قال المصنف رحمه الله تعالى : ثالثا : محبة الرسل وتوقيرهم و الثناء عليهم بما يليق بهم ، لأنهم رسل الله تعالى و خلاصة عبيده ، قاموا لله بعبادته ، و تبليغ رسالته ، و النصح لعابده ، و الصبر على أذاهم . حفظ
الشيخ : " الثالث : محبة الرسل وتوقيرهم والثناء عليهم بما يليق بهم ".
هذا أيضا من ثمرات الإيمان بالرسل أن تحب الرسل، حتى من لم يرسل إليك يجب عليك محبته وتوقيره واحترامه وتعظيمه، حتى لو أن أحدا سب رسولك فإنه لا يحل لك أن تسب رسوله، احتراما لايش؟ للرسول عليه الصلاة والسلام في أي زمان. كذلك الثناء عليهم بما يليق بهم، لا أن يخرجهم الإنسان بالثناء عن طور العبودية، أثن عليهم بما يليق بهم، وأحسن وصف للرسول ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم به نفسه قال : ( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) هذا أحسن ثناء أحسن شيء، عبد وما أفخر الإنسان إذا كان عبدا لله، رسول وما أعظم حق من كان رسولا على الخلق، فحينئذ تعطيه حقه في جانب الله وحقه في جانب الخلق، هذا أحسن وصف للرسول. أما أن تثني عليهم بما ليس فيهم، مثل من يقول : إن محمدا صلى الله عليه و سلم يعلم الغيب، وأنه يدبر الكون، وكقول البوصيري في بردته المشهورة، يقول يخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام :
" يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك *** عند حلول الحادث العمم ".
الحادث العمم الحدث العام كالزلالزل والفيضانات وما أشبه ذلك يقول :
" ما لي من ألوذ به سواك " إذن الله ايش؟ لا يلوذ به، وهذا شرك أكبر، بل أعظم من الشرك، هذا توحيد الرسول عليه الصلاة والسلام بالربوبية ونسيان الله تبارك وتعالى.
" يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك *** عند حلول الحادث العمم "
" إن لم تكن آخذا يوم المعاد يدي *** عفوا وإلا فقل يا زلة القدم "
فمن الذي يعاقب يوم المعاد على هذا البيت؟ الرسول عليه الصلاة والسلام، يعني: إن لم تكن عافيا عني فقل يا زلة القدم. فإذن جعل الله تعالى في الدنيا وفي الآخرة لا نصيب له.
ثم قال :
" فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم "
من جودك، يعني: وليس كل جودك، بل من جودك الدنيا وضرتها وهي الآخرة، ومن علومك علم اللوح والقلم. يعني: بعض علومك، وإلا تعلم أكثر من هذا.
قال بعض العلماء : " ماذا جعل لله بعد ذلك؟ " إذا كانت الدنيا والآخرة للرسول أو من جود الرسول فما بقي لله شيء. هذا لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم لو سمعه لقتل من قاله، لأنه إذا كان يقول لمن قال ما شاء الله وشئت ( أجعلتني لله ندا ) فكيف بمن يقول مثل هذا الكلام؟
والعجب أن الذين ابتلوا ببدعة الاحتفال بالمولد يرددون مثل هذا الكلام، ويرونه من أفضل ما يكون، مما يدل على أن البدعة لا تجر إلا إلى بدعة وبلاء. طيب.
محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام تستلزم اتباعهم، محبة الرسل تستلزم اتباعهم ولا بد، لأن كل حبيب ايش؟ يرنو إلى حبيبه وينظر ماذا يفعل، حتى إنه ليقتدي به ليس في أعماله الاختيارية بل حتى في أعماله غير الاختيارية، كما لو كان محدبا تجده يمشي محدبا، وكما لو كان يتمايل في مشيتة خلقة تجد هذا يتمايل في مشيته، فضلا عن الأعمال الاختيارية التي يفعلها، فإن كل إنسان إذا صدقت محبته للشخص فسوف يكون هذا الشخص أسوته وقدوته.
