قال المصنف رحمه الله تعالى : فنؤمن بالبعث , وهو إحياء الله تعالى الموتى حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية : << ونفخ في الصور فصعق من في السموات والأرض إلا من شآء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون >> [ الزمر : 68 ] فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين , حفاة بلا نعال , عراة بلا ثياب , غرلا بلا ختان : << كما بدأنآ أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين >> [ الأنبياء : 104 ] . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم.
قال المؤلف : " ونؤمن باليوم الآخر وهو يوم القيامة الذي لا يوم بعده ". والإيمان باليوم الآخر هو أحد أركان الإيمان قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره ). فالإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بالبعث.
" وهو إحياء الله الأموات إحياء الله الموتى حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية ". هذا هو البعث، يخرج الناس من قبورهم أحياء بعد أن ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية. إسرافيل ملك من الملائكة، وهو أحد الملائكة الثلاثة الذين يذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح صلاة الليل، حين يقول في استفتاح صلاة الليل: ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ) إلخ. وإنما ذكر هؤلاء الثلاثة لأن كل واحد منهم موكل بما فيه حياة: جبريل موكل بالوحي الذي فيه حياة القلوب، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي فيه حياة الأبدان يوم القيامة، وميكائيل موكل بالقطر والنبات الذي به حياة الأرض.
يقول : " حين ينفح إسرافيل في الصور النفخة الثانية ".
أفاد المؤلف أنه ليس فيه إلا نفختان: نفخة فيها الفزع ثم الصعق، ونفخة ثانية فيها البعث والإحياء. قال الله تعالى : (( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون )).
وعلى هذا فيكون قول الله تعالى في سورة النمل : (( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين )) المراد بها النفخة التي بها الصعق، فيفزع الناس لهول ما سمعوا من الصوت العظيم ثم يموتون إلا من شاء الله.
وقوله : (( ثم نفخ فيه أخرى )) أفادت الآية الكريمة أن بين النفختين مهلة، لأن ثم للترتيب وايش؟ والمهلة التراخي، فما هي؟ قال أبو هريرة رضي الله عنه: إن بينهما، فيما رواه عن النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن بينهما أربعين ) فسألوه: أربعين يوما أو سنة أو شهرا ؟كلما قال شيئا قال : ( أبيت أبيت ) يعني أنني لا أخبركم بذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أربعين ) وسكت. فالله أعلم بذلك.
" فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة بلا نعال عراة بلا ثياب غرلا بلا ختان ". دليل ذلك قوله تعالى: (( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )). وإذا نظرت إلى أول بدء الخلق وجدت أن الإنسان يخرج من بطن أمه حافيا عاريا أغرل. فهم يحشرون بلا نعال وعراة بلا ثياب وغرلا غير مختونين بمعنى أن الله يرد إليهم ما أخذ في حياتهم مما فيه حياة. طيب.
والإنسان الذي أخذت كليته؟ نعم؟ ترد إليه، ترد إليه، لكن قد يقول قائل: إنها لا ترد لأنها أخذت بغير شرع بخلاف جلدة الختان فإنها مأخوذة بأمر الله ورسوله، ولكن ظاهر الآية ((كما بدأنا أول خلق نعيده )) أن الإنسان يعاد بجميع أجزائه حتى من قطعت يده أو قطعت رجله أو تفرقت أجزاؤه فلا بد أن يعاد كما خلق.
فإن قال قائل : كيف يتحملون أن يبقوا خمسين ألف سنة على هذه الحال؟ وكيف يمكن أن يكون الرجال والنساء في مكان واحد وهم عراة؟
قلنا أما الجواب عن الأول: فإن أحوال الأبدان يوم القيامة ليست كأحوالها في الدنيا، يعطيها الله تعالى من القوة والصبر والتحمل ما لا يكون، ولهذا تدنو الشمس منهم مقدار ميل ولا يحترقون، بينما الشمس لو تنزل عن مسارها في الدنيا مقدار شعرة واحدة أحرقت الأرض كلها بمن عليها.
وأما كون الرجال والنساء في مكان واحد فقد أجاب عنه النبي عليه الصلاة والسلام بأن الإنسان مشغول عن هذا الأمر، وأن الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك، قال الله تعالى : (( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه )) سبحان الله! أعاننا الله وإياكم على هذا.
وقوله تعالى : (( وعدا علينا إنا كنا فاعلين )) أكد الله ذلك بأمرين، بأنه وعد واجب على الله، لم يقل وعدا منا، قال (( وعدا علينا )) وأكد ذلك أنه قادر عليه بقوله : (( إنا كنا فاعلين )) بينما الكفار يقولون : (( من يحيي العظام وهي رميم )) فقال الله : (( وعدا علينا )) ثابت واجب علينا.
(( إنا كنا فاعلين )) ولله تعالى أن يوجب على نفسه ما شاء، أما نحن فلا نوجب على الله شيئا، وإنما نؤمن بأن على الله أشياء واجبة أوجبها هو بنفسه، قال تعالى : (( كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوء بجهالة ثم تاب )) طيب. وقال تعالى : (( كتب ربكم على نفسه ليجمعنكم إلى يوم القيامة لاريب فيه )) أوجب.
وهنا قال : (( وعدا علينا )) أوجب الله هذا الوعد عليه وهو أصدق القائلين وأوفى الواعدين (( إنا كنا فاعلين )) أكد هذا الفعل حيث أتى به مؤكدا بإنّ، وأتى به باسم الفاعل (( فاعلين )) ولم يقل إنا كنا نفعل، لتحقق وقوعه وأنه لا بد منه.