قال المصنف رحمه الله تعالى : ونؤمن بأنه تعالى مع خلقه و هو على عرشه يعلم أحوالهم ويسمع أقوالهم , ويرى أفعالهم , ويدبر أمورهم , يرزق الفقير , ويجبر الكسير , يؤتي الملك من يشاء , وينزع الملك ممن يشاء , ويعز من يشاء , ويذل من يشاء , بيده الخير وهو على كل شيئ قدير , و من كان هذا شأنه كان مع خلقه حقيقة و إن كان فوقهم على عرشه حقيقة << ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير >> [ الشورى : 11 ] حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين قال المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الصفات صفات الله عز وجل " ونؤمن بأنه تعالى مع خلقه " لما ذكر علوه سبحانه وتعالى الذاتي والوصفي وذكر استواءه على العرش وهو علوه على عرشه عز وجل على صفة لا يعلمها إلا الله ذكر المعية وذلك لأن الإنسان قد يشكل عليه الجمع بين العلو والمعية وكذلك القرب
فقال " ونؤمن بأنه تعالى مع خلقه وهو على عرشه " هو مع خلقه " وهو " الجملة هذه حالية " وهو على عرشه " فما معنى ذلك المعية في اللغة العربية كلمة تقتضي المصاحبة تقتضي المصاحبة مع كذا أي مصاحب له وهذه المصاحبة تختلف باختلاف مواردها وبحسب القرائن والسياق فتفسر في كل موضع بحسبه فمثلا إذا قلت خلطت الماء مع اللبن فهذا هذه معية امتزاج يمتزج أحدهما في الآخر ويختلط حتى لا يتميز واحد عن ثاني وإذا قلت الزوجة مع زوجها فهذه مصاحبة ومقارنة لكن لا يلزم الاختلاط ولا الاتصال ولا الحلول في مكان واحد بل ربما تكون الزوجة في المشرق والزوج في المغرب ويقال القائد مع الجند مع أنه في غرفة العمليات يوجه والجند في ميدان القتال فبينهم مسافة ومع هذا يقال معه أبلغ من ذلك أن العرب يقولون " ما زلنا نسير والقمر معنا " " ما زلنا نسير والقمر معنا " أين نسير
الطالب : في الأرض
الشيخ : والقمر
الطالب : في السماء
الشيخ : في السماء ومع ذلك يقولون إنه معنا فتبين الآن أن المعية لا تستلزم الاختلاط ولا الحلول في مكان وإنما تفسر بحسب ما يقتضيه السياق والقرائن فنحن نؤمن بأن الله معنا بأن الله نفسه معنا حقيقة لكن أين هو
الطالب : في السماء
الشيخ : على عرشه في السماء ولا يلزم من إيماننا بأنه معنا حقيقة لا يلزم أن يكون مشاركا لنا في المكان أبدا وإذا كانت المعية بين المخلوقات لا تقتضي المشاركة في المكان فالمعية بين الخالق والمخلوق من باب أولى من باب أولى فنؤمن بأن الله معنا والدليل على ذلك قوله تعالى (( هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة ايام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم )) خذ هذه الضمائر كلها وانظر إلى من تعود (( هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام )) من
الطالب : الله
الشيخ : الله نفسه والا غيره الله نفسه (( ثم استوى على العرش ))
الطالب : الله
الشيخ : الله نفسه (( يعلم ما يلج في الأرض )) يعلم
الطالب : الله
الشيخ : الله نفسه (( وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم )) من
الطالب : الله
الشيخ : الله (( أينما كنتم والله بما تعملون ))
الطالب : بصير
الشيخ : (( بصير )) إذن كل الضمائر تعود إلى الله كلها تعود إلى الله عز وجل وإذا عرفنا أن المعية لا تستلزم الاختلاط والامتزاج ولا تستلزم الحلول في المكان علمنا أن معية الله لخلقه معية حقيقية ولا تحتاج إلى أن تفسر بشيء آخر هي معية حقيقية لكنه لا يلزم منها أن يكون الله معنا في المكان كما قالت الجهمية بل هو معنا وهو على عرشه وقد عرفتم قبل قليل أن العرب من أسلوبها أن تقول القمر معنا وهو في السماء ولا يعدون هذا تناقضا ولا يعدونه خروج عن مقتضى المعنى الذي تفيده المعية فلا حاجة إلى أن نعم لا حاجة إلى أن تحرف كما قال ابن القيم، ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية قال " إنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف " ومراد الشيخ بالتحريف إخراج الكلام عن ظاهره ولا دليل على وجوب إخراجه عن ظاهره بل نقول يجب أن يصان عن المعنى الباطل الذي لا يدل عليه ما هو المعنى الباطل الذي لا يدل عليه
الطالب : ...