ويقول: " لأنهم رسل الله وخلاصة عبيده " يعني نحبهم ونوقرهم لهذين السببين: أنهم رسل الله استأمنهم الله تعالى على وحيه وحكّمهم في رقاب عباده، وهذا من أعظم الفخر لهم، أنهم كانوا أمناء حكماء. أنت معنا ليش تلفت؟ جعلهم أمناء حكماء يعني يحكمون بين الناس وهم أمناء الله على وحيه.
يقول : " خلاصة عبيده " لا شك أن أعبد الناس لله هم الرسل. واقرأ في سيرة آخرهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم يتبين لك أنه قد حقق العبودية تحقيقا تاما، ولقد وصف الله محمدا رسول الله بالعبودية في أعلى المقامات، فقال في الدفاع عنه : (( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاءتوا بسورة من مثله )) (( مما نزلنا على عبدنا )). وقال حين امتن عليه بإنزال القرآن، قال : (( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ))، وقال حين امتن عليه بالإسراء : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ))، وقال في مقام منته عليه بالمعراج : (( فأوحى إلى عبده ما أوحى ))، والآيات في هذا كثيرة. وإذا كان محمدا رسول االله صلى الله عليه وسلم من خلاصة العبيد، فإننا لا نشك في أنه يجب محبته، لأنه يجب علينا أن نحب كل من كان محبا لله، وهذا هو الحب في الله الذي هو من أوثق عرى الإيمان.
" قاموا لله بعبادته " ولا شك في هذا أن الرسل أشد الناس قياما بعبادة الله. والثاني أيضا " قاموا بتبليغ رسالته " بلغوها على حسب ما أمروا، لم يبالوا بالتعذيب ولا بالإنكار ولا بالاستهزاء ولا بالسخرية، بل بلغوا كما أمروا (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته )) (( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله )) " والنصح لعباده " نعم الرسل أنصح الخلق للخلق، واقرأ سيرة خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم يتبين لك صحة ما قلنا. " والصبر على أذاهم ". فقد صبروا على الأذى، مع أنهم أشعروا بالأذى من حين أرسلوا، قال الله تعالى : (( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك )) لحكمه الشرعي وحكمه القدري. ربما يتوقع القارئ: إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاشكر نعمة ربك على ذلك، هكذا يتوقع الإنسان، لكن قال : (( فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا )) إشارة إلى أنه سوف يناله من جراء هذا التنزيل أذى، وهذا هو الواقع، فقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم أشد الإيذاء، ولكنه صابر قال الله تعالى : (( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى آتاهم نصرنا )). وفي هذا إشارة والله أعلم أنه إذا حصل الإيذاء فإن النصر يعقبه، ويصدقه الحديث وهو قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا ).
ويقول : " والنصح لعباده والصبر على أذاهم ".
ومن أشد ما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم الأذى الذي وقع عليه حين خرج إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الله، فإن أهل مكة كذبوه وآذوه فخرج إلى الطائف لعلهم يستجيبون له، لكن والعياذ بالله قابلوه بأشد العذاب.
ذكر المؤرخون أنهم اصطفوا صفين، وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى هرب، هرب على وجهه لا يدري أين وجهه، ولم يفق إلا في قرن الثعالب، كأنه يمشي وهو لا يشعر بأنه يمشي، لكن الله دله الطريق، لم يفق إلا في قرن الثعالب، وإذا عقبه قد أدمي عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك انظر إلى حلمه مع قدرته، جاءه ملك الجبال بصحبة جبريل، قال جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام: ( هذا ملك الجبال أمره الله تعالى يعني أن يفعل ما تقول، فسلم ملك الجبال وأخبر بأن الله تعالى أمره أن يفعل ما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال له: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، يعني جبلي مكة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بحلمه قال : أستأني بهم ) أتأنى بهم ( لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا ) عليه صلاة الله وسلامه. ما قال من يساعدوني من ينصروني، لا، مع أن مساعدته ونصره عبادة، ولكن قال من يعبد الله ولا يشرك به شيئا، فانظر إلى العفو عند المقدرة، وعدم الانتقام مع العز في مثل الرسل عليهم الصلاة والسلام، فلا أحد أصبر من الرسل على الأذى.
