تفسير قول الله تعالى : << و من ءاياته أن يرسل الرياح مبشرات و ليذيقكم من رحمته و لتجري الفلك بأمره و لتبتغوا من فضله و لعلكم تشكرون >> حفظ
الشيخ : ومن آياته تعالى من للتبعيض وآياته مجرور بمن وأن يرسل الرياح هذه فعل مؤول بالمصدر وهو المبتدأ أي من آياته إرسال الرياح مبشرات حال من الرياح يقول الله عز وجل في هذه الآية(( من آياته )) أي بعض آياته يعني من هنا للتبعيض وذلك لأن آيات الله عز وجل لا يمكن إحصائها ولا حصرها ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد كل شيء لو أراد الإنسان أن يحصي آيات الله عز وجل التي في جسمه هو فقط ما استطاع إلى ذلك سبيلا فكيف بآيات الله سبحانه وتعالى التي ملأت الكون ولهذا تأتي من الدالة على التبعيض وقوله (( آياته )) أي علاماته واعلم أن كل آية فإنها تدل على العلم وتدل على القدرة وتدل على الحكمة هذا لا بد منه لا بد من ذلك في كل آية أنها تكون آية علامة على هذه الأمور الثلاثة العلم والقدرة والحكمة ثم تختص بعض الآيات بما تختص به أن تكون مثلا بعدها رحمة أو بعدها شيء يدل على السلطان والعظمة المهم أن لكل آية شيء خاص وشيء عام فالشيء العام هو هذه الثلاثة العلم والقدرة والحكمة أن يرسل الرياح مبشرات يضاف إلى هذه الثلاث الرحمة لأن هذه الرياح تبشر بالمطر وقوله (( أن يرسل الرياح )) والإرسال بمعنى الإطلاق ومنه قول الشاعر فأرسلها العراك يعني أطلقها ومنه قول القرويين دين مرسل يعني مطلق ليس به رهن يرسل الرياح أي يطلقها سبحانه وتعالى والرياح جمع ريح وهي الأهوية واعلم أن الريح تذكر مفردة وتذكر مجموعة فإذا ذكرت مجموعة فإنا تكون غالبا للرحمة وإذا ذكرت مفردة فإنها تكون غالبا للعقاب أهلكوا بريح صرر عاتية (( إذا أرسلنا عليهم الريح العقيم )) (( ريح فيها عذاب أليم )) وما أشبه ذلك ولكنها أعني الريح قد تفرد وتكون في مقام النعمة لاسيما إذا وصفت بما يدل على ذلك كما في قوله تعالى (( وجرين بهم بريح طيبة )) هنا الريح عقوبة ولا نعمة ؟ نعمة وإنما كانت نعمة لأنها وصفت طيبة وأيضا بالنسبة للسفن هل الأولى اختلاف الرياح أو اتحاد الرياح أو اتحاد الريح ؟ اتحادها لأنها إذا اختلف سير السفينة فيما سبق لما كانت السفن سفن شراعية هنا الرياح في مقام النعمة ولهذا كمل جمعت الرياح مبشرات حال من الرياح أى تبشر بالخير ولهذا بعض الرياح إذا هبت استبشر الناس لأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة أن هذه الريح المعينة يتكون منها السحاب ثم المطر وأحيانا يستبشرون بالريح إذا رأوها تجمع السحاب تجمعه وتكففه استبشروا بها وقوله (( مبشرات )) البشارة هي الإخبار بما يسر غالبا وسميت بشارة لأنها تؤثر على البشرة فالإنسان إذا استبشر ينير وجهه ويسفر وتجد عليه علامة البشرى وقد تطلق البشارة بما يسوء كقوله تعالى (( فبشرهم بعذاب أليم )) مبشرات قال بمعنى لتبشركم بالمطر المؤلف رحمه الله فسر اسم الفاعل بالفعل المعلل وقال بمعنى لتبشركم لأجل أن يسهل العطف في قوله (( وليذيقكم )) من رحمته لأن مبشرات وليذيقكم يجد الإنسان بينهما فجوة هذه الفجوة أراد المؤلف أن يقربها بقوله بمعنى ليبشركم بها ولكن الصحيح عندي أن مبشرات على حالها تعتبر اسما ولكننا نقدر فعلا يناسب ما بعده لأجل أن يصح عطف الفعل عليه والذي أرى أن يقدر لتستبشروا بها مبشرات لتستبشروا بها وليذيقكم من رحمته أو نجعل لتبشركم كما قال المؤلف ما نجعلها بمعنى مبشرات بل نجعلها فعلا مستقلا قدرناه ليصح العطف في قوله (( وليذيقكم من رحمته )) وقوله (( وليذيقكم )) بها من رحمته المطر والخصب تقدم لنا أن الله تعالى يعبر عن الإصابة بالإذاقة لأنها أعلى أنواع الإصابة وأبلغها وليذيقكم بها من رحمته يقول المطر والخصب ففسر الرحمة بأثرها وعلى هذا فتكون الرحمة في هذه الآية مخلوقة ولا صفة من صفات الله ؟ تكون مخلوقة وهذا الذي فسرها به محتمل لأن الله تعالى قد يطلق الرحمة على الشيء المخلوق الذي يكون من آثار رحمته كما ثبت في الحديث الصحيح أن الله قال للجنة ( أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ) ومن المعلوم أنه سبحانه وتعالى لم يرد أنها رحمته التي هي صفته لأن الجنة مخلوق بائن ولكن أراد أنها من أثر رحمته أو مقتضى رحمته فهنا يصح أن نقول وليذيقكم من رحمته أي من هذا المطر والخصب نعم ويكون الرحمة هنا مخلوقة من المخلوقات ويحتمل أن تكون الرحمة.