قال المصنف رحمه الله تعالى : ومن ادعى أن في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهما تناقض فذلك لسوء قصده وزيغ قلبه , فليتب إلى الله تعالى , ولينزع عن غيه . حفظ
الشيخ : ثم قال : " ومن ادعى أن في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله سلم أو بينهما " أن فيهما " أو بينهما تناقضا فذلك لسوء قصده ".
الفرق بين قولنا: " في كتاب الله أو في سنة رسوله " وقولنا: " أو بينهما ظاهر ". في كتاب الله يعني: بعضه مع بعض. في سنة رسوله يعني بعضها مع بعضها. بينهما يعني بين الكتاب والسنة.
" إذا ادعى تناقضا فذلك لسوء قصده وزيغ قلبه فليتب إلى الله ولينزع عن غيه ". صحيح، أي إنسان يقول القرآن متناقض فإنه سيء القصد، نعم، وزائغ القلب، والعياذ بالله، أي إنسان يقول في السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فيها تناقضا فهو سيء القصد زائغ القلب، لأنه ما أراد بذلك إلا أن يصرف الناس عن كتاب الله وسنة رسوله، فهو سيء القصد وزائغ القلب.
ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى : (( ويل يومئذ للمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين وما يكذب به إلا كل معتد أثيم إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )) وإلا فمن قلبه صاف لا يمكن أن يدّعي أن في القرآن تناقضا أو في السنة تناقضا أو بينهما تناقضا، طيب.
فإذا قال ذلك وأتى بشيء يلبس به، فقال : إن القرآن يقول: (( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين )) في هذه الآية أنهم أنكروا أنهم مشركون، أليس كذلك؟ (( إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين )) أنكروا أنهم كانوا مشركين وأقسموا على ذلك، لكن في آية أخرى يقول : (( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )) يعني: ويومئذ لا يكتمون الله حديثا. فكيف الجمع بين هاتين الآيتين، آية تقول، يقول الله فيها: إنهم ينكرون أن يشركوا، وآية يقول الله فيها: إنهم لا يكتمون الله، ما الجمع؟
نقول : نعم، هذا ظاهرهما التعارض، لكن الجمع ايش؟ الجمع أن نقول : إن لهم حالين، حالا ينكرون فيها الشرك لعلهم يسلمون، وحالا أخرى يقرون، لأنها تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون. وهذا ممكن، لأن يوم القيامة كم مدته؟ خمسون ألف سنة تتغير فيها الأحوال.
يقول أيضا: إن الله يقول: (( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب )) ويقول في آية أخرى: (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس )) فمرة يقول للمتقين ومرة يقول للناس، هذا تناقض.
نقول: ليس فيه تناقض، لماذا؟ لأن قوله : (( هدى للمتقين )) يعني هداية الدلالة والتوفيق والانتفاع، و (( هدى للناس )) هداية الدلالة، القرآن يهدي كل أحد، يبين لكل أحد، لكن من الذي يتنفع به؟ المتقون.
وهكذا كثير من الآيات على هذا الوجه، ويمكن الجمع بينها لكن الذي في قلبه مرض يأتي بهذا للتشكيك.
وقد ألف الشنقيطي رحمه الله صاحب أضواء البيان ألف رسالة سماها " دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب " ذكر فيه ما بلغه علمه من الآيات التي ظاهرها التناقض وجمع بينها، فليرجع إليه فإنه مفيد.