وإذا كنا نحن نعلم أن الرسل أنصح الخلق للعباد، فلننظر في محمد رسول الله، نجده أنه أنصح الخلق لعباد الله، هذه واحدة، ثم لننظر في كلامه نجده أفصح الكلام وأبين الكلام، ثم لننظر في علمه بالله وأسمائه وصفاته نجده أنه أعلم الخلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته وأحكامه، فكلام الرسول عليه الصلاة والسلام إذن تنطبق عليه الأوصاف التي يجب عند اجتماعها قبول الكلام. الأول: العلم، والثاني: الصدق، والثالث: النصح، والرابع: الفصاحة. فكلام الرسول عليه الصلاة والسلام متضمن لهذه الأنواع الأربعة.
الطالب : علم، صدق، نصح، رابعا الفصاحة.
الشيخ : الفصاحة. كل كلام اجتمعت فيه هذه الأوصاف الأربعة يجب أن نأخذه بظاهره، وأن لا نميل عنه يمينا ولا شمالا، وهذا من أقوى الأدلة العقلية على وجوب قبول ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه بدون أي توقف، لأنا لو سألنا هل الرسول عليه الصلاة والسلام حينما أخبر بما أخبر به عن ربه هل هو جاهل؟ أجيبوا؟ لا، بل هو أعلم الناس بالله عز وجل. هل هو كاذب؟ لا، هو أصدق البشر كلاما. هل هو غاش؟ لا، بل هو أنصح الأمة للأمة. الرابع هل كلامه مشتمل على العيِّ والتعقيد وعدم الفهم؟ الجواب: لا، كلامه أفصح الكلام وأبين الكلام وأحسن الكلام، بل إنه حُظي عليه الصلاة والسلام بأن الله تعالى جمع له الكلم واختصر له الكلام اختصارا، حتى إنه ليأتي بالجملة اليسيرة فتحمل المعاني العظيمة، وذلك من فضل الله تعالى عليه وعلى أمته صلوات الله وسلامه عليه.
الصبر أيضا هو لا شك أنه أصبر الخلق، أصبر الخلق لأنه عليه الصلاة والسلام لحقه من الأذى ما سمعتم بعضه.
ومن أعجب ما لحقه من الأذى وأشده إهانة أنه كان ذات يوم يصلي تحت الكعبة، وآمن مكان على وجه الأرض هو الكعبة والمسجد الحرام، يصلي كما يصلي سائر الناس، وكان حوله ملأ من قريش، فقال بعضهم لبعض: أيكم يذهب إلى جزور آل فلان، وكان عندهم علم بأنها ذبحت، فيأتي بسلاها وفرثها ودمها يضعها على محمد وهو ساجد، فانبعث أشقاهم وأتى به ووضعه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. مع أنه لو جاء أعرابي بدوي من أقصى الجزيرة إلى مكة لم تنله قريش بسوء، وهذا منهم يعرفونه يعرفون صدقه وأمانته يفعلون به ما يفعلون عند بيت الله عز وجل! نسأل الله العافية. فبقي الرسول عليه الصلاة والسلام ساجدا وهؤلاء يقهقهون ويضحكون ويتمايلون بما فعلوا بمحمد رسول الله، حتى جاءت ابنته الصغيرة فاطمة رضي الله عنه فأزالت عنه السلا والفرث والدم، ثم قام وأنهى صلاته، وبعد السلام رفع يديه إلى ربه عز وجل، ودعا عليهم، فما أفلت منهم واحد إلا قتل، كل هؤلاء قتلوا في بدر وسحبوا في القليب، يؤذي الناس نتنهم، وأخزوا والعياذ بالله في الدنيا وسيخزون في الآخرة.
فالمهم أن الرسل عليهم الصلاة والسلام صبروا صبرا عظيما على أذى قومهم.
