قال الله تعالى : << ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون >> حفظ
(( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس )) ظهر بمعنى بان واتضح وقوله (( الفساد )) ضد الصلاح وهو من كل شيء بحسبه ففساد الزروع بيبسها وتلفها بالعواصف والأمطار المغرقة والبرد المتلف وكذلك فساد المواشي بهلاكها ومرضها وفساد الثمار بنقصها وما أشبه ذلك المهم الفساد في كل شيء بحسبه وهل الفساد هنا يراد به الفساد الحسي أو يشمل الفساد الحسي والمعنوي ؟ الصحيح أنه يشمل الفساد الحسي والمعنوي الحسي ما ذكرنا أمثلته قبل والمعنوي هو كثر المعاصي والفسوق وانتشارها بين الناس وعدم المبالاة بها حتى يصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا فإن هذا من أعظم الفساد قال الله تعالى (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )) قال العلماء لا تفسدوها بالمعاصي نعم وقوله ،(( في البر والبحر )) يقول المؤلف البر القفار أي الفيافي الخارجة عن المدن والسكان هذا البر وقيل المراد بالبر ما ليس ببحر فيشمل المدن والأمصار والقفار وغيرها وقوله بقحط المطر وقلة النبات والبحر أي البلاد التي على الأنهار لقلة مائها فمشى المؤلف رحمه الله على أن المراد بالبر نعم ما سوى العمران والمراد بالبحر العمران الذي على شواطئ البحار وبهذا قال كثير من المفسرين ولكن الصواب أن المراد بالبر ما سوى البحر والمراد بالبحر الماء لأن ما ذكرناه هنا أعم مما ذكره المؤلف وغيره وهو الأظهر أيضا فإن البحر إذا أطلق في القرآن ايش يراد به ؟ يراد به الماء ففساد البر كما قال المؤلف بالقحط وقلة النبات وفساد النبات أيضا بعد وجودهما ولهذا أرسل الله على آل فرعون أرسل الله عليهم الجراد والقمل والضفادع والدم أربع آفات الجراد نعم يفسد الزروع بعد خروجه ويأكله القمل يفسد الحبوب إذا حصد وأرسل جاءه القمل وهو السوس الذي يتلفه والضفادع بماذا ؟ بالماء امتلأت مياههم ضفادع حتى إن الإنسان ما يستطيع أن يشرب من الماء والعياذ بالله الماء من الضفادع والدم الصحيح أن المراد به النزيف وإن كان بعض العلماء يقولون أن المراد بالدم أن الماء يكون عند آل فرعون كالدم والصواب أنه النزيف لأن الله ذكر إفساد الماء بماذا ؟ بالضفادع فكان القوت من أوله إلى آخره وغايته وهو الدم لأن الدم يكون من القوت فصارت الأقوات والعياذ بالله لا تنفعهم لا قبل دخولها أجوافهم ولا بعد الدخول .
الطالب : القمل يا شيخ القمل ؟
الشيخ : لا ، لا القمل ما يكون من السوس في القوت تجدونه عند الخيش هذي عبارة عن دودة تكون في الحبوب فتفسدها وتأكلها نعم المهم هذا من الفساد في البر الفساد في البحر بماذا ؟ قال العلماء يكون بموت الحيتان وفسادها وكذلك تغير المياه وعدم إضرارها كالعادة هذا من الفساد في البحر وقوله (( بما كسبت أيدي الناس )) بما كسبت الباء للسببية و ما يحتمل أن تكون مصدرية ويحتمل أن تكون موصولة إذا كانت موصولة فلا بد لنا من عائد محذوف والتقدير بما كسبته أيدي الناس وإن كانت مصدرية ما تحتاج إلى عائد ويكون المعنى بكسب أيدي الناس وقوله (( بما كسبت أيدي الناس )) قال المؤلف من المعاصي وأيدي الناس جمع يد والمراد ما كسبوا وهذا من أساليب اللغة العربية أن يعبر باليد عن صاحب اليد وليس المراد ما كسبته اليد فقط لأن المعاصي ما تكون بالأيدي فقط تكون باليد وبالرجل وبالعين وباللسان وبالأذن جميع الحواس كل الحواس يمكن للإنسان أن يعمل بها المعصية فيكون المراد بالأيدي هنا الأنفس لا اليد التي هي عضو من أعضاء البدن .
