظير له ولا شبه له لكمال قدره سبحانه وتعالى وعظمته ومنه قوله هذا الشيء عزيز أي نادر الوجود لا نظير له القسم الثالث من العزة المعنى الثالث من العزة عزة الامتناع بمعنى أنه يمتنع عليه النقص لكمال قوته ومنه قولهم هذه الأرض عزاز يعني شداد قوية ما يمكن ينفذ إليها شيء والأرض الرخوة بالعكس كل شيء يؤثر فيها حتى الرجل إذا مشى عليها يؤثر ولا لا ؟ بخلاف الأرض الصلبة التي تسمى العزاز فصارت الآن عزة القدر وعزة القهر والثالث عزة الامتناع قوله تعالى (( وما ذلك على الله بعزيز )) من أي المعاني ؟ الامتناع بعزيز أي بممتنع فهو من عزة الامتناع وأما قوله (( الحكيم )) فإن المؤلف يقول الحكيم في صنعه وفي خلقه وأحيانا يقول في صنعه ومعناهما واحد لكن هذا قاصر أيضا لأن الحكيم مشتق من الحكم والحكمة فعلى قولنا أنه مشتق من الحكم يكون حكيم بمعنى حاكم مثل رحيم بمعنى راحم وعلى قوله أنه من الحكمة يكون حكيم بمعنى متقن فهو من أحكم يحكم نعم طيب فعيل بمعنى مفعل هل تأتي في اللغة العربية الجواب نعم ومنه قوله تعالى عذاب أليم بمعنى مؤلم ومنه قول الشاعر " أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحاب البطون " أمن ريحانة الداعي السميع أي المسمع لأن الداعي يسمع غيره وليس هو نفسه سميعا طيب إذن نقول حكيم إذا كان من الحكمة فهو من أحكم بمعنى أتقن خذ بالك من تفسيره نقول حكيم نقول مأخوذة من الحكم والحكمة فعلى أنه مأخوذ من الحكم يكون بمعنى حاكم مثل رحيم بمعنى راحم سميع بمعنى سامع طيب إذا قلنا إن من الحكمة فهي من أحكم فهي حكيم بمعنى محكم أي اسم فاعل من الرباعي طيب الحكم ينقسم حكم الله عز وجل إلى قسمين كوني وشرعي فالكوني نافذ في جميع الخلق شاءوا أم أبوا والشرعي نافذ فيمن ؟ فيمن أطاع الله عز وجل أما من لم يطعه فإنه لا ينفذ حكمه طيب هل هناك أمثلة من القرآن تدل على هذا التقسيم أن الحكم كوني وشرعي ؟ نقول نعم موجود قال أحد إخوة يوسف (( فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين )) المراد بالحكم هنا الحكم الكوني القدري يعني أو يقدر الله ذلك أما الحكم الشرعي فإن الله لما ذكر ما يجب في النساء المهاجرات في سورة الممتحنة ايش قال ؟ قال (( ذلكم حكم الله يحكم بينكم )) المراد بالحكم هنا الشرعي لأن ما ذكر من الأمور كله أمور شرعية طيب ما تقولون في قول الله تعالى (( وله الحكم وإليه ترجعون )) ؟ شامل وكذلك قوله تعالى (( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )) الظاهر أنه شامل وإن كان في الشرع في هذه الآية أظهر لأن الله قال (( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )) طيب إذن الحكيم من الحكم ينقسم إلى قسمين هما حكم شرعي وحكم كوني الحكم الكوني هو قضائه وقدره وكل أحد خاضع له الحكم الشرعي ما حكم به شرعا ويخضع له كل أحد ؟ لا لا يخضع له كل أحد أما إذا قلنا الحكمة بمعنى أحكم فإن الحكمة يقولون أنها تنقسم إلى قسمين حكمة غائية وحكمة صورية يعني صورة الشيء كذا وكذا فكون الشيء على صورة معينة نجد أن جميع ما خلق الله في صفاته كله على صفة موافقة للحكمة نعم تدبر المخلوقات تجد أن المخلوقات في ذواتها وحركاتها وهيئاتها وصفاتها كلها موافقة للحكمة الحكمة الغائية هي الغايات المحمودة في أفعاله وأحكامه الشرعية كل ما خلق الله عز وجل فإنه لغاية محمودة ليس عبثا ولا سدى (( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق)) (( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار )) حتى ما يقدره الله من الأمور المؤلمة فإنها حكمة فهزيمة المؤمنين يوم أحد حكمة ولا لا ؟ نعم حكمة لا شك نعم (( وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا )) وقال (( وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين )) فإذن كل أفعاله سبحانه وتعالى حكمة ولها غاية محمودة كذلك أيضا أحكامه الشرعية مثل أحكامه الكونية هي على وضعها على صفة معنية موافقة للحكمة ثم غاياتها الحميدة التي بها صلاح القلوب والبلاد والعباد أيضا حكمة فصار يا إخواننا الحكمة نوعان حكمة في الشيء على صفة معنية وحكمة في غايته الحميدة ثم أن هذه الحكمة تكون في الشرع وتكون في القدر في الكون إننا إذا علمنا ذلك أن الله تعالى حكيم فإننا نطمئن غاية الاطمئنان إلى ما قضاه وقدره ولما شرعه وحكم به نطمئن وأنه موافق للحكمة وحينئذ لا يمكن أن نورد ولا أن يرد على .