موسى عليه الصلاة والسلام آذاه قومه وكانوا هم المختارين من العالم في ذلك الوقت، آذوه أذية، يسمعونه يخاطب الله عز وجل، ويسمعون كلام الله، ثم يقولون لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، شف أعوذ بالله هؤلاء وهم المختارون من شعبه، قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة.
وكان من جملة أذيتهم أنه كان يغتسل مستترا، ولا يمكن أن يغتسل عريانا، وكانت بنو إسرائيل تغتسل عريانا، تغتسل عراة، فقالوا: إن موسى لم يستتر عنا إلا لأنه آدر. والأدرة مرض في الخصيتين تنتفخ الخصيتان به، قالوا موسى آدر ليش؟ لماذا لا يغتسل عاريا كما نحن نغتسل عراة؟! فأراهم الله سبحانه وتعالى آية قهرية على موسى، قهرا عليه، كان يغتسل ذات يوم وقد وضع ثوبه على الحجر، أتعرف الحجر؟ ما هو؟ لا، أنا أقصد الأخ.
الطالب : ... .
الشيخ : أي نعم. والانتباه جيد.
في القاموس إذا ذكر شيئا معروف يكتب كذا وكذا ثم بعده ميم يعني معروف ما يحتاج أن نفسره، وهو الحجر معروف أنا ما سألت عنه لأني ما أعرفه، لكن لعل أخانا يكون عنده انتباه. المهم أنه وضع ثوبه على الحجر فهرب الحجر بالثوب بأمر من؟ بأمر الله فذهب يشتد موسى، فذهب موسى يشتد وراءه يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر. كيف يا أحمد يخاطب حجر؟ ها؟
الطالب : ... .
الشيخ : أنت فاهم كلامي الآن؟ فاهمه؟ أن موسى وضع ثوبه على الحجر فهرب الحجر، فذهب موسى يشتد وراءه يقول ثوبي حجر، خاطبه لأن هربه بثوبه فعل العاقل الذي يخاطب، فقال: ثوبي حجر، حتى وقف الحجر عند بني إسرائيل فشاهدوا موسى ليس فيه إلا الخير سليما معافى، وفي ذلك يقول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها )). نسأل الله أن يرزقنا وإياكم تعظيم رسلنا على الوجه الذي يرضاه عنا إنه على كل شيء قدير.
السائل : شيخ.
هذا أيضا من ثمرات الإيمان بالرسل أن تحب الرسل، حتى من لم يرسل إليك يجب عليك محبته وتوقيره واحترامه وتعظيمه، حتى لو أن أحدا سب رسولك فإنه لا يحل لك أن تسب رسوله، احتراما لايش؟ للرسول عليه الصلاة والسلام في أي زمان. كذلك الثناء عليهم بما يليق بهم، لا أن يخرجهم الإنسان بالثناء عن طور العبودية، أثن عليهم بما يليق بهم، وأحسن وصف للرسول ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم به نفسه قال : ( إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ) هذا أحسن ثناء أحسن شيء، عبد وما أفخر الإنسان إذا كان عبدا لله، رسول وما أعظم حق من كان رسولا على الخلق، فحينئذ تعطيه حقه في جانب الله وحقه في جانب الخلق، هذا أحسن وصف للرسول. أما أن تثني عليهم بما ليس فيهم، مثل من يقول : إن محمدا صلى الله عليه و سلم يعلم الغيب، وأنه يدبر الكون، وكقول البوصيري في بردته المشهورة، يقول يخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام :
" يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك *** عند حلول الحادث العمم ".
الحادث العمم الحدث العام كالزلالزل والفيضانات وما أشبه ذلك يقول :
" ما لي من ألوذ به سواك " إذن الله ايش؟ لا يلوذ به، وهذا شرك أكبر، بل أعظم من الشرك، هذا توحيد الرسول عليه الصلاة والسلام بالربوبية ونسيان الله تبارك وتعالى.
" يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك *** عند حلول الحادث العمم "
" إن لم تكن آخذا يوم المعاد يدي *** عفوا وإلا فقل يا زلة القدم "
فمن الذي يعاقب يوم المعاد على هذا البيت؟ الرسول عليه الصلاة والسلام، يعني: إن لم تكن عافيا عني فقل يا زلة القدم. فإذن جعل الله تعالى في الدنيا وفي الآخرة لا نصيب له.
