القراءة من قول المصنف مع التعليق عليه ومقابلة النسخ: " ومن زعم من النحاة أنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا باعادة الجار ، فإنما قاله لما رأى غالب الكلام بإعادة الجار ، وإلا فقد سمع من الكلام العربي - نثره ونظمه - العطف بدون ذلك كما حكى سيبويه : " ما فيها غيره وفرسه " ، ولا ضرورة هنا ، كما يدعى مثل ذلك في الشعر ، ولأنه قد ثبت في الصحيح أن عمر قال : " اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا " فيسقون . وفي النسائي والترمذي وغيرهما : حديث الأعمى الذي صححه الترمذي وغيرهما : " أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يدعو الله أن يرد بصره فأمره أن يتوضأ فيصلي ركعتين ويقول : " اللهم إني أسألك ، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد ، يا نبي الله إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضيها اللهم فشفعه في " فدعا الله ، فرد الله عليه بصره . والجواب عن هذا أن يقال : أولا : لا ريب أن الله جعل على نفسه حقا لعباده المؤمنين ، كما قال تعالى { وكان حقًا علينا نصر المؤمنين } ، وكما قال تعالى { كتب ربكم على نفسه الرحمة } ، وفي الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل وهو رديفه : " يا معاذ ، أتدري ما حق الله على عباده ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : " حقه عليهم أن يعبدوه ، ولا يشركوا به شيئا . أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " حقهم عليه أن لا يعذبهم " فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق . وقد اتفق العلماء على وجوب ما يجب بوعده الصادق ، وتنازعوا : هل يوجب بنفسه على نفسه ؟ على قولين . ومن جوز ذلك احتج بقوله سبحانه : { كتب ربكم على نفسه الرحمة } ، وبقوله في الحديث الصحيح : " إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما " ، والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر . وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى ، والتحريم بالقياس على خلقه ، فهذا قول القدرية ، وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول ، وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء ومليكه ، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئا ، ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب ، قال : إنه كتب على نفسه ، وحرم على نفسه ، لا أن العبد نفسه يستحق على الله شيئا ، كما يكون للمخلوق على المخلوق ؛ فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير فهو الخالق لهم وهو المرسل إليهم الرسل ، وهو الميسر لهم الإيمان ، والعمل الصالح . ومن توهم من القدرية والمعتزلة ونحوهم أنهم يستحقون عليه من جنس ما يستحقه الأجير على من استأجره ؛ فهو جاهل في ذلك . حفظ
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد : فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في اقتضاء الصراط المستقيم : " ومن زعم من النحاة أنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار، فإنما قاله لما رأى غالب الكلام بإعادة الجار، وإلا فقد سمع من الكلام العربي - نثره ونظمه - العطف بدون ذلك كما حكى سيبويه: ما فيها غيره وفرسِه، ولا ضرورة هنا، كما يدعى مثل ذلك في الشعر، ولأنه قد ثبت في الصحيح أن عمر قال : ( اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ) فيسقون. وفي النسائي والترمذي وغيرهما : حديث الأعمى الذي صححه الترمذي : ( أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يدعو الله أن يرد بصره عليه، فأمره أن يتوضأ فيصلي ركعتين ويقول ) ".
الشيخ : عندي ويصلي.
القارئ : أشار إليها.
الشيخ : نسخة ؟
القارئ : نعم، في ط و ب: ويصلي.
الشيخ : نعم.
القارئ : " ( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، يا نبي الله، إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضيها، اللهم فشفعه في، فدعا الله، فرد الله عليه بصره ). والجواب عن هذا "
الطالب : ليقضيها، أتوجه بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها
الشيخ : إني أتوجه بك إلى الله
الطالب : في حاجتي ليقضيها
الشيخ : ليقضيها، أنا عندي ما هي مشكولة، عندك بالتاء.
القارئ : بالتاء
الشيخ : ولا أشار إلى نسخة؟
القارئ : لا ما أشار.
الطالب : الياء مشكلة شيخنا.
الشيخ : كيف؟
الطالب : قضاء الدعاء يكون من عند النبي صلى الله عليه وسلم، المعنى.
الشيخ : إني أتوجه بك إلى الله
الطالب : إلى ربي في حاجتي
الشيخ : إلى الله ولا إلى ربي ؟
الطالب : إلى ربي
الشيخ : في حاجتي
الطالب : لتقضيها، لو قلنا ليقضيها مشكل
الشيخ : ليقضيها مشكل ؟! لتقضيها هي المشكلة بالعكس.
