قال المصنف رحمه الله تعالى : الخامس : أن كل فاعل يحس أنه يفعل الشيئ أو يتركه بدون أي شعور بإكراه ، فهو يقوم و يقعد و يدخل ويخرج ويسافر ويقيم بمحض إرادته ، و لايشعر بأن أحدا يكرهه ذلك ، بل يفرق تفريقا واقعيا بين أن يفعل الشيئ باختياره وبين أن يكرهه عليه مكره ، وكذلك فرق الشرع بينهما تفريقا حكميا ، فلم يؤاخذ الفاعل بما فعله مكرها عليه فيما يتعلق بحق الله تعالى . حفظ
الشيخ : طيب، يقول : " الخامس : أن كل فاعل يحس أنه يفعل الشيء أو يتركه بدون أي شعور بإكراه، فهو يقوم ويقعد ويدخل ويخرج ويسافر ويقيم بمحض إرادته، ولايشعر بأن أحدا يكرهه على ذلك، بل يفرق تفريقا واقعيا بين أن يفعل الشيء باختياره وبين أن يكرهه عليه مكره، وكذلك فرق الشرع بينهما تفريقا حكميا، فلم يؤاخذ الفاعل بما فعله مكرها عليه فيما يتعلق بحق الله تعالى ".
الطالب : ...
الشيخ : ها؟ كيف؟
الطالب : ... .
الشيخ : لا، حكميا، حكميا هذا الصواب، صححوها.
" فلم يؤاخذ الفاعل بما فعله مكرها عليه فيما يتعلق بحق الله تعالى ".
هذا أيضا وجه محسوس ظاهر ،كل إنسان يحس بأنه يفعل الشيء بايش؟ باختياره. مَن الذي جاء بكم إلى هذا المكان بعد أن فطرتم في الصباح؟ ولا غصب؟ أبدا يأتي الإنسان ولا يشعر أن أحدا يكرهه، كذا؟ كذلك يترك الشيء لا يحس أن أحدا يكرهه أبدا. ولو كان الإنسان ليس له إرادة لكان يكره على هذا الشيء. بل إن الإنسان يفرق بين ما فعله باختياره وما فعله بإكراه. صح؟ لو قلت مثلا لواحد: قم، فقال والله ما لي إرادة بالقيام. فقلت: قم وإلا فسوط في ظهرك، وقام خوفا من السوط، مكره ولا غير مكره؟ يعرف الفرق بين أن أقول: قم، فيقول: مرحبا وسهلا، يقوم، هذا قام بايش؟ باختياره. قلت له: قم، قال: ما عندي إرادة للقيام ولا أنا قائم، فقلت: إما أن تقوم وإلا فسوط في ظهرك، يقوم ولا لا؟ لكن غصب.
كلنا نحس بالفرق بين ما نفعله كرها وما نفعله عن رضا. واضح؟
الجبرية يقولون كلها سواء. يقول: واحد ألقاك من السطح إلى الأرض، هذا نزول قهري، وإنسان نزل من السطح إلى الأرض بالدرج، نزول؟
الطالب : ...
الشيخ : لا لا الواقع الواقع.
الطالب : اختياري.
الشيخ : اختياري لا شك. كل يعرف الفرق بين هذا وهذا، هما عند الجبرية سواء، هما سواء. شف كيف العقول!
ولهذا نحن نقول: إن المعتزلة أقرب إلى المعقول من الجبرية، لأن الجبرية قولهم لا يتصور أحد أن يقبله، لا يتصور أن يقبله أحد تمام؟ أقول واضح هذا الوجه؟ نعم.
ولذلك يقول: " بل يفرق - أي الإنسان - تفريقا واقعيا بين أن يفعل الشيء باختياره وبين أن يكرهه عليه مكره. وكذلك فرق الشرع - يرحمك الله - فرق الشرع بينهما تفريقا حكميا فلم يؤاخذ الفاعل بما فعله مكرها عليه فيما يتعلق بحق الله ".
هل المكره على الشيء يؤاخذه الله؟ لا، حتى إن الله تعالى قال في أعظم الذنوب : (( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )).
أعظم الذنوب الكفر، ولو أكره الإنسان عليه، وقلبه مطمئن بالإيمان لم يكفر، والباقي من باب أولى.
وقولنا هنا : " بما يتعلق في حق الله " احترازا مما يتعلق في حق الآدمي، فإن الإنسان إذا أكره على إتلاف مال الرجل وأتلفه فعليه الضمان، عليه الضمان، فيؤاخذ بمال الآدمي. ولو أكره على قتل إنسان، يضمن؟ إنسان رجل ظالم جائر قال لآخر اقتل هذا وإلا قتلتك. هل يقتله؟
الطالب : لا.
الشيخ : لكن يا إخواني انتبهوا لو لم يقتله لقتل. يقتل؟ هو لا يقتله ولو قتل هو؟ تمام، ولو قتل، يعني: حتى لو قال له الظالم: اقتل هذا الرجل وإلا قتلتك فإنه لا يقتله ويصبر على تحمل القتل، لأنه لا يجوز استبقاء نفسه بإتلاف غيره، لا يجوز.