الشيخ : أنه مخالف لنا في المكان أو ممتزج بنا هذه مستحيل وإذا آمنت بهذا فإنه يقوى خوفك من الله عز وجل إذا آمنت بأن الله معك يعلمك ويشاهدك ولا يخفى عليه شيء من أحوالك حينئذ يتم لك مراقبة الله عز وجل لأنك لو كنت في حجرة مظلمة ليس عندك أحد تقول الله عز وجل معي وهو على عرشه فتخشاه وتخافه ولا تفعل شيئا يغضبه
ولنستمر في شرحها فنقول " هو مع خلقه وهو على عرشه " " مع خلقه " حقيقة أو مجازا
الطالب : حقيقة
الشيخ : " وهو عل عرشه " حقيقة ولا تناقض لأن هذا جائز في حق المخلوق ففي حق الخالق من باب أولى ولأنه على فرض أنه لا يجوز في حق المخلوق أن يكون الشيء عاليا شاهق العلو وهو معك فإنه جائز في حق الله لأن الله تعالى لا يقاس في خلقه
" يعلم أحوالهم " هذه من مقتضيات المعية ومستلزماتها " يعلم أحوالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ويدبر أمورهم يرزق الفقير ويجبر الكسير (( يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير )) "
ثم قال " ومن كان هذا شأنه كان مع خلقه حقيقة وكان " " وإن كان فوقهم على عرشه حقيقة " ولا مانع وليس في هذا أي تناقض ولا أي وصف لا يليق بالله الذي لا يليق بالله أن نفهم من المعية
الطالب : الاختلاط
الشيخ : الاختلاط والحلول في المكان كما قالت الجهمية ولهذا لما ظهر هذا القول المبتدع الضال صار السلف يقولون هو معنا بعلمه هو معنا بعلمه ففسروا المعية بلازمها وهو العلم على أن لازم المعية ليس العلم فقط كما صرح بذلك ابن كثير في التفسير وصرح به أيضا ابن رجب في جامع العلوم والحكم بل هو معنا بعلمه وسمعه وبصره وسلطانه وقدرته وربوبيته وغير ذلك من معاني الربوبية لكن فسرها من فسرها من السلف بالعلم ردا على من؟ على الجهمية الذين قالوا هو معنا بذاته في مكاننا فقالوا بعلمه ولهذا في عبارة بعضهم أظن عبد الله بن المبارك قال " ولا نقول كما يقول هؤلاء الجهمية إنه معنا هاهنا " وأشار إلى الأرض وهذا هو الذي حذره السلف وفسروها بالعلم وهو تفسير ببعض اللوازم وليس باللوازم كلها القصد منه أيش
الطالب : الرد ...
الشيخ : الرد على الجهمية الحلولية كما أن بعض السلف قال هو مستو على العرش بذاته مع أن بذاته غير وارد لكن قال بذاته ردا لقول من قال إن الاستواء هو الاستيلا فهو استواء معنوي لا ذاتي وكما عبر بعضهم بقوله ينزل إلى السماء الدنيا بذاته ردا على قول من يقول إن الذي ينزل أمره أو رحمته أو ملك من ملائكته فيجب أن نعرف أن السلف قد يفسرون الشيء بالمعنى أي بلازمه حذرا من معنى باطل اتخذه الناس في ذلك الوقت أما نحن فنؤمن كما قلنا يقول طيب
و (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) إشارة إلى أن المعية مع الفوقية لو قدر أنها ممتنعة في حق المخلوق فليست ممتنعة في حق الخالق لأن الله تعالى ليس كمثله شيء