تفسير قول الله تعالى : << و مآءاتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله و مآءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولآئك هم المضعفون >> حفظ
(( وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله )) لما أمر الله تعالى بإيتاء ذا القربى حقه (( وآت ذا القربى حقه والمسكين ...)) إلى آخره حذر من هذا الأمر (( وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس )) الربا في اللغة الزيادة لقوله تعالى (( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت )) أي علت ومنه الربوة للمكان المرتفع أما في الشرع فالربا المحرم هو زيادة في أشياء أو نسئ في أشياء يعني الماده يزيد فيها كما لو باع صاعا بصاعين من البر صاعا من البر بصاعين من ولو يدا بيد فهو ربا إذا فضل أو باع دنانير بدراهم مع تعطيل القبض فهذا ربا نسيئة وكلاهما محرم وأما الربا هنا في الآية (( وما آتيتم من ربا )) فالمراد به الزيادة فهو ربا لغوي هذا هو الذي عليه جمهور المفسرين فقوله (( وما آتيتم )) أى وما أعطيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وكيف أعطيتم من ربا فسره المؤلف بقوله بأن يعطي شيئا هبة أو هدية ليطلب أكثر منها تعطي لشخص لأجل يعطيك أكثر أو تهبه من أجل أن يرد عليك أكثر مما وهبت الآن آتيت شيئا ليرد عليك أكثر منه نقول هذا آتيك ربا لكن إذا قال قائل أنا ما أعطيته له أنا أعطيته شيئا حصل به الربا أجاب المؤلف عن هذا فسمي باسم المطلوب من الزيادة في المعاملة فيكون هذا الذي أعطى ليعطى أكثر كأنه أعطى ربا لأنه أعطيه هذا ما عليه أكثر المفسرين وعلى هذا فيكون الربا هنا لغويا أم شرعيا ؟ لغويا نعم وهنا قال المؤلف ربا أو هدية الفرق بين الربا والهدية أن الهبة يقصد بها مجرد الإحسان إلى المعطى فقط والهدية يقصد بها التودد والإكرام هذا الفرق بينهما ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام ( تهادوا تحابوا ) فيه شيء ثالث يسمى صدقة ايش يقصد به ؟ ثواب الآخرة فما يقصد به ثواب الآخرة فهو صدقة وما يقصد به التودد والإكرام فهو هدية وما يقصد به نفع المعطى فهو ربا نعم قال (( وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس )) كأن الله عز وجل حذر من أن يؤتي الإنسان أحد من ذوي القربى أو المساكين أو ابن السبيل لازم يعطى حقه قال (( فلا يربوا عند الله )) أي فلا يزيد عند الله عز وجل لأن هذه الحالة حال دنيا نازلة ولهذا نهى الله عنها فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم في قوله (( ولا تمنن تستكثر )) يعني لا تعطي لأجل أن تعطى أكثر فلما كانت هذه الحال نازلة قال هنا (( فلا يربوا عند الله )) قال ليربوا في أموال الناس المعطين أي يزيد فلا يربوا فلا يعني فلا يزيد وقال المؤلف يزكوا عند الله أي لا ثواب فيه للمعطين وذلك لأنها حال لا تنبغي فلا يكون فيها أجر عند الله عز وجل هذا ما ذكره المفسرون في تفسير هذه الآية ورووه عن ابن عباس وغيره وعندي أنه يحتمل في الآية معنى آخر يقول (( وما آتيتم من ربا )) الربا الشرعي ويخاطب الله عز وجل المعطين للربا يعني أن الربا الذي تعطونه غيركم وإن كان يزيد في أموالهم فإنه نعم لا يربوا عند الله بل إنه على العكس يحصل به النحس يستحسر المال الطيب نعم فلا خير فيه ويؤيد ذلك قوله (( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون )) ففرق بين المراد وبين المتقدم كما أن الله عز وجل يقرن بينهما في بعض الآيات مثل ما ذكر في سورة البقرة ذكر الله الإنفاق وذكر بعده الربا وكذلك أيضا في سورة آل عمران (( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون )) (( واتقوا النار التي أعدت للكافرين )) (( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون )) (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ....)) وذكر من جملة أوصافهم أنهم ينفقون في السراء والضراء ولكن هذا الاحتمال حتى الآن ما رأيت أحدا قال به وإنما يقولون بالمعنى الأول المعنى الأول فهمناه جيدا هو أن يعطي الإنسان شيئا هبة أو هدية ليعطى أكثر فإن هذا وإن زاد في أموال المعطين فإنه ليس فيه زيادة عند الله لأنه خلق مذموم .
الطالب :....