القارئ : أصحح نسختي يا شيخ؟
الشيخ : على كل حال إذا قلنا ليقضيها يعني الله عز وجل، إذا قلنا لتقضيها أي لتدعو الله أن يقضيها، فيه تأويل، على كل يرجع إلى الأصل، الترمذي يُرجع إليه، يرجع إليه من استشكل.
القارئ : " والجواب عن هذا أن يقال : أولا : لا ريب أن الله جعل على نفسه حقا لعباده المؤمنين، كما قال تعالى (( وكان حقًا علينا نصر المؤمنين ))، وكما قال تعالى ((كتب ربكم على نفسه الرحمة )) ".
الشيخ : يعني قصد شيخ الإسلام (( كتب ربكم على نفسه الرحمة )) إلى آخر الآية (( أنه من عمل منكم سوءً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم )) يعني الرحمة بكم إذا فعلتم ذلك. نعم.
القارئ : " وفي الصحيحين : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل وهو رديفه: يا معاذ، أتدري ما حق الله على عباده ؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال : حقه عليهم أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً. أتدري ما حق العباد ) "
الشيخ : عندكم ولا يشركوا ولا لا يشركوا ؟
الطالب : لا يشركوا
الشيخ : بالواو؟
الطالب : بدون واو.
الشيخ : بدون واو، أنا عندي بدون واو. نعم.
القارئ : " ( أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال : حقهم عليه أن لا يعذبهم ). فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق.
وقد اتفق العلماء على وجوب ما يجب بوعده الصادق، وتنازعوا : هل يوجب بنفسه على نفسه ؟ على قولين. ومن جوز ذلك احتج بقوله سبحانه : (( كتب ربكم على نفسه الرحمة ))، وبقوله في الحديث الصحيح : ( إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما )، والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر.
وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى، والتحريم بالقياس على خلقه، فهذا قول القدرية ، وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول.
وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء ومليكُه، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئاً، ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب، قال : إنه كتب على نفسه، وحرم على نفسه، لا أن العبد نفسه يستحق على الله شيئاً، كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، فهو الخالق لهم، وهو المرسل إليهم الرسل، وهو الميسر لهم الإيمان والعمل الصالح. ومن توهم من القدرية والمعتزلة ونحوهم أنهم يستحقون عليه من جنس ما يستحقه الأجير على من استأجره، فهو جاهل في ذلك ".
الشيخ : إذن لو سألنا سائل هل على الله حق واجب ؟
الجواب: إن أوجبه على نفسه فهو حق، وإلا فلا، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله :
" ما للعباد عليه حق واجب *** هو أجب الأجر العظيم الشان
كلا ولا عمل لديه ضائع *** إن كان بالإخلاص والإحسان "
فيقال أما إن أردت بقولك: هل على الله شيء واجب أننا نوجب على الله شيئاً فلا.
وإن أردت أن الله أوجب على نفسه فهذا حق، لأن الله قال: (( كتب على نفسه الرحمة )) وحرم على نفسه الظلم وهو يفعل ما يشاء.
وهذان البيتان اللذين ذكرهما ابن القيم يقيدان قول الآخر :
" ما للعباد عليه حق واجب *** كلا ولا عمل لديه ضائع "
فإن ما قيده الشيخ ابن القيم رحمه الله هو الصواب، ولهذا قال بعد ذلك:
" إن عذبوا فبعدله *** أو نعموا فبفضله والفضل للمنان ". نعم.
القارئ : " وإذا كان كذلك لم تكن الوسيلة إليه "
الشيخ : فإن قال قائل : أليست حكمة الله توجب ما تقتضيه الحال، لأن الحكمة وضع الشيء في مواضعه ؟
فالجواب: نعم هي كذلك، لكن من يقول إن ما نراه واجباً بمقتضى الحكمة هو مقتضى الحكمة، وهذه مسألة مهمة، وهذا الذي غرَّ القدرية والمعتزلة في قولهم: يجب عليه فعل الأصلح والصالح يعني فيترك الصالح إلى الأصلح ويترك الفاسد إلى الصالح، قالوا: لأن هذا مقتضى الحكمة أن يكون كذلك، لأنه ليس من الحكمة أن يعدل الفاعل عن الأصلح إلى الصلاح، ولا عن الصالح إلى الفاسد.
