تفسيرقول الله تعالى : << و إذآ أذقنا الناس رحمة فرحوا بها و إن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون >> حفظ
(( وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها )) إذا أذقنا الناس كفار مكة وغيرهم هذا أصح جعلها عامة إذا أذقنا الناس كفار مكة وغيرها وأفاد المؤلف بقوله كفار مكة وغيرها أن المراد بالناس هنا الكفار فيكون من باب العام المستعمل في الخاص وقد مر بنا كثيرا أن العام يستعمل في الخاص والعام المراد به الخصوص غير العام المخصوص وقد سبق لنا في أصول الفقه الفرق بينهما بين العام المخصوص والعام الذي به جميعا .... وبين العام الذي أريد به الخصوص فالعام الذي أريد به الخصوص لم يرد معنى العموم به من أول الأمر وإنما أريد به المعنى الخاص فقط فقوله (( الذين قال لهم الناس إن الناس )) لم يراد به عموم الناس من الأول أما العام الذي أريد به التخصيص يعني العام المخصوص فهو أريد به العموم وهو تناوله لجميع الأفراد ثم أخرج بعض أفراده من هذا الحكم فيكون عاما مخصوصا وعلى هذا فلا يمكن أن يستدل مستدل بالعام المراد به الخصوص لا يمكن أن يستدل به على عموم الحكم لأنه لم يرد به العموم بخلاف الثاني العام المخصوص فإنه يمكن أن يستدل به على عموم الحكم ويقول لمن أخرج شيئا من أفراده هات الدليل على التخصيص المراد بالناس هنا إذا (( وإذا أذقنا الناس منا رحمة فرحوا بها )) عام أريد به الخصوص يعني الكفار لأن هذا الوصف لا ينطبق إلى عليهم أما المؤمن فإنه إذا قضى الله له قضاءا لم يكن معاندا له إذا أذقنا الناس كفار مكة وغيرهم نعم بالنصب لا بصيغة الجر ؟ الصواب بالنصب كفار مكة وغيرهم رحمة نعمة فرحوا بها فرح بطر وإن تصبهم سيئة شدة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون أي ييأسون من الرحمة ومن شأن المؤمن أن يشكر عند النعمة ويرجوا ربه عند الشدة قوله تعالى (( رحمة فرحوا بها )) رحمة يشمل جميع النعم من مال وأولاد وأمن ورخاء في العيش وغير ذلك كل ما يكون أو كل ما ينعم به الإنسان فإنه داخل في ذلك ولهذا قال من نعمة وقوله فرحوا بها أيدها المؤلف بقوله فرح بطر احترازا من الفرح بنعمة الله فرح شكر لأن هذا لا يذم كما قال الله تعالى (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا )) فأمر الله تعالى أن نفرح بفضل الله ورحمته وعلى هذا فالفرح نوعان فرح بطر يؤدي إلى الأشر والاستكبار عن الحق والتعلي عن الخلق هذا هو المذموم والثاني فرح شكر يكون الإنسان فرح بنعمة الله ولكن هذا الفرح يحمله على شكر النعمة فهذا ليس بمذموم وهو من طبيعة الإنسان فإن الإنسان إذا رزق ولدا فرح وإذا رزق مالا فرح وإذا كان طالب علم فتوصل إلى مسألة من مسائل العلم فرح فهو من الأمور الطبيعة لكن إن أدى الفرح إلى الأشر فإنه محرم ومذموم وإلا فلا .... هذا الكراهة الداخلة وقوله (( وإن تصبهم سيئة )) المراد بالسيئة هنا ما يسوئه وهو ضد الرحمة مثل فقر وجدب خوف فقدان مال وما أشبه ذلك هذه السيئة وسمي سيئة لأنه يسوؤهم وقوله (( بما قدمت أيديهم )) الباء هنا للسببية أي بسبب وما موصولة أي بالذي وعلى هذا فالعائد المحذوف فالتقدير بما قدمته أيديهم إذا هم يقنطون بما قدمته أيديهم ولاحظ أن الله عز وجل أطلق الرحمة (( إذا أذقنا الناس رحمة )) أما السيئة فقيدها بقوله (( بما قدمت أيدهم )) وذلك لأن السيئات سببها أعمال العباد كما قال الله تعالى في الآية التالية إن شاء الله (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس )) وقال تعالى (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير )) ولهذا قال هنا (( وإن تصبهم مصيبة بما قدمت أيديهم )) وقوله (( بما قدمت أيديهم )) المراد بما قدموا فعبر بالأيدي عن النفس لأن غالب الأعمال بها وهذا كثير في القرآن أن الله تعالى يضيف الشيء إلى الأيدي والمراد بها نفسنا العامة بل إن الله أضاف الأيدي إلى نفسه والمراد بها نفسه مثل قوله تعالى (( أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون )) فإن قوله (( مما عملت أيدينا أنعاما )) ليس كقوله (( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )) والفرق أن المراد بقوله (( مما علمت أيدينا )) أي مما علمناه وأما قوله لما خلقت بيدي فأضاف الخلق إلى نفسه معدا إلى اليد بالباء فصارت اليد حصل بها الفعل وأما الخلق فهو مضاف إلى نفسه سبحانه وتعالى أضافه إلى نفسه المقدسة وعداه إلى اليد بالباء ولهذا يغلط من جعل قوله (( مما عملت أيدينا )) مثل قوله (( لما خلقت بيدي )) طيب إذا بما كسبت أيديهم أي بما كسبوا وعبر بالأيدي عن النفس لأنها آلة الفعل غالبا وقوله (( إذا هم يقنطون )) إذا فجائية واقعة في جواب الشرط وهو قوله (( وإن تصبهم سيئة )) وقوله (( إذا هم يقنطون )) أتى بالجملة الاسمية للدلالة على أنهم اتصفوا بذلك على سبيل الدوام فهم دائما في قنوط ما دامت السيئ فيهم والقنوط يقول المؤلف ييئسون ولكنه تفسير فيه شيء من القصور لأن القنوط ليس اليأس بل هو أشد اليأس لأن اليأس إذا كان به شيء من الرجاء لا يسمى قنوطا وإن سمى يأسا لكن إذا بلغ اليأس غايته سمي قنوطا وقد قال الله تعالى عن إبراهيم (( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون )) الجاهلون بما لله عز وجل من الحكمة بما يجرى على عباده من الضراء والسراء يقول المؤلف ومن شأن المؤمن أن يشكر عند النعمة ويرجوا ربه عند الشدة وعلى هذا فتكون الآية في الكفار نعم