الشيخ :لكن لو قال قائل ما تقولون إذا أهدينا إلى شخص معروف بالمكافأة والبذل وأنا ما قصدت فهل يجوز أم لا ؟ ما دام أنك ما قصدت فإنه لا يضر الإهداء للأمراء والوزراء والملوك وما أشبههم يدخل في هذا النهي ؟ هو غالب الذين يهدون للملوك والكبار من الأمراء غالب الذين يهدون إنما يريدون الزيادة يريدون أكثر نعم ولهذا إذا عرف الإنسان بأنه لا يعطي إلا مثل القيمة أو دونها ما فائدة الهدايا ما يعطى هدايا فلا يعطى هدايا إلا من عرف أنه يبذل أكثر ويرد أكثر قال (( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله )) قال وما آتيتم ، آتيتم يعني أعطيتم من زكاة من هذه حرف جر وهي بيانية بيان لما في قول وما آتيتم وما هنا إعرابها ظرفية بدليل قوله (( فأولئك هم المضعفون )) فارتبطت الفاء بالجواب يعني ومهما آتيتم من زكاة بهذا القيد تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون وقوله (( من زكاة )) قال المؤلف صدقة وفي هذا القيد نظر إن قصد بها صدقة التطوع أما إن قصد بها الصدقة مطلقا فنعم لأن الصدقة تطلق على الواجب والمستحب ويش الدليل على إطلاقها على الواجب ؟ (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين )) وهذا الواجب والمستحب إذن يقول من زكاة المراد بها الزكاة الواجبة بالمعنى الأول كيف نحولها إلى صدقة على أن المراد بها تطوع ؟ والصواب أن المراد بالزكاة هي الزكاة الواجبة لأنها مراده عند الإطلاق أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ايش المراد الواجبة إذن ما آتيتم من زكاة أي من صدقة واجبة نعم .
الطالب :....
الشيخ أي نعم هذه ما تدل على الفرض هذه تدل على الأجر فقط مع أن الصحيح أن الزكاة المفروضة بمكة لكن تقديرها وابتدائها هو الذي كان بالمدينة هذا هو الصحيح وقوله (( تريدون وجه الله )) نعم قلنا من زكاة من هذه بيانية بيان لما الشرطية وقوله (( فأولئك هم المضعفون )) .
الطالب :.... تريدون بها وجه الله وله هي صفة ؟
الشيخ : أي نعم (( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله )) يعني تريدون بهذه الزكاة التي آتيتم تريدون وجه الله هذه الجملة شرط للثواب والأجر أن يريد الإنسان وجه الله لأن من لا يريد وجه الله إما أن يريد وجه غيره أو أن لا يريد شئا نعم إذا أراد وجه غيره فليس له أجر بل عليه وزر لأنه مرائي مشرك فلا تقبل منه وإن لم يرد وجه الله ولا غيره لكنه أراد إبراء ذمته فقط نعم كما هو غالب من يؤدي الزكاة بل الله يعاملنا بعفوه غالب من يؤدي حق الصلاة أكثر الناس عندما يصلى .... يريد إبراء ذمته ما يشعر بأن هذه الصلاة تقربه من الله عز وجل ويريد القرب بها إلى الله هذا غالب الناس إلا من وفق وصار ينتبه عند فعل الطاعات لإرادة وجه الله وهو الإخلاص وإتباع الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه العبادة الذي لا أراد وجه الله ولا أراد وجه غيره وإنما أراد بها إبراء ذمته تنفعه ولا لا ؟ تنفعه بلا شك وتبرأ بها ذمته وربما يؤجر لقيامه لركن من أركان الإسلام بل يقين يؤجر ولكن ربما يؤجر أيضا بكونه يشعر بأن هذا مما أوجب الله عليه فيؤديه لأن هذا لا شك أنه تعبد لله من فعله تعبدا لكن كونه يريد بذلك وجه الله والتقرب إليه هذه حالة أعلى من كونه يريد مجرد إبراء ذمته وقوله (( وجه الله )) المراد به المؤلف يقول (( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله )) ما فسرها ولكنه فسرها بالآية التي قبلها بأنها ثواب (( تريدون بها وجه الله فأولئك هم المضعفون )) في إثابتهم بما أرادوه نعم فالصواب أن المراد بوجه الله ذات وجه الله لا ثوابه نعم وفيه إشارة كما سبق إلى رؤية المؤمنين ربهم.
الطالب : هل هنا قدرنا محذوفا ...
الشيخ : لا نقدر شيء الآية ما تحتاج لتقدير .
الطالب : تريدون رؤية الله ؟
الشيخ : لا ما هذا تريدون وجه الله نعم وقوله (( فأولئك هم المضعفون )) هذا جواب الشرط فأولئك هم ضمير فصل والمضعفون خبر أولئك ومعنى المضعفون أي الحاصلون على التضعيف لأن الفعل الثلاثي إذا دخلت عليه الهمزة فقد يراد به الدخول في الشيء نعم مثل قولهم أمدد أي دخل مدا فمعنى أضعف هنا أي صار من ذوي الإضعاف والإضعاف معناه الزيادة يعني أولئك هم المضعفون الذين حصلوا على مضاعفة الأجر والثواب بخلاف الأولين الذين أرادوا أن يربوا في أموال الناس فهذا ليس بزيادة الزيادة الذين آتوا الزكاة يريدون وجه الله هؤلاء هم المضعفون أي الداخلون في الإضعاف مضاعفة فأولئك هم المضعفون قال المؤلف المضعفون ثوابا يعني الذين يضاعفون وزادوه بما أرادوه ثم قال فيه التفات عن الخطاب إلى الغيبة وما الخطاب (( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله )) هذا خطاب وكان مقتضى السياق لو كان على نسق واحد أن يقال أنتم المضعفون ولكن قال (( فأولئك هم المضعفون )) وفائدة الالتفات كما قلنا فيما سبق التنبيه من جميع الاستفادات.