ثم قال :
" فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم "
من جودك، يعني: وليس كل جودك، بل من جودك الدنيا وضرتها وهي الآخرة، ومن علومك علم اللوح والقلم. يعني: بعض علومك، وإلا تعلم أكثر من هذا.
قال بعض العلماء : " ماذا جعل لله بعد ذلك؟ " إذا كانت الدنيا والآخرة للرسول أو من جود الرسول فما بقي لله شيء. هذا لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم لو سمعه لقتل من قاله، لأنه إذا كان يقول لمن قال ما شاء الله وشئت ( أجعلتني لله ندا ) فكيف بمن يقول مثل هذا الكلام؟
والعجب أن الذين ابتلوا ببدعة الاحتفال بالمولد يرددون مثل هذا الكلام، ويرونه من أفضل ما يكون، مما يدل على أن البدعة لا تجر إلا إلى بدعة وبلاء. طيب.
محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام تستلزم اتباعهم، محبة الرسل تستلزم اتباعهم ولا بد، لأن كل حبيب ايش؟ يرنو إلى حبيبه وينظر ماذا يفعل، حتى إنه ليقتدي به ليس في أعماله الاختيارية بل حتى في أعماله غير الاختيارية، كما لو كان محدبا تجده يمشي محدبا، وكما لو كان يتمايل في مشيتة خلقة تجد هذا يتمايل في مشيته، فضلا عن الأعمال الاختيارية التي يفعلها، فإن كل إنسان إذا صدقت محبته للشخص فسوف يكون هذا الشخص أسوته وقدوته.
ويقول: " لأنهم رسل الله وخلاصة عبيده " يعني نحبهم ونوقرهم لهذين السببين: أنهم رسل الله استأمنهم الله تعالى على وحيه وحكّمهم في رقاب عباده، وهذا من أعظم الفخر لهم، أنهم كانوا أمناء حكماء. أنت معنا ليش تلفت؟ جعلهم أمناء حكماء يعني يحكمون بين الناس وهم أمناء الله على وحيه.
يقول : " خلاصة عبيده " لا شك أن أعبد الناس لله هم الرسل. واقرأ في سيرة آخرهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم يتبين لك أنه قد حقق العبودية تحقيقا تاما، ولقد وصف الله محمدا رسول الله بالعبودية في أعلى المقامات، فقال في الدفاع عنه : (( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاءتوا بسورة من مثله )) (( مما نزلنا على عبدنا )). وقال حين امتن عليه بإنزال القرآن، قال : (( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ))، وقال حين امتن عليه بالإسراء : (( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ))، وقال في مقام منته عليه بالمعراج : (( فأوحى إلى عبده ما أوحى ))، والآيات في هذا كثيرة. وإذا كان محمدا رسول االله صلى الله عليه وسلم من خلاصة العبيد، فإننا لا نشك في أنه يجب محبته، لأنه يجب علينا أن نحب كل من كان محبا لله، وهذا هو الحب في الله الذي هو من أوثق عرى الإيمان.
" قاموا لله بعبادته " ولا شك في هذا أن الرسل أشد الناس قياما بعبادة الله. والثاني أيضا " قاموا بتبليغ رسالته " بلغوها على حسب ما أمروا، لم يبالوا بالتعذيب ولا بالإنكار ولا بالاستهزاء ولا بالسخرية، بل بلغوا كما أمروا (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته )) (( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله )) " والنصح لعباده " نعم الرسل أنصح الخلق للخلق، واقرأ سيرة خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم يتبين لك صحة ما قلنا. " والصبر على أذاهم ". فقد صبروا على الأذى، مع أنهم أشعروا بالأذى من حين أرسلوا، قال الله تعالى : (( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك )) لحكمه الشرعي وحكمه القدري. ربما يتوقع القارئ: إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاشكر نعمة ربك على ذلك، هكذا يتوقع الإنسان، لكن قال : (( فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا )) إشارة إلى أنه سوف يناله من جراء هذا التنزيل أذى، وهذا هو الواقع، فقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم أشد الإيذاء، ولكنه صابر قال الله تعالى : (( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى آتاهم نصرنا )). وفي هذا إشارة والله أعلم أنه إذا حصل الإيذاء فإن النصر يعقبه، ويصدقه الحديث وهو قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا ).