فيقال هذا أيضاً غلط، لأننا قد نرى أن هذا هو الحكمة، ولكن الحكمة بخلافه، وبذلك ينتفي أن نوجب على الله شيئاً حتى بمقتضى اسمه الحكيم عز وجل، لماذا؟ لأننا لا نعلم الحكمة، قد نقول مثلاً: من الحكمة أن ينزل الله المطر عند الجدب حتى ينتفع العباد والبلاد والبهائم، وليس ذلك في الواقع من الحكمة، أما إذا أوجب الله على نفسه شيئاً فلا بد أن نقول: نعم، واجب على الله أن يفعل هذا لأنه قاله وأوجبه على نفسه.
هذا القول هو القول الوسط بين قولين متضادين:
قول يقول إن الله عز وجل لا يجب عليه شيء أبداً، لا بمقتضى الحكمة ولا غيرها، يفعل لمجرد المشيئة.
وقول آخر مذهب المعتزلة أنه يجب عليه فعل الأصلح عن الصالح، والصالح عن الفاسد، وإلى هذا أشار السفاريني في العقيدة قال :
" ولم يجب عليه فعل الأصلح *** ولا الصلاح ويل من لم يفلح ".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد : فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في اقتضاء الصراط المستقيم : " ومن زعم من النحاة أنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار، فإنما قاله لما رأى غالب الكلام بإعادة الجار، وإلا فقد سمع من الكلام العربي - نثره ونظمه - العطف بدون ذلك كما حكى سيبويه: ما فيها غيره وفرسِه، ولا ضرورة هنا، كما يدعى مثل ذلك في الشعر، ولأنه قد ثبت في الصحيح أن عمر قال : ( اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ) فيسقون. وفي النسائي والترمذي وغيرهما : حديث الأعمى الذي صححه الترمذي : ( أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يدعو الله أن يرد بصره عليه، فأمره أن يتوضأ فيصلي ركعتين ويقول ) ".
الشيخ : عندي ويصلي.
القارئ : أشار إليها.
الشيخ : نسخة ؟
القارئ : نعم، في ط و ب: ويصلي.
الشيخ : نعم.
القارئ : " ( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، يا نبي الله، إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضيها، اللهم فشفعه في، فدعا الله، فرد الله عليه بصره ). والجواب عن هذا "
الطالب : ليقضيها، أتوجه بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها
الشيخ : إني أتوجه بك إلى الله
الطالب : في حاجتي ليقضيها
الشيخ : ليقضيها، أنا عندي ما هي مشكولة، عندك بالتاء.
القارئ : بالتاء
الشيخ : ولا أشار إلى نسخة؟
القارئ : لا ما أشار.
الطالب : الياء مشكلة شيخنا.
الشيخ : كيف؟
الطالب : قضاء الدعاء يكون من عند النبي صلى الله عليه وسلم، المعنى.
الشيخ : إني أتوجه بك إلى الله
الطالب : إلى ربي في حاجتي
الشيخ : إلى الله ولا إلى ربي ؟
الطالب : إلى ربي
الشيخ : في حاجتي
الطالب : لتقضيها، لو قلنا ليقضيها مشكل
الشيخ : ليقضيها مشكل ؟! لتقضيها هي المشكلة بالعكس.
القارئ : أصحح نسختي يا شيخ؟
الشيخ : على كل حال إذا قلنا ليقضيها يعني الله عز وجل، إذا قلنا لتقضيها أي لتدعو الله أن يقضيها، فيه تأويل، على كل يرجع إلى الأصل، الترمذي يُرجع إليه، يرجع إليه من استشكل.
القارئ : " والجواب عن هذا أن يقال : أولا : لا ريب أن الله جعل على نفسه حقا لعباده المؤمنين، كما قال تعالى (( وكان حقًا علينا نصر المؤمنين ))، وكما قال تعالى ((كتب ربكم على نفسه الرحمة )) ".
الشيخ : يعني قصد شيخ الإسلام (( كتب ربكم على نفسه الرحمة )) إلى آخر الآية (( أنه من عمل منكم سوءً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم )) يعني الرحمة بكم إذا فعلتم ذلك. نعم.
القارئ : " وفي الصحيحين : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل وهو رديفه: يا معاذ، أتدري ما حق الله على عباده ؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال : حقه عليهم أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً. أتدري ما حق العباد ) "
الشيخ : عندكم ولا يشركوا ولا لا يشركوا ؟
الطالب : لا يشركوا
الشيخ : بالواو؟
الطالب : بدون واو.
