تفسير قول الله تعالى : << و لقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجآءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين >> حفظ
(( ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا ... )) إلى آخره اللام في قوله ولقد موطئه للقسم يعني أنها جواب لقسم محذوف والتقدير والله لقد وبهذا نعرف أن الجملة هنا مؤكدة بثلاثة أمور وهي القسم واللام وقد (( ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم )) من المشهور المعروف عند أهل العلم أن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه لأنه مرسل وهذا الصنف من الناس هو أعلى أنواع الأصناف من بني آدم من أعلى الأنواع ويليهم الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون فأعلى أجناس البشر الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنهم جمعوا بين الاختصاص بالرسالة والعبادة (( والله أعلم حيث يجعل رسالته )) ما يعطي الرسالة إلا لمن هو أهل لها فأحق الناس بالرسالة بلا شك هم هؤلاء الأعيان الذين أرسلهم الله عز وجل ولا يمكن أن يكون أحد من الناس أحق منهم بها وبهذا نعرف ضلال بل وكفر من قالوا أن علي بن أبي طالب أحق بالرسالة من محمد صلى الله عليه وسلم نعم لأنهم في ذلك طعنوا في الله عز وجل ونسبوه إلى ما لا يليق به لأنه إذا كان أعطى الرسالة لمحمد وعلي أولى بها فهو إما جاهل بالأحقية وإما غير مريد بإعطاء الحق أهله وكلا الأمرين بالنسبة إلى الله محال وممتنع وأي أحد يصف الله بهذا أو بما يستلزم هذا فإنه كافر بلا شك إذن الرسل عليهم الصلاة والسلام هم أشرف الخلق أشرف أصناف الخلق وهم أحق الناس بالرسالة بلا شك ولا أحد أحق منهم ويوجد والعياذ بالله بعض الناس من الفلاسفة يرون أن الرسل من آخر مراتب الخلق ويقولون إن الولي أفضل من النبي و النبي أفضل من الرسول لأن الولي خاص الخاصة ولي على اسمه والنبي له مزية في الوحي والرسول بمنزلة الخادم الذي في البيت يرسل ليشتري الحوائج شوف والعياذ بالله الضلال ويقولون فيما يقولون " مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي " والعياذ بالله مقام النبوة في برزخ فويق الرسول يعني فوق الرسول شوية وبالنسبة للولي دون الولي دون الولي بعيد عن الولي وعلى هذا تكون رتبة الولاية عندهم أعلى شيء وهذا لا شك أنه كفر بل نقول إن مقام الرسالة فوق كل شيء ثم النبوة ثم الولاية لأن الرسول جامع بين الرسالة والنبوة والولاية أليس كذلك ؟ والنبي له النبوة والولاية والولي له الولاية دون النبوة والرسالة ومعلوم أن من اتصف أنه كلما ازدادت صفة الكمال في شخص كان أكمل من غيره نعم (( ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم)) والقوم هم الطائفة الذين ينتسب إليهم الإنسان لأن بهم قوامه فهو يقوم بهم وهم به يقومون وقوله إلى قومهم لأنه ما من رسول أرسل سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ورسالته خاصة كما ثبت في لحديث الصحيح حديث جابر ( وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ) إلى قومه فجاءوهم الفاعل للرسل والمفعول للقوم فحاؤوهم بالبينات بالحجج الواضحات على صدقهم في رسالتهم إليهم فكذبوهم قوله (( بالبينات )) هل المراد البيان المعلوم أنها الواضحات لكن هل المراد بالبيات هنا ما يبين صدق رسالتهم فيكون المراد بها المعجزات التي أيدوا بها أو المراد بالبينات أي بالشرائع البينات الظاهرة التي كل ما استقرأها عرف أنها من عند الله أو المراد الأمران ؟ المراد الأمران فالرسل أتوا بالآيات البينات التي تؤيدهم وتدل على صدقهم وأتوا أيضا بالبينات بالشرائع البينة الظاهرة التي يعلم أنها من عند الله عز وجل نعم فالباء إذن في قوله (( بالبينات )) تكون للمصاحبة يعني أرسلوا رسالة مصحوبة بالبينات نعم أو للاختصاص على القول بأن المراد بالبينات الشرائع وهذا من حكمة الله عز وجل ورحمته أن الله ما أرسل رسولا إلا أيده بآية من حكمته ورحمته لأنه لو جاء الرسول بدون آية إلى الناس وقال أنا رسول الله بدون آية يقبلون ولا لا ؟ من طبيعة البشر ألا يقبل حتى يعرف كما أنه لو جاء واحد من الناس وقال ترى أنا عالم عندي علم من الشرع والتفسير يقول أي شيء تطلبونه من التفسير يأتيكم تطيعونه ولا لا ؟ أبدا لا يطيعونه حتى يمتحنوه ويسألونه نعم كيف نعرف بالذي يدعي بالذي يوحى إليه ؟ لا يقبل إلا إذا جاء بآية فهذا من حكمة الله من رحمته أيضا بألا يعاقب أحد بذنب بدون حجة لأنه لو أرسل الرسل بدون آيات وكذبهم الأمم نعم لكانوا معذورين بالتكذيب لعدم وجود الآية وقد لا يعذرون لأنهم يجب عليهم أن يستسلموا لكن من رحمته أن جعل الآيات معهم ليطمئن الناس إليهم ويؤمنوا بهم عن اقتناع وقوله (( ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم )) من قبلك رسلا ربما يستفاد من كلمة من قبلك إلى أنه لا رسول بعده وهذا سنذكره إن شاء الله تعالى في الفوائد ونناقش هذه الفائدة فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا فانتقمنا الانتقام هو الأخذ بالعقوبة الانتقام هو الأخذ بالعقوبة وهذا من فعل الله وليس من أسماءه ولهذا الحديث الذي فيه ولله الأسماء الحسنى وهي مدرجة ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها أن من أسمائه المنتقم وليس من أسمائه من هو أوصافه وأفعاله ولهذا ما جاء مطلقا قال (( إنا من المجرمين منتقمون )) فهو فعل وقوله (( فانتقمنا من الذين أجرموا )) ما هو الإجرام ؟ الإجرام فعل الجرم والجرم كل ما يكون سببا في الإثم هو جرم هنا الكفر وكل من الآيات الكريمة (( فانتقمنا من الذين أجرموا ))أن من لم يجرم لم ينتقم منه ولهذا قال (( وكان حقا علينا نصر المؤمنين )) كان حقا علينا نصر ، نصر ويش إعرابها ؟ اسم كان أين خبرها ؟ حقا نعم (( وكان حقا علينا نصر المؤمنين )) هذا أحسن ما يكون في إعراب الآية وأوجه ما يكون وأسهل ما يكون وإلا ففيه أوجه أخرى قوله (( وكان حقا علينا )) الحق بمعنى الشيء الثابت اللازم نصر المؤمنين بما يجب الإيمان به من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره فأوجب الله عز وجل على نفسه أن ينصر المؤمنين أوجب كان حقا علينا ضمان من الله عز وجل نصر المؤمنين بماذا نصر المؤمنين ؟ نصر المؤمنين أي منعهم من أعدائهم وذلك بأن نجعل لهم من النصر الحسي والمعنوي حتى تكون العاقبة لهم وهذا كقوله تعالى (( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد )) فإن قال قائل هذا الحق الذي التزم الله به قد يشكل علينا أن الله تعالى يخذل المؤمنين أحيانا كما في أحد مثلا فإن النصر في أحد لمن ؟ لقريش أتباعهم فما هو الجواب عن هذه الآية ؟ نقول إن الجواب أن نصر قريش على الرسول صلى الله عليه وسلم ليس نصرا دائما كانت العاقبة فيه لهم بل إن هذا في الحقيقة من نصر المؤمنين عليهم وإذا شئت أن يتبين لك ذلك فاقرأ ما أعل الله به هذه العزوة في سورة آل عمران من جملة ما ذكر من الحكم (( ويمحق الكافرين )) يمحق الكافرين إذن فهو نصر لجلبهم لأنهم لو هزموا في هذا المقام ما قاموا ولا حاربوا لكن إذا صار لهم شيء من النصر فإن ذلك يغريهم بالقتال حتى تكون العاقبة للمؤمنين ويبيدهم الله عز وجل ومنها أيضا نصر المؤمنين على أنفسهم لأنهم ما أتاهم ما أتاهم في أحد إلا بسبب مخالفتهم كما قال تعالى (( وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون )) فهم هنا يعرفون قدر المعصية وأنه يفوت بها من المحبوب .... الحاصل أن هذه الآية على بابها أن الله تعالى ينصر المؤمنين حقا عليه أوجبه هو بنفسه على نفسه كما في قوله (( كتب ربكم على نفسه الرحمة ))