ويقول : " والنصح لعباده والصبر على أذاهم ".
ومن أشد ما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم الأذى الذي وقع عليه حين خرج إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الله، فإن أهل مكة كذبوه وآذوه فخرج إلى الطائف لعلهم يستجيبون له، لكن والعياذ بالله قابلوه بأشد العذاب.
ذكر المؤرخون أنهم اصطفوا صفين، وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى هرب، هرب على وجهه لا يدري أين وجهه، ولم يفق إلا في قرن الثعالب، كأنه يمشي وهو لا يشعر بأنه يمشي، لكن الله دله الطريق، لم يفق إلا في قرن الثعالب، وإذا عقبه قد أدمي عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك انظر إلى حلمه مع قدرته، جاءه ملك الجبال بصحبة جبريل، قال جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام: ( هذا ملك الجبال أمره الله تعالى يعني أن يفعل ما تقول، فسلم ملك الجبال وأخبر بأن الله تعالى أمره أن يفعل ما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال له: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، يعني جبلي مكة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بحلمه قال : أستأني بهم ) أتأنى بهم ( لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا ) عليه صلاة الله وسلامه. ما قال من يساعدوني من ينصروني، لا، مع أن مساعدته ونصره عبادة، ولكن قال من يعبد الله ولا يشرك به شيئا، فانظر إلى العفو عند المقدرة، وعدم الانتقام مع العز في مثل الرسل عليهم الصلاة والسلام، فلا أحد أصبر من الرسل على الأذى.
وإذا كنا نحن نعلم أن الرسل أنصح الخلق للعباد، فلننظر في محمد رسول الله، نجده أنه أنصح الخلق لعباد الله، هذه واحدة، ثم لننظر في كلامه نجده أفصح الكلام وأبين الكلام، ثم لننظر في علمه بالله وأسمائه وصفاته نجده أنه أعلم الخلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته وأحكامه، فكلام الرسول عليه الصلاة والسلام إذن تنطبق عليه الأوصاف التي يجب عند اجتماعها قبول الكلام. الأول: العلم، والثاني: الصدق، والثالث: النصح، والرابع: الفصاحة. فكلام الرسول عليه الصلاة والسلام متضمن لهذه الأنواع الأربعة.
الطالب : علم، صدق، نصح، رابعا الفصاحة.
الشيخ : الفصاحة. كل كلام اجتمعت فيه هذه الأوصاف الأربعة يجب أن نأخذه بظاهره، وأن لا نميل عنه يمينا ولا شمالا، وهذا من أقوى الأدلة العقلية على وجوب قبول ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه بدون أي توقف، لأنا لو سألنا هل الرسول عليه الصلاة والسلام حينما أخبر بما أخبر به عن ربه هل هو جاهل؟ أجيبوا؟ لا، بل هو أعلم الناس بالله عز وجل. هل هو كاذب؟ لا، هو أصدق البشر كلاما. هل هو غاش؟ لا، بل هو أنصح الأمة للأمة. الرابع هل كلامه مشتمل على العيِّ والتعقيد وعدم الفهم؟ الجواب: لا، كلامه أفصح الكلام وأبين الكلام وأحسن الكلام، بل إنه حُظي عليه الصلاة والسلام بأن الله تعالى جمع له الكلم واختصر له الكلام اختصارا، حتى إنه ليأتي بالجملة اليسيرة فتحمل المعاني العظيمة، وذلك من فضل الله تعالى عليه وعلى أمته صلوات الله وسلامه عليه.
الصبر أيضا هو لا شك أنه أصبر الخلق، أصبر الخلق لأنه عليه الصلاة والسلام لحقه من الأذى ما سمعتم بعضه.