طيب. امرأة في بطنها جنين، والجنين حي، وقيل لها: إما أن نقتل الجنين وتسلمين أنت، وإما أن نبقي الجنين وتهلكين.
الطالب : ينظر.
الشيخ : ها؟
الطالب : يبقى الجنين.
الشيخ : يبقى الجنين ولو ماتت؟
الطالب : لو ماتت.
الشيخ : لو ماتت.
طيب. إذا قال العقلانيون: إذا بقي الجنين وماتت لا بد أن يموت، فحينئذ نكون قد قتلنا نفسين، وإذا قتلنا الجنين وأخرجناه قتلنا نفسا واحدة، والعقل يرى أن قتل نفس واحدة أهون من قتل نفسين، فما الجواب يا؟ الجواب؟
الطالب : أنا يا شيخ؟
الشيخ : إي، الظاهر إنك سارح والله ما تدري أنت بالمسجد ولا بالسوق، الله أعلم. ايش؟
الطالب : العقل مطابق للشرع.
الشيخ : كيف؟
الطالب : دلالة العقل مطابقة للشرع.
الشيخ : ايش الي قلنا الحين؟
الطالب : قلنا إذا قتلنا.
الشيخ : صورة المسألة ما هي؟
الطالب : امرأة.
الشيخ : أي نعم.
الطالب : في بطنها جنين.
الشيخ : نعم.
الطالب : قلنا مخيرة، إما نقتل ولدها في بطنها وإما ... أو نخرج ابنها وتموت.
الشيخ : هل هذه الصورة يا جماعة؟ شفت إنك سارح في خيالك.
هذه امرأة حامل وولدها حي، قال الأطباء: إما أن نقتل الولد وتسلم الأم، يعني نقتله نسوي عملية وتسلم الأم، وإما أن يبقى في بطنها فتموت الأم، والمعروف أنه إذا ماتت الأم مات الجنين، فيقولون: نقتل الجنين نطلعه وتسلم الأم، وحينئذ نكون قتلنا نفسا واحدة فقط، لكن لو أبقيناه وماتت الأم ثم مات قتلنا نفسين، ايش نقول؟
الطالب : ... .
الشيخ : تموت الأم.
الطالب : ... .
الشيخ : ها؟ لا إذا أخرجنا الجنين مات الجنين والأم تبقى حية.
الطالب : ... .
الشيخ : ها؟
الطالب : ... .
الشيخ : ولو بقي في بطنها ماتت الأم ثم مات الجنين، لا بد. أيها أحسن أن يموت اثنان أو واحد؟ واحد، إذن نقتل الجنين ونطلعه ونخلي الأم تبقى، هذا الحكم. السؤال مهو لك يا ولدي.
الطالب : ... .
الشيخ : نعم. المهم يا إخواني ترى هذه شبهة لست أقولها فرضا هي واقع، يعني في ناس من العلماء الذين هم أدباء وليسوا علماء شرع في الواقع، يموهون على الناس، يقول: اقتل الجنين وخلي الأم تبقى، لأنك لو أبقيت الجنين ماتت الأم ومات الجنين. فهمت؟ ومعلوم أن قتل نفس واحدة أهون من قتل نفسين، ها؟
الطالب : نقول أن قتل الجنين عدوان.
الشيخ : نعم.
الطالب : موت الأم ... .
الشيخ : غير متحقق؟
الطالب : في شك، مشكوك فيه.
الشيخ : لا لا، لو كان مائة بالمائة. الطبيب يقول: هذه مائة بالمائة ستموت.
الطالب : هذا إلى الله سبحانه وتعالى.
الشيخ : أي هو إلى الله لكن في علامات.
الطالب : نقول ما نرتكب العدوان من أجل الشك.
الشيخ : طيب في جواب غير هذا، هو على كل حال جوابك لا بأس به، لكنه يمشي على رجل واحدة. نعم.
الطالب : إذا قتلنا الجنين فنحن قتلناه بفعلنا، أما الأم فإذا ماتت فهي بفعل الله عز وجل.
الشيخ : أحسنت، هذا الصواب.
نقول: نعم إذا بقي الجنين في البطن وماتت الأم، ثم مات الجنين، فموت الجنين هنا بفعل الله، أليس كذلك؟ موت الجنين بفعل من؟ بفعل الله، مهو بفعلنا، لكن لو قتلناه صار موته بفعلنا فلا يحل. واضح؟
طيب. إذن نقول: إنّ قولنا " في حق الله تعالى " احترازا من ايش؟ من الإكراه في حق الإنسان.
طيب. لو قال لك قائل: إما أن تذبح هذه البهيمة وهي بهيمة لغير القائل وإلا حبستك، فذبحها مكرها، هل يسقط حق الآدمي؟ لا، لا يسقط، يضمنها لصاحبها.