الطالب : يكون هذا مجاز يا شيخ ؟
الشيخ : لا ما هو مجاز لأنها بسياقها دالة على أن المراد ما كسبوه فلا تكون مجازا أما قوله تعالى (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم ....ٌ )) فالمراد بأيديهم الأعضاء فالكلمة في سياقها حقيقة في معناها ولهذا لو أراد أحد أن يصرف قوله (( أن تقطع أيديهم )) إلى أن المعنى أو تقطع أبدانهم ما استطاع كما أنه لو أراد أن يجعل بما كسبت أيدي الناس بما كسبت اليد نفسها فقط دون بقية الأعضاء ما استطاع وهذا هو وجه قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا مجاز في القرآن ولا في اللغة العربية لأنه إذا كانت الكلمة قد تعين معناها بسياقها صارت بمقتضى هذا السياق حقيقة في هذا المعنى وحينئذ ما نحتاج إلى تأويل وقوله (( الناس )) تقدم لنا مرارا وتكرارا أن أصلها أناس لكنها حذفت الهمزة للتخفيف كما هي في قوله شر وخير وأصلها أشر وأخير وكما هي في قوله الله فإن أصله الإله نعم هكذا قيل في الله وفي النفس في هذا شيء قال (( لنذيقهم بالياء والنون بعض الذي عملوا )) لنذيقهم اللام هنا للتعليل وما هو المعلل ؟ المعلل متعلق بهذه اللام واللام متعلقة بماذا ؟ بظهر هذا هو المعلل ظهر لكذا أي لأجل أن يذيقهم وفيها قراءتنا سبعيتان وهي لنذيقهم مضاف فيها الفعل لله عز وجل أو ليذيقهم مضافا فيها الفعل إلى ضمير الغائب ومع ذلك فإن هذا الغائب يعود إلى من ؟يعود إلى الله سبحانه وتعالى وقوله (( ليذيقهم )) يعبر دائما بالإذاقة عن الإدراك لأن الذوق هو أعلى أنواع الإدراك الحسي فإن الإنسان يسمع بالشيء ثم يراه ثم يذوقه أقول لك عندي تفاح إدراكك للتفاح الآن بالسماع ثم أخرجه وأريك إياه يكون بالرؤيا أيهما أقوى ؟ الرؤيا أقوى من السماع ثم أعطيكها فتأكلها ايش يصير هذا ؟ بالذوق الذوق وهذا أعلى ما يكون لأني لو قلت عندي تفاحة ولا شفتها أنت يحتمل أن قولي هذا كذب وإذا أريتك إياها ولكن ما ذقتها يحتمل أن يكون نباتا آخر يشبه التفاحة ويحتمل أن تكون من التفاح الصناعي الذي يصنعونه من البلاستيك وتشاهده تقول تفاح حقيقي فإذ ذقتها صارت حق اليقين ولهذا يعبر الله عز وجل دائما عن الإصابة بالإصابة لأنها أعلى أنواع الإدراك وقوله (( بعض الذي عملوا )) أي عقوبتهم لأن الذي عملوا غير الفساد الظاهر في البر والبحر ولكن الفساد هو عقوبته لكن يقول قائل لماذا عبر عن العقوبة بالفعل ؟ نقول عبر عن العقوبة بالفعل بعض الذي عملوا لسببين السبب الأول أو لوجهين الوجه الأول بيان سبب هذه العقوبة الوجه الثاني أن هذه العقوبة بقدر العمل تماما ولذلك عبر عنها بالعمل إشارة إلى أنها بقدر ليس بها ظلم وهذا كثير في القرآن يعبر الله تعالى عن العقوبة بالفعل من أجل هذين الوجهين الوجه الأول بيان أن سبب العقوبة هذا العمل والثاني أن العقوبة بقدر العمل وقوله (( بعض الذي عملوا )) يعني لا كله أي نعم لا كل لأن الله يقول (( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ... )) وقال (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )) وهذا حق لو أن الله تعالى أخذ الناس بقدر ذنوبهم ما ترك عليها من دابة كان كل الناس يموتون ولا يبقون ولكنه سبحانه وتعالى يصيبهم ببعض ذنوبهم ببعض الذنوب فقط الحكمة قال (( ليذيقهم بعض الذي علموا لعلهم يرجعون )) يتوبون ولعل هنا للتعليل وكلما جاءت لعل في كلام الله فإنها للتعليل نعم أو توقع الشيء إن كان من المتوقع أي لأجل أن يرجعوا إلى الله عز وجل وهذه من حكم الله أن الله تعالى يبتلي العباد بالضراء لأجل أن يرجعوا إلى الله وكم من إنسان صارت عقوبته بالضراء سببا لرجوعه إلى ربه بل إنها أحيانا تكون سببا مباشرا (( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين )) هذا هو الرجوع لكنهم والعياذ بالله إذا نجوا عادوا إلى كفرهم لعلهم يرجعون