ومن أعجب ما لحقه من الأذى وأشده إهانة أنه كان ذات يوم يصلي تحت الكعبة، وآمن مكان على وجه الأرض هو الكعبة والمسجد الحرام، يصلي كما يصلي سائر الناس، وكان حوله ملأ من قريش، فقال بعضهم لبعض: أيكم يذهب إلى جزور آل فلان، وكان عندهم علم بأنها ذبحت، فيأتي بسلاها وفرثها ودمها يضعها على محمد وهو ساجد، فانبعث أشقاهم وأتى به ووضعه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. مع أنه لو جاء أعرابي بدوي من أقصى الجزيرة إلى مكة لم تنله قريش بسوء، وهذا منهم يعرفونه يعرفون صدقه وأمانته يفعلون به ما يفعلون عند بيت الله عز وجل! نسأل الله العافية. فبقي الرسول عليه الصلاة والسلام ساجدا وهؤلاء يقهقهون ويضحكون ويتمايلون بما فعلوا بمحمد رسول الله، حتى جاءت ابنته الصغيرة فاطمة رضي الله عنه فأزالت عنه السلا والفرث والدم، ثم قام وأنهى صلاته، وبعد السلام رفع يديه إلى ربه عز وجل، ودعا عليهم، فما أفلت منهم واحد إلا قتل، كل هؤلاء قتلوا في بدر وسحبوا في القليب، يؤذي الناس نتنهم، وأخزوا والعياذ بالله في الدنيا وسيخزون في الآخرة.
فالمهم أن الرسل عليهم الصلاة والسلام صبروا صبرا عظيما على أذى قومهم.
موسى عليه الصلاة والسلام آذاه قومه وكانوا هم المختارين من العالم في ذلك الوقت، آذوه أذية، يسمعونه يخاطب الله عز وجل، ويسمعون كلام الله، ثم يقولون لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، شف أعوذ بالله هؤلاء وهم المختارون من شعبه، قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة.
وكان من جملة أذيتهم أنه كان يغتسل مستترا، ولا يمكن أن يغتسل عريانا، وكانت بنو إسرائيل تغتسل عريانا، تغتسل عراة، فقالوا: إن موسى لم يستتر عنا إلا لأنه آدر. والأدرة مرض في الخصيتين تنتفخ الخصيتان به، قالوا موسى آدر ليش؟ لماذا لا يغتسل عاريا كما نحن نغتسل عراة؟! فأراهم الله سبحانه وتعالى آية قهرية على موسى، قهرا عليه، كان يغتسل ذات يوم وقد وضع ثوبه على الحجر، أتعرف الحجر؟ ما هو؟ لا، أنا أقصد الأخ.
الطالب : ... .
الشيخ : أي نعم. والانتباه جيد.
في القاموس إذا ذكر شيئا معروف يكتب كذا وكذا ثم بعده ميم يعني معروف ما يحتاج أن نفسره، وهو الحجر معروف أنا ما سألت عنه لأني ما أعرفه، لكن لعل أخانا يكون عنده انتباه. المهم أنه وضع ثوبه على الحجر فهرب الحجر بالثوب بأمر من؟ بأمر الله فذهب يشتد موسى، فذهب موسى يشتد وراءه يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر. كيف يا أحمد يخاطب حجر؟ ها؟
الطالب : ... .
الشيخ : أنت فاهم كلامي الآن؟ فاهمه؟ أن موسى وضع ثوبه على الحجر فهرب الحجر، فذهب موسى يشتد وراءه يقول ثوبي حجر، خاطبه لأن هربه بثوبه فعل العاقل الذي يخاطب، فقال: ثوبي حجر، حتى وقف الحجر عند بني إسرائيل فشاهدوا موسى ليس فيه إلا الخير سليما معافى، وفي ذلك يقول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها )). نسأل الله أن يرزقنا وإياكم تعظيم رسلنا على الوجه الذي يرضاه عنا إنه على كل شيء قدير.
السائل : شيخ.