الشيخ : بدون واو، أنا عندي بدون واو. نعم.
القارئ : " ( أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال : حقهم عليه أن لا يعذبهم ). فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق.
وقد اتفق العلماء على وجوب ما يجب بوعده الصادق، وتنازعوا : هل يوجب بنفسه على نفسه ؟ على قولين. ومن جوز ذلك احتج بقوله سبحانه : (( كتب ربكم على نفسه الرحمة ))، وبقوله في الحديث الصحيح : ( إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما )، والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر.
وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى، والتحريم بالقياس على خلقه، فهذا قول القدرية ، وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول.
وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء ومليكُه، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئاً، ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب، قال : إنه كتب على نفسه، وحرم على نفسه، لا أن العبد نفسه يستحق على الله شيئاً، كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، فهو الخالق لهم، وهو المرسل إليهم الرسل، وهو الميسر لهم الإيمان والعمل الصالح. ومن توهم من القدرية والمعتزلة ونحوهم أنهم يستحقون عليه من جنس ما يستحقه الأجير على من استأجره، فهو جاهل في ذلك ".
الشيخ : إذن لو سألنا سائل هل على الله حق واجب ؟
الجواب: إن أوجبه على نفسه فهو حق، وإلا فلا، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله :
" ما للعباد عليه حق واجب *** هو أجب الأجر العظيم الشان
كلا ولا عمل لديه ضائع *** إن كان بالإخلاص والإحسان "
فيقال أما إن أردت بقولك: هل على الله شيء واجب أننا نوجب على الله شيئاً فلا.
وإن أردت أن الله أوجب على نفسه فهذا حق، لأن الله قال: (( كتب على نفسه الرحمة )) وحرم على نفسه الظلم وهو يفعل ما يشاء.
وهذان البيتان اللذين ذكرهما ابن القيم يقيدان قول الآخر :
" ما للعباد عليه حق واجب *** كلا ولا عمل لديه ضائع "
فإن ما قيده الشيخ ابن القيم رحمه الله هو الصواب، ولهذا قال بعد ذلك:
" إن عذبوا فبعدله *** أو نعموا فبفضله والفضل للمنان ". نعم.
القارئ : " وإذا كان كذلك لم تكن الوسيلة إليه "
الشيخ : فإن قال قائل : أليست حكمة الله توجب ما تقتضيه الحال، لأن الحكمة وضع الشيء في مواضعه ؟
فالجواب: نعم هي كذلك، لكن من يقول إن ما نراه واجباً بمقتضى الحكمة هو مقتضى الحكمة، وهذه مسألة مهمة، وهذا الذي غرَّ القدرية والمعتزلة في قولهم: يجب عليه فعل الأصلح والصالح يعني فيترك الصالح إلى الأصلح ويترك الفاسد إلى الصالح، قالوا: لأن هذا مقتضى الحكمة أن يكون كذلك، لأنه ليس من الحكمة أن يعدل الفاعل عن الأصلح إلى الصلاح، ولا عن الصالح إلى الفاسد.
فيقال هذا أيضاً غلط، لأننا قد نرى أن هذا هو الحكمة، ولكن الحكمة بخلافه، وبذلك ينتفي أن نوجب على الله شيئاً حتى بمقتضى اسمه الحكيم عز وجل، لماذا؟ لأننا لا نعلم الحكمة، قد نقول مثلاً: من الحكمة أن ينزل الله المطر عند الجدب حتى ينتفع العباد والبلاد والبهائم، وليس ذلك في الواقع من الحكمة، أما إذا أوجب الله على نفسه شيئاً فلا بد أن نقول: نعم، واجب على الله أن يفعل هذا لأنه قاله وأوجبه على نفسه.
هذا القول هو القول الوسط بين قولين متضادين:
قول يقول إن الله عز وجل لا يجب عليه شيء أبداً، لا بمقتضى الحكمة ولا غيرها، يفعل لمجرد المشيئة.
وقول آخر مذهب المعتزلة أنه يجب عليه فعل الأصلح عن الصالح، والصالح عن الفاسد، وإلى هذا أشار السفاريني في العقيدة قال :
" ولم يجب عليه فعل الأصلح *** ولا الصلاح ويل من لم يفلح ".